التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:08:37 غرينتش


تاريخ الإضافة : 26.03.2009 10:15:05

رسائل الإستحقاقات المحلية السنغالية الاخيرة

سيدي ولد عبد المالك

سيدي ولد عبد المالك

سيدي ولد عبد المالك
[email protected]

يحلو ا للكثير من المراقبين و المهمتمين بالشأن السياسي السنغالي وصف الانتخابات المحلية الاخيرة بلإستفتاء ، ذلك لأنها أجابت علي الكثير من القضايا السياسية التي باتت تشكل اليوميات السياسية للراي العام السنغالي ، كإمكانية قبول السنغاليين لكريم واد نجل الرئيس زعيما سياسيا جديدا ، و خليفة يملأ عما قريب فراغ أبيه السياسي و السلطوي ، و مستوي شعبية الحزب الحاكم ، و مدي التحديات المفترض أن تواجهه في رئاسيات 2012 .
و يمكن القول بأن أهم هذه القضايا وجدت علي الأقل أجوبة أولية من خلال الاستحقاقات الاخيرة ،كما أنها تؤذن ببداية تشكل المشهد السياسي السنغالي من جديد بعد 8 سنوات من هيمنة الحزب الديمقراطي السنغالي و انصاره في تحالف التغير المعروف محليا ب سوبي .

المعارضة و استخلاص عبر الماضي
تتميز الانتخابات المحلية و الريفية و الجهوية الاخيرة بالمشاركة القوية للمعارضة السنغالية ، فالمعارضة التي كانت قد قاطعت الانتخابات التشريعية لعام 2007 اعتراضا علي جملة من النواقص و الخروقات الانتخابية ،و طعنت في نتائج رئاسيات نفس العام ، دخلت السباق اللإنتخابي هذه المرة بكل ثقلها ، كما بدت في غاية التحمس لتنظيم الانتخابات في موعدها المحدد ، ملوحة في أكثر من مناسبة بالتصعيد في وجه النظام حالة اقدامه علي تأجيلها،كما استطاعت المعارضة توحيد صفوفها في وجه الحزب الحاكم و حلفائه في اطار تحالف سياسي اطلقت عليه إسم رد الإعتبار للسنغال ، متجاوزة بذلك عقبات عدة من أبرزها عقبة المحاصصة السياسية. وقد جمع هذا الإطار قوي سياسية متابية في خلفياتها ، و لم يجمع بعضها ببعض سقف سياسي مشترك في الماضي ، ومن أبرز القوي المشكلة للتحالف حزب الاستقلال و العمل الذي يتزعمه السياسي المخضرم امات دانكوسو ، الرابطة الديمقراطية /الحركة من اجل حزب العمل بزعامة الأستاذ عبد الله باتلي الحزب الاشتراكي (الحزب الحاكم سابقا) الذي يتزعمه اسمان تنور انجيغ ،تحالف قوي تقدم التابع للوزير الأول السابق مصطفي انياس، التحالف من اجل المستقبل بقيادة رئيس الجمعية الوطنية السابق السيد ماكي سال و مجموعات ساسية اخري .
ويغذي المشاركة الفاعلة للمعارضة السنغالية إدراكها من جهة بعدم جدوائية سلاح المقاطعة الإنتخابية من خلال غيابها شبه المطلق في البرلمان بغرفتيه ،و من جهة أخري وعيها أن عدم المشاركة في الإنتخابات البلدية يعتبر بمثابة الانتحار السياسي ، فالمجالس البلدية تعتبر من اقرب واجهات الفعل السياسي للمواطن و التخلي عن المشاركة في استحقاقاتها يعني الانسحاب عن آخر معاقل التأثير السياسي.
قوة تنظيم المعارضة أهلتها للعودة القوية الي الواجهة السياسية كرقم صعب في المعترك السياسي ،ففقد تمكنت المعارضة من خلال تحالفها من تحقيق انتصار كاسح في كبريات المدن السنغالية (تيس ، سنلوي مثلا)، و العاصمة داكار التي مني بها الحزب الحاكم بهزيمة مدوية ، حاصدا اربع بلديات من بلديات العاصمة التسعة عشر. كما استطاع مرشحوا المعارضة اسقاط رايات الحزب الحاكم في بعض معاقله التقليدية ، و بعض الدوائر الإنتخابية المحسوبة علي وزراء ، وزراء دولة و شخصيات نافذة في نظام الرئيس واد.

كريم واد..... السقوط الحر في الاختبار الأول

شكل كريم واد ظاهرة سياسية ، و إعلامية في السنوات الثلاث الأخيرة ، فقد أصبحت سكنات و تحركات نجل الرئيس مادة دسمة لوسائل الإعلام الحرة المسموعة و المرئية و المقروءة ، كما استطاع كريم واد ولوج باب السياسية علي استحياء من خلال تأسيس إطار سياسي شاب يحمل اسم جيل التوافق ، يعتبر بمثابة المنظمة الشبابية للحزب الحاكم ، وقد حظي نجل الرئيس زيادة علي كل هذا بالكثير من الامتيازات الخاصة من طرف أبيه الرئيس عبد الله واد كوضع الميزانية الضخمة المخصصة لتسيير تنظيم فعاليات مؤتمر منظمة المؤتمر الإسلامي ، و منحه صفة مستشار للرئيس ، و ظهوره الآفت جنب والده في خرجاته الإعلامية ، و زياراته الداخلية خاصة مايتعلق منها بزيارة طوبه و كولخ لدلالتهما الروحية.لقد رأي السنغاليون في تلميع كريم السياسي تهيئة من قبل والده لتقديمه كبديل عنه في الإنتخابات الرئاسية القادمة .
الإنتخابات الأخيرة كانت أول محك قد لا يكون المفصلي لمعرفة مدي استعداد السنغاليين لقبول مبدأ التوريث الذي بدا أن الرئيس واد ماض في تطبيقه-إن قدر له ذلك- في بلد أفريقي خصوصيته الديمقراطية و الإستقرار. إلا أن سقوط كريم المرشح لمنصب عمدة بلدية دكار في الإستحقاقات الأخيرة يعبر عن رفض الناخبين لأجندة الرئيس واد ، و لعل هذا الرفض راجع إلي نقاط ثلاث أساسية :
النقطة الاولي عدم الاهلية السياسية : لا يمتلك كريم واد من المؤهلات السياسية ما يخوله دخول حلبة المنافسة السياسية التي تسيطر عليها طبقة متمرسة ، و ذات ماض طويل . و من المفارقة في هذا الصدد أن نجد حتي من بين المقربين السابقين (الوزير الأول السابق ادريسا سك ، و الوزير الأول الأسبق ماكي سال) للرئيس واد من عارض بقوة توجه واد الأب هذاتاركين حضنهم السياسي الحزب الديمقراطي للسنغال للرئيس واد ليحوله إلي هئية عائلية برأي الكثير من منتقديه.
النقطة الثانية شبهة تسييره الفاسد للوكالة الوطنية لمنظمة المؤتمر الاسلامي: ضخت الكثير من الدول العربية و الاسلامية أموالا طائلة في الخزينة السنغالية سنة 2006 علي شكل هبات تساعد الدولة السنغالية في تنظيم سلس لفعاليت مؤتمر منظمة المؤتمر الاسلامي ، وكان كريم واد هو المسؤول عن الوكالة المختصة بهذه المهمة .
الأداء الضعيف للوكالة رغم وسائلها الضخمة وضع الكثير من اشارات الاستفهام حول مدي شفافية و نزاهة تسيير المسؤولين عن الوكالة ، االشيئ الذي دفع النظام بعد الكثير من اللغط و الحرج الي إنشاء لجنة تدقيق في الموضوع ،لا زال الناس يترقبون ما ستسفر عنه نتائجها.
النقطة الثالثة نضج المجتمع السنغالي :ليس مستغربا أن يتم اجهاض مشروع واد التوريثي من طرف الشعب السنغالي ،فالسنغاليون يمتلكون رصيدا كبيرا في الثقافة السياسية ، يستحيل معه أن ينساقوا وراء نزوات قائد سياسي ،أو أجندته خاصة اذا اتضح تعارضها من مصالحه ، و قواعد اللعبة الديمقراطية.فسلسلة الزيارت المكوكية التي قام بها الرئيس واد لمناطق متفرقة من البلاد عشية الانتخابات ، لم تغير من قناعة الناخب السنغالي تجاه الحزب الحاكم ، كما لم تشفع لكريم واد في تجاوز عتبة بلدية داكار.
يستخلص من الانتخابات السنغالية الأخيرة أن هذا البلد الغرب أفريقي يظل بلدا ديمقراطيا رغم حالة الجفاء الغير مسبوق بين الفاعلين السياسيين التي أتسم بها مؤخرا ،فالرئيس واد الذي خرق المادة 59 من القانون المنظم للإنتخابات التي تمنع الرئيس من القيام بإية دعاية انتخابية في الانتخابات المحلية و التشريعية التي لا يحق له الترشح لها دستوريا. و الذي أثارت مواقفه المؤيدة من الإنقلابات الأخيرة في موريتانيا و غينيا بيساو و غينيا كوناكيري سخطا كثيرا داخليا و خارجيا، انحني أمام نتائج الاستحقاقات الأخيرة ، في موقف أقل ما يقال عنه ، أن الرجل لا يزال به رمق إيمان من الديمقراطية.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!