التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:08:38 غرينتش


تاريخ الإضافة : 09.03.2009 11:59:02

ما بين الخروج على "نص" العسكر و"النص" على خروج العسكر هل من حل يذكر..؟

بقلم:عبد الله محمد                                     abdallahimohammed@yahoo.fr

بقلم:عبد الله محمد [email protected]

بدا منذ الوهلة الأولى من مرحلة ما بعد المرحلة الانتقالية أن الفريق الحاكم يفتقر إلى التجانس من حيث التوجه السياسي ولا يمتلك مشروعا جاهزا للحكم. لم يكن خافيا أن دهشة مشهد الثالث من أغشت أذهلت الكل عن تفاصيل المرحلة التي تلت ذلك من انحرافات خطيرة في المسار السياسي. فكأن الانقلاب علي العقيد منح العسكريين صك غفران و ثقة لا يضرهم بعده ما يفعلون في تصريفهم لشؤون البلد حتى وإن وصل الأمر حد التدخل لدعم مرشح معين. لعب العسكر علي وترين حساسين: القابلية الفطرية لدي فرق المنتفعين للاصطفاف خلف من تدعمه السلطة من جهة والحالة اليائسة لمعارضة تبحث عن قشة تتعلق بها بعد أن قطع العقيد آخر حبال السياسة. استغل المنتفعون أداة حشد للأصوات و استغلت المعارضة غطاء لإضفاء بعض من الشرعية و سحب الشعب الذي كان قد فغر فاه منذ أن قال "هذا أكبر" عشية الثالث من أغشت، في هدوء إلي انتخابات 2007.

بدت أولى علامات الارتباك عند تشكيل الحكومة الأولى والتي كانت مجهولة لدى الجمهور و مغضبة لداعمي مرشح العسكر من فلول الحزب الجمهوري. كان واضحا أن توازنات ما بعد الانتخابات الرئاسية قد أدخلت النظام الناشئ في حالة من عدم التوازن ناجمة عن استحالة التوفيق بين الوصفة التي سطرها المجلس العسكري و بين معطيات مرحلة ما بعد الانتخابات. تلك المرحلة جاءت بلاعبين جدد أفرزتهم صناديق الاقتراع، مثلت مساندتهم للمرشح "المدعوم" "درجات رأفة" حسمت السباق لصالحه. كانت المعادلة صعبة: التزام لنهج العسكر مع مراعاة لحلفاء السياسة، إقناع لرأي عام متوجس من الوضع الجديد ورأي عام دولي مترصد لمدى جدية التجربة الديمقراطية. إضافة إلى ذلك كانت الظرفية الاقتصادية الصعبة والتي أذكتها كوارث طبيعية علي المستوى المحلي وأزمة غلاء على المستوى العالمي، تعقيدا نوعيا في مهمة الحكومة الجديدة.
كان المشهد السياسي ورغم الاخضرار الذى حف حفل التنصيب مليئا بألوان التحدي. لم يكن الأمر خلافا بين مجموعات سياسية جمعتها نتائج الانتخابات بل تجاذبا بين أقطاب داخل جهاز السلطة. بين رئيس يحاول الخروج من شرنقة العسكر و نواب متذمرين من بروز منافسين جدد بعد الشوط الثاني من جهة و بين معارضة تبحث عن فرصة جديدة. ورغم الدينامكية في ملفات مثل الرق و عودة اللاجئين إلا أن السعي إلى التغيير المطلوب بقي رهينة المواءمات السياسية فيما يشبه تدافعا لاقتسام منافع النصر الانتخابي. نتيجة لذلك، لم تنعم الحكومة بوجود أغلبية في البرلمان تمكنها من المضي في برنامجها، ولم يجد النواب الداعمون للرئيس امتدادا سياسيا في الحكومة.

أما المعارضة، وبعد انضمام بعضها إلى الحكومة فقد انقسمت على نفسها بعد أن تداعت إلى قصعة "زعامة المعارضة الديمقراطية" المبتدعة ائتلافا لقلوب البقية الباقية من تلك المعارضة و لإضفاء نوع من الجدية على المسار الديمقراطي. كان مصير الحكومة إذا هو الإقالة لتحل محلها حكومة هي أشبه بالمسخ السياسي و إن جاءت في خضم تشكيل حزب سياسي أريد له أن يكون إطارا للأغلبية لكنه سرعان ما تحول إلى بؤرة للشقاق السياسي وإن بقيت الأمور في إطار إدارة العسكر الذين شكلوا دوما وصيا علي السلطة.

في خضم تلك التطورات شكلت الحكومة الثالثة التي كانت بحق حكومة سد للفراغ على المستوى التنفيذي في وقت وصلت فيه أزمة السلطة أوجها لتصل في النهاية إلى حد التدخل بالقوة و تنحية الرئيس بعد خروج هذا الأخير على النص المكتوب سلفا.
كان انقلاب 6 أغشت ردة بالمعنى الديمقراطي أعادت البلاد إلى المربع الأول و أدخلتها في مرحلة من التيه السياسي لم يسبق لها مثيل، سمحت بلم شتات كل الفئات الانتفاعية التي اقتنصت اللحظة الحرجة في ظل تشرذم الطبقة السياسية ما بين مؤيد و مؤيد علي استحياء من جهة و معارض رافض لمبدأ الانقلاب من جهة أخرى.

بدا واضحا أن ما حصل كان استباقا من العسكر لمحاولة قلب للطاولة من طرف الرئيس تجلت في قرار إقالة القادة العسكريين، وإن كانت عملية تضييق الخناق من طرف الجنرالين قد بدأت داخل كواليس القصر الرمادي منذ فترة. اتخذت الأزمة شكل انسداد داخلي و شبه عزلة خارجية. ورغم كرنفالات التأييد و المساندة التي أعادت سماسرة التعبئة الجماهيرية سيرتهم الأولى، لم يكن من السهل إقناع رأي عام داخلي مل الانقلابات وأصحاب البدلات العسكرية المتحلقين حول طاولة مجلس الوزراء، خاصة وأن الرئيس المقال كان قد تم إقحامه من طرف الذين انقلبوا عليه.
لم يشفع للانقلابيين سوء أداء فريق الرئيس المقال على امتداد خمسة عشر شهرا، ولم تشفع للرئيس المقال فظاظة العسكر في تحركهم ضده. إضافة إلى ذلك، شكل وجود أطراف داخل المؤسسات التي أبقي عليها، معارضة لما حدث إرباكا لبعض مكونات الرأي العام. بالتوازي مع الرفض الداخلي متمثلا في موقف الجبهة التي تضم أطرافا حليفة للرئيس المقال بل و لاحقا في مواقف أطراف من المعارضة التقليدية، جاء الرفض الدولي من الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين لموريتانيا ليزيد من تعقيد الأزمة. لم يفلح العسكر في تقديم بديل رغم التعهد بتنظيم انتخابات رئاسية رفضها المعارضون لكونها تكرس شرعية الانقلابيين و تحفظ عليها "المابينيون " الرافضون لعودة الرئيس المقال و لترشح أي من أعضاء المجلس العسكري.
ظلت العقدة الحقيقية متجسدة في تمسك المعارضين بعودة الرئيس المقال ورفض العسكريين لذلك من جهة، والإيحاء من طرف المجلس بترشح قائد الانقلاب و رفض بقية المعارضة التقليدية لذلك من جهة أخرى. خارجيا، راوحت القضية مكانها في ظل تحرك سياسي بطيء من الأوروبيين و الإتحاد الإفريقي، و رفض و تصلب في الموقف الأمريكي لدرجة تجاوزت سقف مطالب الرئيس المقال نفسه، فيما بدا أنه تباين في وجهات النظر بين القوى الدولية حول الملف الموريتاني. وفي ظل الحملات و الحملات المضادة و المساعي المختلفة يبقى هاجس المواطن الموريتاني أن يرى حلا لأزمة تعصف بكيان بلده الهش جاعلة منه مسرحا لصراعات داخلية على السلطة، ولصراعات خارجية على تقاسم النفوذ.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!