التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:08:44 غرينتش


تاريخ الإضافة : 23.02.2009 17:47:47

التعاون الاقتصادي الصيني الإفريقي : الواقع و الآفاق

بقلم :سيدي ولد عبد المالك

بقلم :سيدي ولد عبد المالك

[email protected]
تنطوي الزيارة الأخيرة للرئيس الصيني هوجينتاوالي أفريقيا علي عدة دلالات ، كما يثير توقفه في محطات غير تقليدية أكثر من مغزي ، فالصين القوة الاقتصادية العالمية الصاعدة ،باتت تتطلع أكثر من أي وقت مضي الي لعب دور محوري و استراتيجي في افريقيا . ولعل محطة السنغال في زيارة الرئيس الصيني هوجنتاو ، و ما ترتب عنها من اتفاقيات اقتصادية موقعة بين الجانبين يبرز بشكل لافت التغلغل الصيني في أفريقيا ، فالسنغال كانت من الدول الافريقية الأكثر ارتباطا بالغرب عموما و فرنسا خصوصا ،كما كانت من الناحية الديبلوماسية بعيدة من الصين بعدها الجعرافي ، و ذلك بسبب اعتراف السنغال بتيوان ؛غير أن حاجة البلدين كلاهما للآخر( الصين بموقعها العالمي ، و السنغال بموقعها الفعال في افريقيا) سرعان ما أذاب جليد العلاقات في 2005 .
ينظر إلي الزيارة الحالية للرئيس هوجينتاو علي أنها اقتصادية في المقام الأول ؛ لكن ثمار صفقاتها الاقتصادية قابلة للتوظيف في المجالين السياسي و الدبلوماسي بين الدولة القارة و القارة الافريقية. فالصين اليوم تتجه إلي إفريقيا بعد أن حاصرها الغرب و أغلق أبوابه أمام معظم منتجاتها و فرض رسوم باهظة علي ما يدخل من الإنتاج الصيني ، كما أن بلد ا بحجم الصيني اقتصاديا و ديمغرافيا بحاجة إلي شريك اقتصادي استراتيجي حتى و إن انعدمت فيه شروط التكافؤ الاقتصادي المطلوبة في الشراكة.

لماذا إفريقيا؟

دوافع الصين لحط رحالها بقوة في إفريقيا دوافع متعددة منها السياسي و الاقتصادي و الدبلوماسي ، فالصين كقوة اقتصادية صاعدة بحاجة إلي المواد الأولية ، و التي يسهل الحصول عليها في إفريقيا ، كما أن حنين نظام بكين إلي ماضي الكتاب الأحمر يجد له أحيانا متحمسين و مغازلين في إفريقيا ، هذا بالإضافة إلي شوكة تيوان التي زرعها الاستعمار الغربي للصين، و التي يتطلب نزعها من الأخيرة خلق تحالف دولي يساعد في عودة الجزيرة المتمردة إلي أحضان الوطن الأم . ومن جهة أخري أصبحت تتنامي و ترتفع في إفريقيا أصوات في صفوف المثقفين و الساسة مطالبة بتعاون اقتصادي منصف و عادل تستفيد منه القارة و لا يكون علي حسابها ، و هذا ما ذهب إليه الرئيس السابق للاتحاد الإفريقي السيد الفا عمر كوناري قائلا بان :"إفريقيا بحاجة إلي إقامة علاقات إستراتيجية جديدة مع دول الجنوب لتمكنها من الخروج من المنطق الاستعماري ، الذي لا يري في إفريقيا سوي سوقا يجب إغراقه بالمنتوجات و البضائع" و يمكن إجمال الاهتمام الصيني بإفريقيا و القبول الإفريقي للصين في النقاط التالية :
1- الدور التاريخي البارز الذي لعبته بكين في دعم حركات التحرر في إفريقيا ماديا و عسكريا ، كما ساهمت الصين في تدعيم استقلال الكثير من هذه الدول دبلوماسيا ، و ذلك بعد حصولها علي الاستقلال .
2- عدم ربط تعاونها الاقتصادي و مساعداتها لإفريقيا بالمظاهر السياسية كاحترام حقوق الإنسان و ترسيخ الممارسة الديمقراطية و الحكم الرشيد كما يفعل الغربيون . فالصين لا تهتم بالتدخل في الشؤون الداخلية السياسية لدول القارة.
3- معارضة الصين الدائمة في مجلس الأمن لفرض العقوبات الاقتصادية و الدبلوماسية علي دول القارة السمراء ، كما فعلت في السنوات الأخيرة مع السودان و زيمبابوي .
4- مشاركة الصين في الاستقرار السياسي لبعض الدول من خلال حضورها في قوات حفظ السلام الدولية (حالة ليبريا مثلا).
5- البضائع و المقاولات الصينية أرخص بكثير من نظيراتها الغربية.
6- العمل علي إيجاد أسواق ذات طاقة استهلاكية كبيرة ، مع التدرج في رفع العزلة الاقتصادية المفروضة علي بكين بعد أحداث اتيان امان عام 1989 ، و التي قمعت فيها الصين وبوحشية تظاهرات طلابية مطالبة بفتح المزيد من الحريات.

التبادل التجاري الصيني – الإفريقي ........أرقام في تضاعف

بدأت الاستثمارات الصينية منذ قرابة عقد من الزمن تدخل أسواق دول القارة السمراء و بوتيرة متسارعة ، و ذلك حين استفاقت الصين من غفوتها ، و أدركت ضرورة البحث عن شريك استراتيجي متحرر من عقدة المنافسة معها ، فوقع اختيارها علي القارة السمراء.
لقد تضاعف التبادل التجاري بين الصين و إفريقيا في السنوات الأخيرة ، حيث قفز رقم التبادل التجاري من 3 مليار دولار عام 1995 إلي 40 مليار دولار عام 2005؛ و بينما كان يتوقع أن يصل هذا الرقم إلي 100 مليار دولار عام 2010 حسب ما أعلن عنه رئيس الوزراء الصيني وان جباوو في القمة الصينية الإفريقية الأخيرة المنعقدة في بكين في نوفمبر 2006 ، تحقق الرقم (100 مليار دولار) في 2008 ؛وفق ما أعلنته الصين في العام المنصرم .
و تغطي الصين حاليا قرابة %10 من صادرات التجارة المتجهة إلي إفريقيا ، كما يستفيد أزيد من 400 منتوج صيني من الإعفاءات الجمركية ، و ذلك مقابل صفقة مالية علي شكل مساعدات لدول القارة تصل قيمتها إلي 3 مليار دولار أمريكي، كما شطبت الصين ديونها المستحقة عن جميع شركائها الاقتصاديين الأفارقة.


النفط ، و قطاع الأشغال العمومية ...فضاءات جديدة للإستثمار الصيني


بحكم حاجتها الماسة إلي الطاقة ، حيث تعتبر الصين ثاني مستهلك عالمي للبترول ركزت الصين في الآونة الأخيرة علي النفط الإفريقي ، و تحصل الصين اليوم علي ثلث احتياجاتها النفطية من أفريقا . كما أن شركات التنقيب و الإنتاج النفطي الصينية أصبحت اليوم تشكل منافسة شرسة لكبريات الشركات النفطية الغربية في مجال النفط.
و تمسك الآن شركات صينية بزمام المبادرة في مجال التنقيب عن النفط الإفريقي خاصة في الكونغو و نيجيريا و السودان ، كما أن بعض هذه الشركات أصبح اليوم يشكل امتدادا أخطبوطيا في دول القارة النفطية ، حيت تتواجد الشركة الوطنية الصينية للبترول في أزيد من 6 دول افريقية ، و ذلك في الوقت الذي تعزز نظيرتها الشركة الصينية للمواد الكيميائية و البترولية حضورها في 8 دول من دول خليج غينيا المليء بالنفط.
التنين الآسيوي استطاع أيضا وضع بصماته المعمارية علي الكثير من المنشآت الإفريقية الحكومية و الرسمية و الخصوصية كالقصور الرئاسية و قصور المؤتمرات و بعض المباني البرلمانية و الطرق و الموانئ و المطارات و الملاعب الرياضية و الفنادق . و تحظي مؤسسات المقاولة الصينية بثقة كبيرة لدي الأفارقة ، و ذلك نتيجة تكلفتها الرخيصة و سرعتها في التنفيذ و الخبرة الطويلة و الجودة .
حملة مسعورة و قلق متزايد

تهول وسائل الإعلام الغربية و بكثير من المبالغة التواجد الاقتصادي الصيني بإفريقيا في الفترة الأخيرة ، و لا يتوقف الأمر عند حد التهويل ، و التشهير. فلا يدخر الإعلام الغربي- سواء رسميه أو مستقله- أي جهد في تشويه البضائع الصينية من خلال نعتها بالمغشوشة و كونها لا تحترم المواصفات المطلوبة ؛ ولا تلتزم بالمعايير الدولية المتفق عليها .كما أن المؤسسات الغربية التي تمتلك نشاطا في افريقيا اصبحت تنزعج من زيارات المسؤولين الصينيين للقارة السمراء ،فقبل زيارة هوجينتاو لمالي و السنغال ؛كانت هناك بعثة من لجنة افريقيا في حركة المؤسسات الفرنسية الدولية المعروفة ب(مدف) ، و قد أعرب رئيس هذه اللجنة باتريك لوكاس لوسائل الاعلام في الدولتين عن قلقه من تنامي نفوذ المؤسسات الاقتصادية الصينية في ظل تراجع نظيراتها الغربية ، مؤكدا في ذات السياق أن الدولة الصينية تخلق فرصا كبيرة للمؤسسات الصينية في افريقيا من خلال تحفيزها المادي و المعنوي ، و أن زيارة هوجنتاو المرتقبة ستعطي هذه المؤسسات دفعا أكبر؛ و ستمنحها وضعا أفضل.
و لا يمكن أن يفهم من الحملة الإعلامية الغربية -التي تصحب عادة بحملات رسمية علي اعلي المستويات- سوي إحساس الغربيين بخطر المنافسة الصينية اقتصاديا و تجاريا في القارة السمراء، التي ظلت الدول الغربية تحتكر الهيمنة علي سيادتها و ثرواتها و مواردها الطبيعية قبل و بعد استقلال دول القارة .



خاتمة

يمكن الجزم في الأخير أن مستقبل التعاون بين الصين و أفريقيا مستقبل واعد ، حيث أنه ثمة مناخ جديد يشجع علي تحسن هذا التعاون فالاستثمارات و المساعدات الغربية ، و التي كانت تجبر الكثير من الدول الإفريقية علي الكثير من الاملاءات الغربية أصبحت اليوم في تراجع. كما أن فكرة تعاون الجنوب – الجنوب أصبحت تستقطب أنصارا جددا من الطرفين . و الأهم من كل هذا دخول الصين إلي المنظمة العالمية للتجارة التي منعت من دخولها مرارا بسبب المتاريس الغربية المنصوبة أمامها ، إذ أن عضوية الصين للمنظمة ستمنحها نفس الامتيازات التي يستفيد منها خصومها السياسيين و الاقتصاديين ، كما ستسهل لبضائعها ولوج الأسواق العالمية دون الكثير من المضايقات .


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!