التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:03:11 غرينتش


تاريخ الإضافة : 11.04.2009 21:02:05

الشراكة بين موريتانيا و الاتحاد الأوروبي: من كوتونو إلي برشلونة

مقدمة:

ترتبط موريتانيا مع الاتحاد الأوروبي بعلاقات وثيقة ومتنوعة تحكمها في الأغلب الأعم اتفاقيات التعاون التي تجمع دول إفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي المعروفة اختصارا ب ACP بالاتحاد الأوروبي، وقد عرفت هذه الاتفاقيات تطورا كبيرا مس الأطر التنظيمية والآليات المالية ومجالات التدخل والاستهداف.

وتعتبر اتفاقية كوتونو الموقعة في 23 يونيو2000 والصالحة لمدة عشرين سنة قابلة للمراجعة كل خمس سنوات، آخر هذه الاتفاقيات وأهمها علي الإطلاق. حيث ألغت وعدلت واستحدثت في مضمون اتفاقيات لومي السابقة لتتكيف مع الواقع الدولي الجديد الذي تطبعه العولمة بمختلف تجلياتها الاقتصادية والتجارية والمالية والثقافية بالإضافة إلي بروز فاعلين جدد عدى الدولة (المجتمع المدني القطاع الخاص ....) و تنامي المخاطر البيئية والأمنية.

أمام هذا التعديل الهيكلي وما ينجر عنه من تآكل في الميزات والتفضيلات التي كانت تختص بها دول المجموعة، بدأت موريتانيا تتشوف إلي محيطها المغاربي علها تجد في الشراكة الاوروـ متوسطية التي تضم هذه المجموعة إطارا أفضل والية أكثر نجاعة وأكثر انسجاما مع تطلعاتها. فهل ستنجح في كسب هذا الرهان وتتمكن من لعب دور جديد ثلاثي الأبعاد (مغاربي –إفريقي –أوروبي) من شانه أن يعزز ويوطد أكثر فأكثر الصلات بين القارتين الإفريقية والأوربية التي لم ترتق حتى الآن إلي المستوي المطلوب.
تحاول هذه الورقة إلقاء الضوء علي مسار الشراكة الموريتانية الأوروبية وذلك انطلاقا من تقويم جملي لماضي وحاضر هذه الشراكة ثم محاولة لاستشراف آفاقها وانعكاساتها المحتملة في المستقبل .والتحديات التي قد تفرضها المستجدات الدولية والإقليمية.


ا ـ الشراكة الموريتانية الأوروبية في إطار ال ACP

للوقوف علي أهم مميزات الشراكة (التعاون) بين موريتانيا و الإتحاد الأوروبي و انعكاساتها التنموية علي الجانب الموريتاني، يجدر بنا أن نتطرق أولا إلي الأطر و المحتويات قبل أن نتناول ثانيا الحصيلة الجملية للبرامج المنفذة و مدي انسجامها مع الأولويات الوطنية لنحاول في الأخير رصد الآثار الرئيسية المترتبة عن هذا المسار التعاوني.

ا ـ ا ـ الأطر و المحتويات

يعود التعاون الفعلي بين الإتحاد الأوروبي و مجموعة ACP إلي عام 1975 تاريخ توقيع اتفاقية لومي الأولي التي ورثت اتفاقية ياوندي (1963-1975) و قد أدخل هذا الاتفاق الجديد العديد من الامتيازات و الآليات النوعية لصالح دول مجموعة ACP حيث تقرر الدخول التفضيلي لسلع هذه الأخيرة إلي السوق الأوروبية باستثناء المنتجات الزراعية كما تم استحداث نظام Stabex الذي يهدف إلي التقليل من حجم الخسائر في إيرادات الصادرات الزراعية الناجمة عن التقلبات السعرية علي المستوي العالمي. و قد عززت اتفاقية لومي الثانية (1980-1985) آلية Stabex بآلية جديدة Sysmin لدعم إنتاج و تصدير المنتجات المعدنية. أما اتفاقية لومي الثالثة (1985-1990) فقد تجاوزت الحفاظ علي الآليات و المكتسبات المحققة إلي إدخال مضامين جديدة كانت خارج دائرة الاهتمام تمثلت في التنظيم السكاني و تعزيز دور المرأة في المجتمع إضافة إلي العناية بالبعدين الثقافي و الاجتماعي و قد تزامن تنفيذ هذا الاتفاق مع انخراط معظم دول المجموعة في برامج الإصلاح الاقتصادي، الشيء الذي سيصم توجهات و برامج اتفاقية لومي الرابعة (1990-2000 ) التي خصصت اعتمادات مالية مهمة لإنجاح هذا الإصلاح و وسعت في الآن نفسه مجالات التدخل لتطال حقوق الإنسان و الديمقراطية و المجتمع المدني و التكامل الإقليمي و ربط الدعم بدرجة التقدم في هذه الملفات.

لقد تم تنفيذ معظم برامج هذه الاتفاقيات عن طريق التمويلات التي يوفرها الصندوق الاوروبي للتنمية (FED ) الذي تم استحداثه عام 1958 و الذي لعب دور الحامل المالي (الرئيسي و ليس الوحيد) للسياسات و المشاريع التي تم اعتمادها. و لأن البرامج في توسع دائم فقد تزايدت المخصصات المالية لتنفيذها و هذا ما يوضحه الجدول التالي.

جدول: يوضح تزايد الاعتمادات المالية المخصصة لدعم برامج التنمية

 

المبلغ

الاتفاقية

الفترة

FED الرابع

3.053.000.000

لومي I

1975-1980

FED الخامس

4.205.000.000

لومي II

1980-1985

FED السادس

7.822.000.000

لومي III

1985-1990

FED السابع

11.583.000.000

لومي IV

1990-1995

FED الثامن

13.000.000.000

لومي IV

1995-2000

إن هذا التزايد في الدعم (الهبات) المرصود لبرامج التنمية يظل محدودا بالمقارنة مع التوسع الحاصل في مشاكل التنمية و تعدد مجالاتها. و ربما بسبب من محدودية هذه الموارد و عدم نجاعة استخدامها إضافة إلي عوامل أخري تراوحت الأحكام من مسار التعاون من النجاح المحدود إلي الفشل الذريع.

و أيا كانت المواقف من حصيلة التعاون طيلة القرن المنصرم فقد استشعر الطرفان ضرورة إعادة النظر في صيغ التعاون و مضامينه لتتأقلم مع المعطيات الدولية و تستجيب لمقتضيات التنمية و تحدياتها المتعددة. و هكذا أسدل الستار علي اتفاقيات لومي لتدشن اتفاقية كوتونو الموقعة في 23 يونيو 2000 ميلاد عهد جديد للعلاقة بين مجموعة ACP (و مجموعاتها الجزئية) و الاتحاد الأوروبي. فقد أولت الاتفاقية أهمية خاصة للبعد السياسي و للمقاربات التشاركية و استراتجيات التنمية و مكافحة الفقر كما اعتمدت إطارا جديدا للتعاون الاقتصادي و المالي يتم بموجبه إلغاء آليات Stabex و Sysmin و مراجعة التفضيلات التجارية و إجراءات التمويل و البرمجة. كما نصت الاتفاقية علي دخول الطرفين في مفاوضات تفضي إلي إبرام اتفاقيات لتحرير المبادلات (مناطق تجارة حرة) بين الاتحاد الأوروبي من جهة و خمس مجموعات جزئية من مجموعة ACP هي: إفريقيا الغربية – إفريقيا الوسطي – إفريقيا الشرقية و القرن الإفريقي – إفريقيا الاستوائية و منطقة المحيط الهادي.
أما بالنسبة لحجم الدعم المبرمج خلال العشرية الأولي من عمر الإتفاقية فقد تجاوز 13 مليار أورو عن الفترة (2002-2007) و 22.7 مليار عن الفترة (2008-2013). و يتوازي مع هذا الدعم دور متزايد للبنك الأوروبي للاستثمار B.E.I في دعم مبادرات القطاع الخاص أساسا.

ا – 2 – الحصيلة

يعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري و الداعم الأول لموريتانيا. فقد أمنت السوق الأوروبية أكثر من 65% من الواردات الموريتانية و استوعبت أكثر من 60% من صادراتها. أما علي مستوي الدعم فقد ارتفعت مجموع المبالغ المقدمة من اللجنة الأوروبية و الدول الأعضاء من 158.84 مليون دولار عام 2001 أي ما يعادل 59% من مجموع الدعم العمومي للتنمية الذي استفادت منه البلاد إلي 256.42 مليون دولار عام 2002 أي ما يعادل 72% من مجموع الدعم. و تعتبر فرنسا و المانيا و اسبانيا الدول الأوروبية الأكثر مساهمة في مجالات التعاون و التجارة.

و لتقصي حصيلة هذا التعاون و تحديد مشمولا ته يمكن أن نتناوله من خلال محددتيه الرئيسيتين: الدعم العمومي من أجل التنمية و اتفاقيات الصيد المبرمة.

ا – 2 – 1 – الدعم العمومي من أجل التنمية

تشكل التقارير السنوية التي تصدر بشكل مشترك عن الجانبين الموريتاني و الأوروبي المرجع الرئيسي لتتبع مسارات التعاون و معرفة مواضيعه و تحديد مستوي أدائه. بيد أن الإعداد السيئ لهذه التقارير (اعتمادها للسرد الصحفي، غياب التحليل و المقارنات، غياب مؤشرات الأداء و النتائج،...) يقلل من إمكانية استغلالها بشكل جيد للتعرف علي الصورة العامة لهذا التعاون و آليات ترقيته.

عموما، لقد استفادت موريتانيا من جميع الآليات المالية التي يمنح بموجبها الاتحاد الأوروبي الدعم غير المسترجع (الهبات) لدول مجموعة ACP: البرمجة الوطنية و الإقليمية، الإصلاح الهيكلي، خطوط الميزانية، دعم التجارة.... و قد عرفت البرامج التأشيرية الوطنية تطورا ملحوظا علي مستوي مجالات الاستهداف (مجالات التركز) و المخصصات المالية و إن حافظت علي نسبة شبه ثابتة مقارنة بالغلاف المالي المرصود لكامل المجموعة. فقد بلغت المبالغ المبرمجة في إطار الخمسية الأولي لاتفاقية لومي الرابعة (FED السابع) 65.9 مليون أورو خصصت أساسا لدعم السياسات الماكرو اقتصادية أما في الخمسية الثانية فقد ارتفعت هذه المخصصات إلي 77 مليون أورو وجهت أساسا إلي البنية التحتية و الإصلاح الترابي و التنمية الريفية و البيئة إضافة إلي تعزيز القدرات و التمكين لدولة القانون. أما ال FED التاسع الذي يغطي المرحلة الأولي من اتفاقية كوتونو فقد تخطي غلافه المالي المخصص لخدمة عمليات التنمية علي الأمد الطويل عتبة ال100 مليون أورو خصصت لقطاع النقل و دعم القدرات و أنشطة أخري أقل أهمية.

علي الرغم من حيوية القطاعات المستهدفة و حاجتها الماسة للتمويل إلا أن مستويات التنفيذ ظلت ضعيفة مما أدي إلي تداخل مختلف البرامج و إرجاء تنفيذها بشكل مستمر. و من شأن هذه الوضعية أن تحد من فاعلية هذه البرامج في تحقيق الأهداف المرسومة لها و أن تؤدي في بعض الأحيان إلي إلغائها بشكل نهائي. و قد يعزي السبب في هذا الإخفاق إلي الضعف المؤسسي و محدودية الكفاءات الإدارية المسئولة عن ترجمة السياسات علي أرض الواقع إضافة إلي مشاكل أخري تتعلق بصياغة السياسات ذاتها و تعقد آليات صرف التمويلات.

ا – 2 – 2 – اتفاقيات الصيد

تصنف الشواطئ الموريتانية من بين الأغنى علي مستوي العالم بالأسماك. و قد ظلت لزمن طويل مسرحا للنهب المنظم الذي تمارسه الأساطيل البحرية الأجنبية (أوروبية و غير أوروبية) في غياب أية رقابة أو حتى اهتمام من طرف السلطات الوطنية خاصة أن موريتانيا لا تملك تقاليد معتبرة في مجال الصيد إذا ما استثنينا ايمراكن كما أنها لا تتوفر علي الوسائل الضرورية للاستغلال. و قد دفعت سنوات الجفاف و تراجع أسعار الحديد علي المستوي العالمي إلي تصدر قطاع الصيد قائمة اهتمام السلطات العمومية و إيلائه أهمية خاصة لما يمكن أن يجلبه من العملات الصعبة وما قد يوفره من فرص للعمل. و قد تجسمت هذه العناية من خلال إعلان سياسة الصيد عام 1987 التي مثلت مرحلة مفصلية في استغلال الموارد البحرية و قطيعة (غير تامة) مع الفوضي السابقة التي أسست لها اتفاقيات تم التنازل فيها بشكل مجاني للأجنبي (اتفاقيات الستينات) أو في اعتماد أساليب غير مدروسة سرعان ما يتأكد فشلها فيتم إلغاؤها (نظام الرخص). و قد تمكن الجانب الموريتاني خلال هذه الفترة من الدخول علي خط الاستغلال بحيازته لبواخر صيد للأخطبوط و للأسماك القاعية و هو ما أعطي نفسا و بعدا جديدين لتسيير الموارد البحرية تعزز أكثر بتطوير الصيد التقليدي و استثمارات القطاع الخاص الوطني.

لكن بحلول عام 1996 و دخول اتفاقية الصيد الجديدة المبرمة مع الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ ستتغير جميع المعطيات سواء تعلق الأمر بعدد البواخر و نوعية المعدات التي تستخدمها أو بالتأثيرات البيئية أو التعويضات المالية. فقد تضمنت هذه الاتفاقية السماح لأساطيل الصيد الأوروبية (تتجاوز ال200 باخرة) المجهزة بأحدث تقنيات الصيد أن تمارس نشاطها في المياه الموريتانية مقابل تعويض مادي سنوي يقدر ب 53.36 مليون أورو عن المدة (1996-2001) سيرتفع إلي 86 مليون عن المدة (2001-2006) كما سيتم اعتماده لخمسية جديدة. لقد أدت هذه الاتفاقيات وإن أدت إلي الترفيع النسبي في إيرادات الصيد إلي مخاطر كبيرة علي البيئة البحرية و علي قدرة الموارد علي التجدد خصوصا و أن بعض الأنواع (كالأخطبوط) باتت ترسل إشارات قوية جراء الاستغلال المفرط الذي تتعرض له. و تتأكد هذه المخاطر أكثر في ظل ضعف الرقابة البحرية و تواضع إمكانية التثبت من احترام شروط الصيد.

ا – 3 – محاولة للتقييم
أثبتت العديد من الدراسات فشل الدعم الخارجي في تحقيق التنمية في معظم الدول النامية. و قد لا تشذ موريتانيا عن هذه القاعدة حيث تشير الإحصاءات المتوفرة إلي ارتفاع معدلات الفقر و البطالة و الأمية و تدهور البيئة و تدني التغطية الصحية و نوعية التعليم. كما أن البلاد لم تتمكن حتى الآن من مضاعفة نصيب الفرد من الدخل القومي منذ عام 1975. بيد أنه لا يمكن رد كل هذا الفشل إلي عدم كفاءة أو كفاية الدعم الأجنبي فمسألة التنمية تظل في النهاية شأنا وطنيا تقع مسئوليته بالأساس علي أبناء الوطن.

لقد ساهم الإتحاد الأوروبي من خلال اتفاقيات التعاون في تمويل العديد من المشاريع التنموية المهمة غطت قطاعات النقل و الصيد البحري و المناجم إضافة إلي قطاعات التعليم و الصحة و تدعيم القدرات المؤسسية ...و تنبع أهمية هذه التمويلات من شحة الموارد الذاتية و دقة الظروف المناخية التي تميزت بتتالي سنوات الجفاف و استمرار زحف التصحر و ارتفاع درجات الحرارة في معظم المناطق و في معظم أشهر السنة إضافة إلي اتساع المساحة و انعدام قيمتها الإنتاجية.
علي الرغم من أهمية هذا الدعم كما و كيفا إلا أنه لم يوفق في تحقيق الأهداف التي تم التأكيد عليها في العديد من البرامج التنموية التي تم اعتمادها من طرف الجانب الموريتاني و حظيت بدعم الجانب الأوروبي.

و من بين هذه الأهداف التي ظلت مستعصية علي التنفيذ:

 تنويع البنيات الإنتاجية للاقتصاد الوطني: لم يتمكن الاقتصاد الوطني من بعث قطاع صناعي جديد قادر علي تجاوز البنيات التقليدية و المتخلفة التي ظلت السمة البارزة للاقتصاد الوطني

 الرفع في القيمة المضافة للسلع التصديرية: لم يتمكن الاقتصاد الوطني من تصنيع المنتجات البحرية و المنجمية محليا و انما استمر التصدير دون أية تحويلات و كأن الدعم الأجنبي الذي يولي هذين القطاعين أهمية خاصة يرمي بالأساس إلي تأمين تزويد الأسواق الأوروبية بهذه السلع الأولية دون انقطاع و ربما بسبب من هذا لم تنجح المحاولات الكثيرة لدمج هذين القطاعين في نسيج الاقتصاد الوطني

 تنمية القطاع الريفي و حماية البيئة الريفية: لم يلعب الدعم الأوروبي دورا مهما في ترقية هذا القطاع علي الرغم من أهميته و من حجم التحديات التي عرفها

 تعزيز الاستقرار السياسي و سيادة دولة القانون و دعم القدرات المؤسسية: لم يمنع الدعم الأوروبي من حدوث تغييرات في رأس السلطة السياسية في البلاد بطرق غير سلسة و لم يساهم في الحد من درجة الاحتقان السياسي و الاجتماعي الذي عرفته البلاد كما أنه لم يؤد إلي تراجع الفساد المالي و الرشوة

 جذب الاستثمارات الأجنبية: لم يخلق الدعم الأوروبي الظروف الملائمة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة و لم يساهم في توجيه المستثمرين الأوروبيين بالذات للاستثمار في موريتانيا


بـ ـ موريتانيا و الاتحاد الأوروبي: نحو شراكة جديدة

أخيرا، نالت موريتانيا كامل العضوية في الشراكة الأورو متوسطية أو ما يعرف بمسار برشلونة بعد أن ظلت مراقبا فيه منذ العام 1999. و يطرح هذا الوضع الجديد عدة إشكالات ذلك أنها الدولة المغاربية الوحيدة التي تنتمي إلي مجموعة ال ACP التي تنظم علاقتها بالاتحاد الأوروبي اتفاقية كوتونو؛ كما أنها تصنف ضمن الدول الأقل نموا في العالم.
و قد بدأت بوادر هذا التوجه الجديد لدي الحكومة الموريتانية منذ أن أعلنت انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الغربية (CEDEAO) عام 1999 و الذي أصبح ساري المفعول منذ العام 2001. كما يمكن أن تقرأ العلاقة مع "إسرائيل" التي أقامها النظام الموريتاني في هذه الأثناء علي أنها عربون للدخول في الشراكة الجديدة التي تعتبر جمع الدول العربية و "إسرائيل" علي طاولة واحدة احدي أهم "انجازاتها".
و لتبين أهم ملامح هذه الشراكة الجديدة و انعكاساتها علي الجانب الموريتاني، نستعرض في البداية مضمون الشراكة الجديدة و ما عرفه مسار "المسار" من تطورات علي أن نتعرض بعد ذلك لدواعي و حيثيات خيار الشراكة الأورو متوسطية من طرف الجانب الموريتاني و ما عساه أن يجنيه اقتصاديا و سياسيا من خلال اندماجه في الفضاء الجديد.

ب ـ 1 ـ الشراكة الأورو متوسطية

مثل انطلاق الشراكة الأورو متوسطية في 27 – 28 نوفمبر 1995 ببرشلونة حدثا تأسيسيا لمنطق جديد في العلاقات الاقتصادية و السياسية و الثقافية بين الاتحاد الأوروبي و الدول المطلة علي الضفة الشرقية للمتوسط أو المرتبطة به استراتيجيا. منطق جديد يستند إلي الشراكة و الحوار لا علي الهيمنة و الإملاء، يعمل علي تعزيز و تدعيم القواسم المشتركة لا علي فرض مقام مشترك.
انطلاقا من هذه المرجعية اعتمدت الوثيقة المؤسسة لمسار برشلونة ثلاثة محاور أساسية: سياسية و اقتصادية و سوسيوـ ثقافية استهدفت خلق فضاء مشترك للسلم و الاستقرار و إقامة منطقة تجارة حرة في أفق 2010 و تطوير المصادر البشرية و تعزيز الحوار بين الثقافات و تمتين عري التواصل بين مكونات المجتمع المدني علي الضفتين. و لتجسيم هذه الأهداف علي أرض الواقع، تم اعتماد آلية قرض MEDA إضافة للقروض التي يمنحها البنك الأوروبي للاستثمار.
أمام القصور الواضح في أداء هذا المسار و عدم نجاحه في ردم الهوة التنموية بين الجانين اعتمد الاتحاد الأوروبي عام 2004 سياسة جديدة للجوار تقوم علي مبدأ رومانو برودي " الكل ما عدي المؤسسات" علها تخلق ديناميكية جديدة و تبعث روحا جديدا في مسار الشراكة. لكن يبدو أن عجلة التغيير و البحث عن آلية أكثر ملاءمة و أحسن أداء لم تتوقف عند هذا الحد، فقد تنادت جميع الأطراف إلي فكرة "الاتحاد من أجل ألمتوسط" الذي مازالت ملامحه قيد التشكل حتى الآن و الذي يأتي في سياق التجاذبات السياسية التي يحملها مشروع الشرق الأوسط الكبير (من موريتانيا إلي أفغانستان) الذي تنظر له الولايات المتحدة الأمريكية.

ب ـ 2 – دواعي التوجه الجديد

لا تنطلق الصلات الموريتانية الأوروبية عبر المتوسط من فراغ و إنما تستند إلي ماض مليء بالأحداث و علاقات التأثر و التأثير لعل أبرز مراحله تعود إلي إعادة توحيد الأندلس علي يد المرابطين (أجداد الموريتانيين) قبل 900 سنة من الآن. كما عرفت الشواطئ الموريتانية تنافسا كبيرا بين البرتغاليين و الهولنديين في فترات لاحقة قبل أن تتمكن فرنسا من بسط نفوذها علي التراب الموريتاني أوائل القرن العشرين. و لا يعني في نظرنا إعادة الاعتبار لهذه القناة تناقضا مع ميراث التعاون في إطار مجموعة الACP أو لنقل ضمن إفريقيا الغربية التي تمثل امتدادا طبيعيا و اجتماعيا و ثقافيا لموريتانيا و إنما هي محاولة للتأقلم مع المعطيات الدولية و الإقليمية الجديدة من جهة و إيجاد ناظم لسياسات التعاون و الشراكة من جهة أخري.
و ينهض العديد من الشواهد علي صحة هذا التحليل لعل من أبرزها:
 تآكل المزايا و المنافع التي كانت تمنحها اتفاقيات التعاون بين الاتحاد الأوربي و مجموعة ACP حيث تقضي الاتفاقيات الجديدة بتجاوز مفهوم الدعم إلي منطق الشراكة و مسايرة قوانين منظمة التجارة الدولية و بالتالي إلغاء جميع المعاملات التفضيلية
 اعتماد الاتحاد المغاربي كخيار استراتيجي في التكامل الإقليمي: من شأن هذا الاختيار أن يدفع الدولة الموريتانية إلي التحرر من أية التزامات أخري قد تعطل من مسيرة هذا التكامل الذي قد يعرف دفعة قوية تلطف من التأثيرات السلبية الناجمة عن شراسة المنافسة مع الشريك الأوروبي القوي
 انخراط موريتانيا في تجمعات أورو متوسطية مثل مجموعة 5+5 التي تضم إلي جانب الدول المغاربية خمس دول أوروبية هي: فرنسا، اسبانيا، إيطاليا، مالطا و البرتغال و كذلك الحوار المتوسطي ل OTAN الذي تأسس سنة 1995 و الذي اكتسب سنة 1999 إطارا جديدا للحرب الشاملة علي الإرهاب.
 الاشتراك في مكافحة الهجرة السرية حيث تعتبر موريتانيا من مناطق اترانزيت للمهاجرين الأفارقة و الآسيويين القاصدين اسبانيا عبر مسار انواذيبو ـ لاس بالماس
 المستوي المرتفع لتراكم رأس المال البشري و للتقدم التكنولوجي: حيث يوفر فرصة الاستفادة من خارجيات موجبة (Externalités positives) تحفز النمو الاقتصادي و تجذب الاستثمارات الأجنبية.

ب ـ 3 – النتائج المتوقعة

يعتبر التنبؤ بالنتائج التي يمكن أن تترتب علي انخراط موريتانيا في مسار برشلونة من الصعوبة بمكان لما يكتنف الوضعية الحالية من الغموض. فرغم العضوية في مسار برشلونة مازالت موريتانيا تشارك (و لو بتفويض) في المفاوضات الجارية بين الاتحاد الأوروبي و مجموعة دول غرب إفريقيا لإبرام اتفاق لتحرير المبادلات. كما أن الانتقال من تعاون "محدود الفائدة" إلي شراكة مأزومة أصلا لا يجعلنا نبحث عن الأحسن و إنما عن الأقل سوء. و قد تمكن المجازفة بالقول، في ظل غياب دراسات استشرافية، إن الشراكة الجديدة ستكون أفضل إذا أعد لها بشكل جيد لما ستفتحه من آفاق خصوصا في الجانب الاقتصادي الذي يعاني الكثير من المتاعب.

خاتمة
يمثل انتقال موريتانيا من مجموعة ACP إلي الشراكة الأورو متوسطية تحديا كبيرا علي جميع المستويات. و هو ما تترجمه الحيرة و غياب الرؤية لدي الجانب الموريتاني علي الأقل. و لتجاوز هذا "التيه"، علي الطرفين الأوروبي و الموريتاني "ابتكار" اتفاق شراكة جديد يستجيب للوضعية الموريتانية الخاصة علي أن تتم الاستفادة من خبرة و دعم الشركاء المغاربيين بدرجة أولي

 

المراجع

 

Mauritanie/ Communauté européenne (2002), Stratégie de coopération et programme 

indicatif 2001 – 2007

Mauritanie/UE (2006), Rapport annuel conjoint 2005

Mauritanie/UE (2004), Rapport annuel conjoint   2003

Darbot S. (2007)" Le partenariat euro méditerranéen: une tentative d'intégration maladroite", L'espace politique, n°2

Akrimi N., Le partenariat euro- méditerranéen: une logique de développement régional dans une perspective globale

OULD SIDATY S. (2002), Globalisation et régionalisation: un défi pour l’Afrique, Communication présentée au Séminaire sur le partenariat Euro- africain, Nouakchott Moisseron G-V.(2007), Les défis de la nouvelle Politique de voisinage face au bilan du processus de Barcelone, Communication présentée au Colloque international sur La nouvelle Politique de voisinage Hammamet, 1-2 juin 2007


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!