التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:08:35 غرينتش


تاريخ الإضافة : 15.03.2009 09:56:06

البعد السياسي لليوم العالمي للمرأة في موريتانيا 2009

سيدي ولد سيد احمد البكاي

سيدي ولد سيد احمد البكاي

منذ أن أصدرت الأمم المتحدة سنة 1977 توصيتها الرامية إلى تخليد الثامن مارس من كل سنة، عيدا دوليا للمرأة ، والدول تحتفل رسميا بهذه المناسبة، وكانت موريتانيا من بين هذه الدول وظل الاحتفال بهذا اليوم يتلون بلون المناخ السياسي السائد، خاصة فيما يتعلق بالمكانة التي تأخذها قضية المرأة من بين أولويات الأنظمة المتلاحقة على دفة الحكم في موريتانيا ومعروف أن تلك المكانة عرفت تغيرات وهزات أحيانا، وسنضرب صفحة عن تناول تلك التغيرات لأننا تناولناها في مناسبة سابقة (المرآة و أنظمة الحكم في موريتانيا منذ الاستقلال وحتى أيامنا هذه) ،وسنحاول التركيز من خلال هذه المحاولة على البحث عن خصوصية معتقدة لليوم العالمي للمرأة في موريتانيا 2009.

فهل فعلا لهذه النسخة من اليوم العالمي للمرأة في موريتانيا ما يميزها؟ وإلى أي مدى تجسد الفعاليات المخلدة هذه السنة أولويات التوجهات الرسمية السائدة؟
قد تكون الإجابة على هذين السؤالين سابقة لأوانها إذ أنها تستدعي التريث –على الأقل حتى الانتهاء من هذه الفعاليات- بمعنى أنهما سؤالين تقييمين أكثر منهما تحليليين، وقد أتفق إلى حد ما مع هذا الطرح،إلا أن الخطوط العريضة لبرنامج الأنشطة المعلن عنها وكذا الشعار الذي يتم من خلاله التخليد هذه السنة يكفيان الباحث لمحاولة رصد الجديد هذه السنة.

فبالرجوع للخطوط العريضة للبرنامج يتبين لنا أنه يركز على الأنشطة الثقافية ولذلك دلالات كثيرة يمكن تناولها من خلال النقاط التالية:
أولا: كون التركيز على الجانب الثقافي محاولة للبحث في أعماق المخيال الجمعي للمجتمع الموريتاني لملامسة المعوقات السوسيوثقافية التي حالت و مازالت تحول دون ترقية المرأة واستفادتها من مختلف الجهود التي قيم بها في هذا الصدد.

ثانيا : كون الأخذ بالمقاربة السوسيوثقافية لا يمكن عزله إطلاقا عن التغيير المؤسسي الذي طال الوزارة التي كانت مكلفة بالترقية النسوية وأصبحت وزارة الشؤون الاجتماعية و الطفولة و الأسرة وهو حسب اعتقادي ـ المتواضع ـ نابع من الإيمان بأن معالجة قضايا المرأة لا يمكن أن تتم إلا من خلال مقاربة مجتمعية شاملة ـ وليست شمولية ـ تشاركية و مندمجة ، وتركز في برامجها على النوع الاجتماعية وليس الفرد ـ بوصفه كائن منعزل وليست موريتانيا مبتدعة في هذا الصدد ،بل هي متبعة من باب أن غالبية الدول تتبع النهج نفسه ، ويبدو مستغربا إلى حد بعيد الانتقاد الذي صاحب هذا الإجراء من طرف بعض المهتمين بالشأن النسوي وتفسيرهم له كونه نكوص في الاهتمام بقضايا الترقية النسوية وهو من وجهة نظري انتقاد سياسوي بالدرجة الأولى .

ثالثا: أن الثقافة بصنفيها، العالمة و العامية، تأخذ من العلم بمختلف تجلياته أساس لها، ودرجة التناغم القائمة بينهما هي المؤشر الحقيقي للتنمية، فمن أبرز التعريفات لهذه الأخيرة كونها "العلم حين يصبح ثقافة"وهذا ما يحيل إلى أن التخلف بهذا المعنى سيكون " العلم حين ينفصل عن الثقافة" وبذلك تكون وزارة الشؤون الاجتماعية بتركيزها على المقاربة السوسيوثقافية قد وفقت إلى حد بعيد.

أما فيما يتعلق بالشعار هذه السنة و الذي هو "نساء ورجالا :معا من أجل ترشيد مواردنا" يعكس للمتلقي البسيط احاءات أولية و إشارات بارزة يتم من خلالها التناغم الواضح مع أولويات مكافحة الفساد وترشيد الموارد ، غير أن القارئ للشعار بعين سيميائية قد يصل إلى ماهو أبعد من ذلك وسنحاول أن نبين ذلك من خلال النقاط التالية:
فبالإضافة إلى مسايرة ترشيد الموارد بما هو هدف معلن للحكم الحالي"6 أغشت وما بعدها"يمكن أن نلاحظ أن الشعار الوطني يدخل في عباءة الشعار الدولي"الذي يأخذ هذه السنة من فكرة المساواة محورا له" وخاصة في جزأه الأول ، وقد يكون ذلك تعبيرا للصفة الدولية لهذا العيد وكونه نابع من إرادة أممية وليست ارادات وطنية كما بينا في المقدمة ، والشعار كله على بعضه يمكن أن يقرأ قراءة أخرى تحيل إلى السياقات العامة التي تكون النسق السياسي أو المناخ السياسي السائد والذي تغلب عليه العديد من المفاهيم الجديدة على تناول الشأن العام مثل: التغني بالموارد الوطنية ،عدم الاعتماد المفرط على المساعدات الخارجية ( وزير المالية: ميزانية 2009 بتمويل موريتاني خالص) شبح الحصار الذي يحذر منه طرف ولا يوليه الطرف الآخر أي اعتبار ، التصحيح و ما يحيل إليه من تخطيء الماضي ،مجابهة الفساد ( إقالات ،سجون ، غرامات ،استرجاع ميئات الملايين...).

وبعبارة أخرى فإن المتتبع للنهج السياسي الموريتاني في الآونة الأخيرة – ورغم محاولة البعض إدخال ذلك في التخفيف من تبعات أخذ الحكم بالقوة – إلا أنه يلاحظ جليا أن المسار السياسي لموريتانيا بدأ يغير وجهته من الغرب نحو الاتجاهات الأخرى ( الشرق ، جنوب – جنوب)، أو باتجاه التقوقع على ألذات ودخول مغامرة التنمية الذاتية والتي شكلت على مر العقود الماضية موجا هائجا ركبته بعض الأنظمة في العديد من البلدان فمنهم من نجح في العبور للضفة الأخرى ومنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر وقد بدل تبديلا كبيرا في نهجه.

وسنحاول أن نسترشد ببعض الأمثلة على هذين الاحتمالين من خلال الواقع السياسي للبلد ،دون أن ننسى أن ما يهمنا من خلال هذا التناول هو البحث عن البعد السياسي في الشعار الذي يتم من خلاله تخليد اليوم العالمي للمرأة هذه السنة.

والدليل على أن موريتانيا غيرت اتجاهها إلى الشرق يكمن حسب اعتقادنا في النقاط التالية:
• البعد عن الغرب وخاصة أمريكا والذي تجسد في أبعد صوره في حمل السفارة الاسرائلية أمتعتها ( غير مأسوف عليها) ومغادرتها التراب الموريتاني إلى غير رجعة أو هكذا نتمنى ، ولست بحاجة إلى الاستفاضة في شرح الترابط العضوي ما بين أمريكا و ربيبتها لأن كل الموريتانيين و العالم أجمع مازال يتذكر المساء الأسود الذي أعلن فيه عن هذه العلاقة المستهجنة و التي ظلت مرفوضة حتى آخر دقيقة في حياتها.

• تنامي العلاقات البينية المغاربية (زيارة الزعيم الليبي معمر ألقذافي – رغم بعدها التصالحي-)، العلاقات الموريتانية العربية حضور قمة الدوحة الاستثنائية، تكريس العلاقات الإسلامية التطور الملاحظ في التواصل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية،حركات المقاومة خاصة حماس ،والنقلة النوعية التي شهدتها العلاقات الاقتصادية الموريتانية الصينية.....

• التنمية الذاتية وهاجس النموذج
إن الاعتماد على الموارد الوطنية و الإيمان بها و التشدد على ترشيدها من خلال مجابهة الفساد و غسيل الأموال أو من خلال التقشف في الميزانيات كلها أمور تصب في مضامين التنمية الذاتية أو التنمية البديلة كما يحلوا للبعض أن يسميها و يتعزز هذا الطرح من خلال الملاحظات التالية:
1. فشل النموذج الغربي الذي حاول البنك الدولي استنساخه في البلدان النامية وذلك من خلال تطبيق مخطط روستو للتنمية وأثبتت التجربة أن الدول التي أخذت به لم تنطلق منها واحدة حتى الآن مما جعل البعض يبحث عن النموذج البديل.
2. الهاجس من تعاظم الأزمة المالية الراهنة التي أصبح تهديدها جديا ونتائجها ستكون كارثية خاصة في بعض الاقتصاديات المتواضعة أصلا.
3. الشعور بالرغبة في الاستقلالية خاصة في القرار السياسي الذي يستحيل في ظل العلاقات الدولية التي تطبع النظام الدولي الراهن والذي تقوده أمريكا وتطبعه ازدواجية المعايير على حساب البلدان النامية (فلسطين ، السودان...)
إن هذه الملاحظات الثلاثة و غيرها من مزايا التنمية الذاتية يسيل لها لعاب كل قائد يريد أن يجرب نظرته للأمور بكل استقلالية إلا أن هاجس النموذج يظل يحول دون المضي بعيدا فيها.

كانت هذه محاولة لقراءة سياسية لشعار اليوم العالمي للمرأة في موريتانيا وليس دلك حبا في السياسة إلا أنها فرضت نفسها.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!