التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:19:22 غرينتش


تاريخ الإضافة : 09.03.2009 13:54:17

"الأخبار" في حوار مع السفير محمد محمود ولد ودادي

السفير محمد محمود ولد ودادي فتح قلبه للأخبار قبل أن يفتح مكتبته (تصوير اوكالة الأخبار)

السفير محمد محمود ولد ودادي فتح قلبه للأخبار قبل أن يفتح مكتبته (تصوير اوكالة الأخبار)

حملت الأخبار أسئلتها للسفير محمد محمود ولد ودادي الذي استقبلها بحفاوة وإفاضة في الجواب عن العديد الأسئلة المتعلقة بالعلاقات الموريتانية الليبية ورؤيته لمستقبل الجهود التي يبذلها الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي لحل الأزمة الموريتانية.
ويعتبر محمد محمود ولد ودادي أحد أهم الشخصيات الدبلوماسية التي شغلت لسنوات مهمة مستشار بالرئاسة مشرفا على ملف علاقات موريتانيا بالعالم العربي وهو إلى ذلك يمتلك خبرة اثنتي عشرة سنة من العمل الدبلوماسي سفيرا لموريتانيا في عدة بلدان.
وشغل منصب وزير الإعلام في عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع ووثق تجربته في كتاب بهذا الخصوص "الوزير" كما أشرف على تطوير العمل الإعلامي وكان من المدافعين بحماس عن عروبة موريتانيا ومكانتها الإفريقية المميزة بوصفها جسرا للثقافة العربية وركنا للغة الضاد ساهم في حمايتها خلال القرون الأخيرة من التضعضع.
كما تناول السفير ولد ودادي أعمال المستشرق الفرنسي بول مارتي فقام بترجمتها والتعليق عليها وكان بول مارتي قد ألف العديد من الكتب التي وثق فيها العديد من جوانب الحياة الموريتانية في الصحراء برؤية فرنسية لكنها تفيد الدارسين العرب والمهتمين بالتاريخ الموريتانيي في الحقبة المعاصرة فولد ودادي يجمع إلى تجربته العملية سفيرا ومستشارا بالرئاسة ووزيرا للإعلام وناشطا سياسيا الخبرة بالتاريخ السياسي للقبائل والمجموعات الموريتانية في المنطقة الإفريقية بشكل عام وخصوصا في أزواد شمال مالي وفي النيجر فهو من أفضل من سيتحدث بخبرة الباحث ونباهة السياسي عن السياقات السياسية الحالية ومآلاتها المستقبلية التقته الأخبار في منزله بالعاصمة نواكشوط على بعد ساعات من نزول الزعيم الليبي على أرضية مطار نواكشوط فكان الحوار التالي:


الأخبار: متى بدأت العلا قات الموريتانية الليبية؟

السفير محمد محمود ودادي: بدأت بالضبط عند قيام ثورة الفاتح من سبتمبر9سبتنبر 1969، حيث بادرت الجمهورية الإسلامية الموريتانية بالاعتراف بحكومة الثورة، وبعدها بفترة قصيرة أيضا اعترفت حكومة الثورة الجديدة بالحكومة الموريتانية، لأن المملكة الليبية لم تكن معترفة بموريتانيا انسجاما مع تضامنها مع المملكة المغربية في تلك الفترة، التي كانت تطالب فيها المملكة المغربية بضم موريتانيا، وتعرفون أن هذا الموقف هو ما جعل انضمام موريتانيا للجامعة العربية يتأخر بعد إعلان استقلالها، وتتذكرون أنه وقع اجتماع الجامعة العربية بمدينة اشطورة اللبنانية مباشرة بعد استقلال موريتانيا عندما قدم الطلب رفض بدعوى أن موريتانيا جزء من المغرب، لذلك قيام الثورة الليبية كان مفتاحا لقيام العلاقات، وبعدها بأقل من سنة قام الرئيس المختار ولد داداه بزيارة إلجماهيرية، الجمهورية العربية الليبية في تلك الفترة، واستقبل بحفاوة بالغة، وتقرر إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، حيث فتحت سفارة لموريتانيا في طرابلس، وبعدها بقليل فتحت أيضا سفارة لليبيا بنواكشوط.

الأخبار: إذن قيام الثورة كان مفتاح العلاقات مع ليبيا.. كيف كانت العلاقات القائمة بين طرابلس ونواكشوط إبان حكم المختار ولد داداه؟

محمد محمود ودادي: العلاقات بدأت جيدة، يعني الاكتشاف المتبادل، خاصة عند زيارة العقيد لموريتانيا سنة 1972 حيث زار مدنا داخلية في موريتانيا في تلك الفترة، وكانت زيارة حقيقة تعني مهرجانا بسبب الاستقبال الحار، ثانيا كانت مهرجانا شعريا في أي مكان حل به العقيد القذافي كانت هناك مجموعة من الشعراء المحليين في ذلك المكان ألقوا قصائد بهذه المناسبة، مناسبة الزيارة، وتفاعل العقيد والوفد الليبي الذي معه مع هذه الروح، والعقيد القذافي كان يقول في تلك الفترة إنه اكتشف موريتانيا، خاصة أنه قادم من جولة عربية، زار خلالها جميع الأقطار العربية بما فيها الصومال التي لم تكن عضوا في الجامعة العربية في تلك الفترة مثل موريتانيا، فكان حقيقة منبهرا بما رآه في موريتانيا.

وتبعا لذلك، بدأت العلاقات جيدة، أولا هناك تشاور مستمر حول جميع القضايا الخارجية، وهو تشاور حقيقي مستمر، ولم يكن يخلو شهر من زيارة مبعوث ليبي إلى موريتانيا، ومبعوث موريتاني إلى ليبيا، خاصة بعدما بدأت السفارتان تقومان بعملهما، وكان مجال هذا التعاون وهذا التضامن وهذا التحرك هو افريقيا، حيث انطلق العمل الليبي تجاه افريقيا من نواكشوط، فالسفير الليبي المعتمد في السنغال وفي جميع أقطار افريقيا الغربية كان مقيما في نواكشوط، ومن هنا دعم الرئيس المختار ولد داداه علاقاته بالدول الإفريقية، ولاسيما الناطقة منها باللغة الفرنسية، وذلك لشرح القضايا العربية، منذ استقلال موريتانيا وخاصة القضية الفلسطينية، وكان هذا هو ديدنه، وهنا التقى الطرفان في التقريب بين طرفي أفريقيا وأعتقد أنه بالإضافة إلى جهود الدول العربية الإفريقية وغير الإفريقية مثل المملكة العربية السعودية بصورة خاصة، هذا الذي أثمر قطع الدول الإفريقية لعلاقاتها مع إسرائيل، تلك العلاقات التي كان قطعها من شبه المستحيل ، لأن إسرائيل كانت ربيبة للاستعمار، وكانت الدول الإفريقية تعتبر أن هناك شجاعة إسرائيلية، وهناك تنمية إسرائيلية، وأن إسرائيل مثل هذه الدول الأخرى فيما قدمته من "نضال" طبعا بين مزدوجين، وهو ما يجعل هذه الدول تعتقد أن إسرائيل قريبة منها.



وكان أوج التعاون الليبي الموريتاني ما حصل في قمة القاهرة سنة 1977 بين الدول العربية والإفريقية، التي أنشأت البنك العربي للاستثمار في إفريقيا ومقره في الخرطوم، الذي استثمر ما يزيد على 10 ملايين دولار .. وكان من ثمرته عقد اتفاقيات بين الدول العربية والإفريقية، وأيضا توسيع التمثيل العربي في إفريقيا، والتمثيل الإفريقي لدى الدول العربية، إذن هذا من حيث العلاقات الخارجية، أما من حيث العلاقات الداخلية أو الثنائية، فقد عقدت العديد من الاتفاقيات الثقافية التي بموجبها أرسل عدد من الطلاب الموريتانيين للدراسة في المعاهد المتوسطة في ليبيا، وكذلك عدد أقل أرسل إلى الجامعات الليبية، لأنها كانت هي الأخرى لم تتوسع بعد، والحقيقة تلك المعاهد خرجت مجموعة من الكوادر الموريتانية، التي كان منها ولاة وحكام، ومنهم من يعمل لدى منظمات دولية مرموقة، مثل الأخ منصور ولد فتى، يعمل لدى البنك الإسلامي، الد ولد أب الذي يعمل ببنك التنمية العربية في إفريقيا الذي مقره الخرطوم..


كذلك أنشأت ليبيا المركز الثقافي الليبي في نواكشوط وآخر في أطار، وأنشئت شركتان إحداهما للصيد "الشركة الموريتانية الليبية للصيد"، وأخرى للزراعة "الشركة الموريتانية الليبية للزراعة"، وأقيم "البنك العربي الليبي بنواكشوط" الذي هو الآن "مصرف شنقيط"، وللحقيقة أقيم سنة 1972 وكانت مرحلة جفاف صعبة جدا، لأن هذا البنك ساهم مساهمة كبيرة في تخفيف الجفاف، حيث قدم الكثير من القروض للمواطنين ولم يستعدها في تلك الفترة، وأيضا أودعت ليبيا مبلغ 7 ملايين دولار وهو مبلغ ضخم بحسابات تلك الفترة، وذلك لتعزيز مكانة الأوقية، وتعرفون أن الفرنسيين رفضوا إنشاء حساب خاص في الخزينة الفرنسية لصالح الأوقية، مثلما عملوا مع تونس والمغرب عند استقلالهما.. حيث كان الفرنسيون ينظرون بنظرة غير ودية لقرارات موريتانيا في تلك المرحلة، فدعم البنك المركزي الناشئ ودعم الأوقية، وأعتقد أن هذا المبلغ ما زال في البنك، وقد زيد هذا المبلغ بعد تلك الفترة، وأيضا أقيمت محطة كهربائية في شنقيط، لكن هذه العلاقات شملت أيضا الكثير من الجوانب الأخرى المختلفة، مثلا دعم ليبيا لثوار الصحراء الغربية انطلق من نواكشوط ولاسيما الدعم العسكري واستمر هذا الدعم حتى انسحاب اسبانيا، حيث اعتبرت ليبيا أن الثوار الصحراويون نجحوا في إخراج الاستعمار الإسباني ومن ثم أوقفت هذا الدعم.

الأخبار: لماذا انهارت العلاقات التي كانت قائمة؟

محمد محمود ودادي:
أنا لا يمكن أن أقول إن العلاقة انهارت بين الطرفين، يمكن مرحلة أولى حرب الصحراء كانت أثرت على العلاقات ولاسيما مشروع "شنقيطي" لأنه كان هدفا لعدة هجمات من ثوار البوليساريو، ولكن الشركات ظلت تعمل حتى بعد انقلاب 1978 العسكري على المختار ولد داداه، طبعا الحكومات التي جاءت بعد ذلك مرت بمراحل من سوء التفاهم مع الحكومة الليبية، وأيضا هناك عوامل اقتصادية وربما تسييرية أدت إلى توقف الشركتين، ومع ذلك البنك استمر في عمله (الذي هو مصرف شنقيط) وعلى كل حال العلاقات بين الدول تمر دائما بفترات مد وجزر..

الأخبار: كيف ترى مستقبل العلاقات في ظل الوضع القائم؟

محمد محمود ودادي:

الحقيقة هي أن المفروض أن العلاقات كانت قد نشطت منذ فترة بعيدة، وأيضا إنشاء المغرب العربي شكل رافدا أوسع للعلاقات بين الطرفين والعلاقات بين دول المغرب العربي بشكل عام، أما والمغرب العربي لم يتقدم بالشكل المطلوب ولم يتمكن من تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، أعتقد أنه ينبغي أن تقوم علاقات جيدة لأن الشعبين بينهم علاقات كذلك، فلم تكن هناك تأشرات للسفر بل كانوا يسافرون بالبطاقات الشخصية، وهذا من ضمن الاتفاقية بيننا،وأعتقد أنه إذا سويت الأوضاع في موريتانيا وعادت البلاد إلى حياة دستورية طبيعية وسلطات جديدة فمن الأولويات استعادة هذه العلاقات وليبيا مستعدة للعودة إلى الماضي الجيد للعلاقات بين البلدين، وذلك لمصلحة الطرفين.

الأخبار: ما هي أطرف المواقف التي مرت بكم وأنتم سفيرا في ليبيا؟
محمد محمود ودادي:
المواقف الطريفة كانت كثيرة، وكنت في ليبيا واعتبرها بلدي الثاني إن لم أقل الأول، ومن تلك المواقف مثلا، أتذكر أنه لما قدمت إلى ليبيا كنت قبل ذلك مديرا للإذاعة، لم تكن لدي تجربة دبلوماسية، وكانت هواتفي في البيت وفي المكتب ولم تكن الهواتف النقالة موجودة، وكانت هواتفي عند المواطنين والسلطات الليبية، وخاصة من هم على الحدود الجنوبية وفي المطارات، أتذكر أن أحدهم مرة اتصل بي من "رأس اجدير" وكان شرطيا ليبيا وحدثني بالطريقة الليبية، وقال "ذاك سفيرُ" وقال لي إنهم أوقفوا موريتانيا يحمل جواز سفر كتبت معلوماته باللغة الفرنسية، وهم يرفضون الأوراق المكتوبة بغير العربية، فما ذا يفعلون به؟ قلت له إن عليهم أن يطلقوا سراحه لأن الاتفاقية بين موريتانيا وليبيا تشمل السفر بالوثائق فقط دون تأشرة، وهذه مشكلتنا نحن (الكتابة بالفرنسية) ، فقال لي إنهم سألوا المواطن الموريتاني هل يحفظ القرآن الكريم فقال إنه لا يحفظه..! وكأنهم لا يصدقون أن هناك موريتانيا لا يحفظ القرآن، وطبعا هذا نتيجة للهالة الإسلامية الكبيرة التي خلقت لدى الليبيين خاصة بعد زيارة العقيد معمر القذافي لموريتانيا حيث أصبح في كل مكان يعلن أنه ينبغي لليبيين أن يتعلموا اللغة العربية في موريتانيا بدلا من البلدان العربية الأخرى، وأتذكر مرة أنه كنا في مطار طرابلس أنا وعبد الله ولد بيه و "محمد امزالي" (تونسي) و"شريف" وزير التربية الليبي، ووزير العمل الليبي، وكان من جملة حديثنا أن "امزالي"(وكان رجلا مثقفا وعمل على التعريب في تونس) قال إنه قام بتطويع الكثير من الكلمات الأجنبية حتى أصبحت عربية، فرد عليه الشيخ ولد بيه بأن هذه الكلمات التي ذكرها كانت من العربية قبله وأنشد له أشعارا فيها تزيد على العشرة، وهو يداعبه، لكن الوفد التونسي شعر بالمرارة، وبعد حين رد عليه "شريف" (وهو الآن الأمين العام للدعوة الإسلامية العالمية وبين ظهرانينا هنا في نواكشوط) بالقول يا "امزالي" نحن في شمال أفريقيا عندنا خبرة في صناعة الزيت، في العلاقة مع أوروبا، أما "اللغة" فهي للموريتانيين.

وأتذكر كذلك مرة كنت ذاهبا لشراء بعض الأغراض ومعي سائق سيارة، لكني فوجئت بأني لا أحمل المبلغ الكافي وطلبت من أحد التجار أن يحتفظ بهذه الأغراض حتى يرجع إليه السائق بالمبلغ كاملا فغضب عليّ غضبا شديدا وأصر على أن آخذ جميع ما أريد من دون صرف ثمنه، بل وحمله شخصيا حتى وضعه في السيارة، وبعد فترة أعدت إليه المبلغ فرفض تسلمه إلا بعد وساطات شاقة، واعتبر الأمر إهانة له، وهذا في الحقيقة يدل على كرم الشعب الليبي. وأنا أقمت في الخارج أكثر من ثلاثين سنة، وليبيا من البلاد العربية التي عشت فيها ولمست كرما غير عادي عند الشعب الليبي، وهي قضية تميزه.

الأخبار: هل تعلقون في حزب "تكتل القوى الديمقراطية" آمالا على الحوار المرتقب؟
طبعا نحن نعلق آمالا كبيرة على هذاالحوار الذي دعونا له منذ البداية، وليس لدينا قول شيء زيادة عليه ، لأننا في مرحلة بناء ثقة ومرحلة ترطيب الأجواء، ليس لدي تعليقا على الجو إلا تمنياتنا بقول الله تعالى في قرآنه الكريم هذه الدعوة التي أنا أدعو بها "ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين".
الأخبار: برأيكم ما هي الحلول الممكنة لتجنيب موريتانيا أزمات هي في غنى عنها؟
ولد ودادي: طبعا يمكن الرجوع إلى وثائق حزب التكتل ومقترحاته، حيث نرى أن هذه المقترحات هي وسيلة الحل.

الأخبار: أخيرا.. ما هو دور الدبلوماسية في حل الأزمات عموما؟

محمد محمود ودادي:
الدبلوماسية طبعا بشكل عام والدبلوماسيون من مهامهم الأساسية تنفيذ ما يتفق عليه السياسيون، ومعنى ذلك أن الدبلوماسي ينبغي أن يكون يلبس ثياب القانوني والسياسي ولكنه يضع بصماته في حل هذه الأمور، وموريتانيا تمتلك دبلوماسيين أكفاء قادرين على المساهمة في حل جميع مشاكلها.

الأخبار: شكرا جزيلا لكم.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!