التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:21:35 غرينتش


تاريخ الإضافة : 05.01.2008 13:20:20

العبودية استمرار و اشباه حلول

كاتب المقال السيد محمد ولد بلال

كاتب المقال السيد محمد ولد بلال

محمد ولد احمد ولد ابلال
المدرسة العليا للمهندسين في الهندسة الكهربائية
روان/ فرنسا

كثر اللغط مؤخرا حول وجود العبودية في موريتانيا ولأن معظم المتحدثين كان من شريحة البيظان التي مارست هذه الظاهرة المشينة والتي لايخدمها إعلاميا كون هذه الظاهرة ما زالت ممارسة ,فقد تواتروا علي اختفائها نهائيا وكأن قدرة إلهية تدخلت لتغير المشهد الموريتاني بين عشية وضحاها.

فهل حقا إختفت هذه الظاهرة نهائيا؟
وهل حقا أن ما يمنع لحراطين من المطالبة بحقوقهم هو حسن العلاقة التي تربطهم بمستغليهم من البيظان؟
ما هي حقيقة قانون تجريم العبودية الذي صدر مؤخرا؟
وما مدي فاعليته في حل مشكلة الحراطين المستعصية؟
وما هي مخاطر تأجيل حل فاعل لهذا المشكل؟

لنفترض جدلا أنه تم وضع الحلول اللازمة لمشكل العبودية وقيم بتطبيقها عمليا فإنه من اللازم علينا الانتظار فترة زمنية ليست بالقصيرة لتختفي الظاهرة نهائيا, مع العلم أن القانون الهزيل الذي صدر مؤخرا لا يرقي لأن يكون حلا لأكبر قضية اجتماعية تعاني منها أكبر الشرائح في موريتانيا.
لقد ركز القانون الأخير علي تغريم وتجريم الممارس لهذه الظاهرة, خطوة مهمة في سبيل القضاء علي العبودية على الرغم من النواقص الكثيرة التي تشوبه والعقبة الكأداء التي تعترضه وتعترض جميع الحلول والمتمثلة في النظام الطبقي المستفحل في موريتانيا والذي يستمد قوته من القبيلة الآفة الكبرى التي إن لم نعمل علي القضاء عليها أو تحجيم دورها فإن مستقبل موريتانيا الهشة إلي تشرذم لا محالة.
إن من المنطقي أن لايعترف المجرم بجريمته خصوصا إذا كان في موقع الحكم فمثلا الولايات المتحدة لا تعترف بكونها دمرت العراق مع أن الجميع متفق علي تدهور الأوضاع فيه بشكل فاق كل التوقعات ومع كل هذا فهي مصرة علي أنها انتزعت دكتاتورا أذاق مواطنيه الأمرين وأن العراق اليوم ينعم بديمقراطية لا مثيل لها,أف لها من مفترية.
إن العبودية ما زالت موجودة في شتي أنحاء الوطن ومن ينكرها فلا أظنه إلا مغمضا عينيه عن الحقيقة التي تصدمك أينما حللت في موريتانيا بشقيها القديم والحديث , القديم أعني كونك تخضع لسيد قام هو أو أجداده بالاستيلاء علي ءاباءك وأجدادك واستغلوهم ومازالت عملية الاستغلال هذه متواصلة نتيجة لغسل أدمغة أبناء العبيد وتنشئتهم علي نمط معين من الحياة وهو أنك ابن لعبد ومستقبلك ومصيرك متعلقان بطاعتك لسيد لايقوم بأبسط واجباته تجاهك بل يواصل نهج ءاباءه بغسل أدمغة أبنائك حتى تنشأ أجيال جاهلة لا علم لها بأبسط حقوقها وبإمكان الأسياد استغلالها وتوجيهها حيث شاءوØ
§. إن عملية غسل الدماغ هذه هي التي تمنع أجيالا متتابعة من الحراطين من المطالبة بحقوقهم بل ورفضهم لأية عملية فصل بينهم وبين أسيادهم الذين قاموا بتربية هذه الأجيال علي أن مصلحتهم تكمن في البقاء تحت سيطرة أسيادهم. يحضرني هنا موقف طريف جمعني مع أحد الأصدقاء حين حكي لي قصة حدثت له مع خادم لزوجته كما قال, ليلة زفافه أو ما يعرف محليا بالمروح حيث أرادت المسكينة كما عودها أسيادها كلما تزوجت إحدى بناتهن الركوب معهن في السيارة فسألها قائلا ماذا تفعلين فأجابته قائلة إنني خادم لفلانة ويجب أن تصطحبني معها وعندها تبسمت ضاحكا لأن زميلي كان يتساءل بالأمس مستنكرا وجود العبودية في موريتانيا عل المسكين لم يدرك أنذاك أن هذه حالة استعباد صارخة فالوضع لم يكن يسمح له بالتفكير في غير زوجته الشابة.
مع مرور الوقت وبروز أفراد من هذه الشريحة مطالبين بتغيير أوضاعها قام الأسياد بخطوة تهدف إلي التأقلم مع المرحلة وتتمثل في ترسيخ عقلية جديدة تهدف إلي ترسيخ الانتماء القبلي في أدمغة الأجيال الناشئة من الحراطين حتى يتم ضمان ولائهم للقبيلة واستغلالهم من طرفها كلما دعت الحاجة إلي ذلك , مثلا التصويت في الحملات الإ نتخابية, رعي الماشية, استقبال الشخصيات المهمة, العمل خلال حفلات الزفاف,حفر الآبار وممارسة كل الأعمال الشاقة مقابل مبالغ زهيدة لاتكفي حتى لعلاج الضحية المسكين من الأمراض التي ستلحقه جراء هذه الأعمال, وبدون مقابل في غالب الأحيان.
العبودية في شكلها الحديث تتمثل في تبعية الحراطين لأسيادهم السابقين أو لأسياد جدد نتيجة خريطة السلطة الحالية في موريتانيا والتي تعتمد وتستمد قوتها من القبيلة أساسا, حين أقول القبيلة أعني » أولاد لخيام لكبارات « علي الرغم من أن من هم دون الأسياد من البيظان يستفيدون غالبا من وساطة الأسياد لأن لهم علاقة قربي بأولئك الأسياد عكس الحراطين الذين استجلبوا بالأمس واستخدموا كعبيد واليوم حتى ولو أصبحوا أحرار فإنه لا تربطهم علاقة دم بأفراد القبيلة إذن هم يقعون في آخر السلم الاجتماعي حتى ولو قبلنا انتماءهم للقبيلة. ففي موريتانيا لا يمكن أن تعالج
أو تحصل علي أبسط حقوقك في أبسط الإدارات ناهيك عن الحصول علي فرصة عمل إلا بواسطة قريب من القبيلة التي تنتمي إليها, واأسفاه علي شريحة الحراطين إذن.
من يقول إذن إن الحراطين تربطهم بأسيادهم البيظان علاقة مودة فهو مفتري فأين المودة من الاستغلال البشع الذي قام به البيظان للحراطين حيث لم يوفروا لهم أبسط مقومات الحياة فمعظم البيظان لم يقوموا بتعليم عبيدهم بل واعتبروا تعليمهم عائقا في سبيل استغلالهم وهنا أشاطرهم الرأي لأنك حين تقوم بتعليم شخص وتفقيهه بحقوقه لن يقبل باستغلالك له وحين تسنح له الفرصة سيطالبك بتعويضه وإيفائه حقوقه كاملة إن كنت قد قمت باستغلاله تحت وطأة التهديد والفاقة والحاجة, و من هنا نستخلص أن ما يمنع هؤلاء المساكين من المطالبة بحقوقهم بل وحتى رفضهم الابتعاد عن أسيادهم إنما مرده لكونهم خضعوا لعملية غسل الدماغ الأنفة الذكر.

حتى العلماء أنفسهم لم يشهد لهم التاريخ يوما انتقادهم العلني لهذه الممارسة رغم وضوح النصوص التشريعية التي تحض علي العتق وعلي إحسان معاملة العبد وإيفائه نفس حقوق ولدك هذا إن صحت أصلا عبودية الشخص , بل إن علماء اليوم باستثناء ولد سيدي يحي ومن بينهم الذين يرفعون لافتات الإصلاح وعصرنة الدعوة أصبحوا أكثر صمتا من أسلافهم مع أنهم تكلموا عن أشياء تعد أقل أهمية من هذه القضية وكأن لسان حالهم يقول «إنا وجدنا آباءنا علي أمة وإنا علي ءاثارهم مهتدون».
أظن أن القانون الأخير تنقصه رغبة حقيقية في تغيير المشهد الموريتاني وحين تتوفر هذه الرغبة لايسعني إلا أن أقترح بعض النقاط :
يجب إنشاء برنامج لتكوين وتمويل وتأطير الأرقاء السابقين فمن أين لهؤلاء المساكين أن يعيشوا عيشة كريمة؟ يجب أن يشمل هذا البرنامج تعليم ودمج أبناء هذه الشريحة في الحياة العملية, تخصيص منح لأبناء هذه الشريحة, قد يقول قائل إنه ضد التمييز الإيجابي, لكن ألم نقم به حين تعلق الأمر بتكريس نسبة %20 من المقاعد في البرلمان للنساء ولم ينبس حينها أحد ببنت شفة لا بل إن الكثيرين رحبوا بالفكرة وباركوها, مع أن النساء لم يمنعوا يوما من الترشح علي عكس شريحة الحراطين التي مورس ضدها حيف بين لاتزال آثاره ماثلة للعيان. إعطاء أمثلة ناجحة من الحراطين للاحتذاء بها
أي بمعني توفير فرص عمل للذين تمكنوا من الحصول علي شهادات أعني الجميع بدءا بحملة شهادة الدروس الإعدادية مرورا بالباكالوريين وانتهاء بالدكاترة. دعم شباب الحراطين الذين يفكرون بإنشاء مشاريع مدرة للدخل وحمايتهم من رجال الأعمال الذين يسحقون كل من ينافسهم ولو بأنشطة بسيطة بمعني أن العدالة يجب أن تكون مستقلة تماما عن أي تدخل قبلي أو جهوي أو أيا كان. قد يقول قائل إن من بين الحراطين من تمكن من اختراق النظام, يجب أن لاننسي أن معظم هؤلاء إنما كان دخولهم للنظام أو حصولهم علي وظائف أو علي تسهيلات مقابل تخليهم عن نضالهم من أجل هذه الشريحة ليس
إلا, بل إن النظام اتخذهم كإثبات علي تراجع العبودية وحسن اندماج هذه الشريحة فى المجتمع من أجل تلميع صورته خارجيا وعلي المستوي الوطني كفاه غسيل أدمغة هذه الشريحة مؤونة تبرير أفعالهم.
وضع قانون ينظم امتلاك الأراضي في موريتانيا وبالأخص الأراضي الزراعية حيث يجب العمل بمبدإ الأرض لمن أحياها فليس من المعقول أن يظل الحراطين طيلة عقود يزرعون أرضا وحين يودون التخلص من وصاية أسيادهم من البيظان يقوم هؤلاء بطردهم من الأرض التي زرعوها وخدموها عقودا من الزمن وبتواطؤ فاضح من قبل السلطات العمومية وهذا ما يدعم إدعائي أن نظامنا يعتمد علي القبيلة وليس من مصلحة نظام أن يضر بمصدر قوته. هذا التواطؤ ظهر و في مناسبات عدة من أبرزها رفض أحد الولاة تطبيق قانون العبودية تحت ضغط نافذي القبيلة, لقد آن الأوان لأن تقوم الدولة بدورها قبل فوات ا
لأوان.
بما أن الحراطين كانوا بالأمس عبيدا فليس لهم الحق في امتلاك أية قطعة أرضية لأنها ملك للقبيلة الفلانية , و كيف يحدث هذافي دولة في القرن الحادي العشرين, كيف يمكن أن يكون هناك مواطنون ممنوعون من حق التملك في دولتهم, وهنا أنتهز الفرصة لألفت انتباه أبناء الشريحة الذين تمكنوا من دخول واجهة النظام إلي أنهم لم يصلوا إلي ما وصلوا إليه إلا بفضل هذه الشريحة ويجب أن لا يتناسوها تلبية لرغبات أسيادهم الجدد, كيف تتم مهاجمة بعض القرى بالسلاح وتنتزع أراضي آخرين دون أن تعلنوا علي الأقل تنديدكم بهذا العمل البربري الهمجي وتضامنكم مع الضحايا, ماذا دهاكم يا Ø
�راطين.
في ظل غياب رغبة حقيقية لحل مشكل العبودية وفي ظل السيطرة التامة للقبيلة علي مجريات الأمور في مجتمع طبقي تحتل فيه شريحة الحراطين أو الأرقاء السابقين آخر المواقع, أظن أنه من المنطقي أن يبدأ هؤلاء في التفكير في إنشاء قبيلة أو مجموعة سمها ماشئت المهم أنها تمكنهم من إيجاد موطئ قدم في دولة الغاب هذه والتي لا حق لك ولا وجود لك فيها إلا إذا كانت وراءك مجموعة تمثلك وتحميك أي بمعني أن مفهوم المواطنة جد بعيد عن الساحة الموريتانية. إن الهدف من هذه الدعوة ليس تجزئة المجتمع من جديد لكنها حل مؤقت يمكن شريحة عانت من ويلات التهميش نتيجة غياب إطار يحميها و
يضمن لها حقوقها في مناخ يطبعه غياب روح المواطنة, من استرداد حقوقها إلي أن يمن الله علينا باختفاء القبيلة أو اختفاء مفهومها نهائيا من أذهان مواطنينا.
قد يقول قائل إن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يدع إلي القضاء علي القبيلة لكن هل كان هناك مع مجيئه صلي الله عليه وسلم دولة يتهدد وجودها نفوذ القبائل, لو كان الحال آنذاك كماهو عليه الآن لحارب وجودها لما تشكله من خطر علي لحمة الشعب حتى بين طبقة البيظان أنفسهم عليه أفضل الصلاة والسلام.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!