التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:08:44 غرينتش


تاريخ الإضافة : 21.04.2009 01:01:06

انتخابات الاتحاد: انتصار الحق الطلابي وموت الأيديولوجيا

بقلم: الشيخ أحمد بن البان (*)

لعل الانتخابات الأخيرة التي خاضها الطلبة الموريتانيون في جامعة انواكشوط وما طبعها من تنافس حاد وتغييرات جذرية في المواقف والتحالفات ثم ما آلت إليه من نتائج كسرت أفق الانتظار – كما يقول النقاد- عند كلا الطرفين و جعلت مفاجأتها المتابع يحاول جاهدا تلمس خلفيات الحدث ودواعيه ثم تحدياته وما يستدعيه، لعل هذا الحدث الهائل يستحق المداولة الموضوعية. ذلك أنه يشير إلى جملة أمور في الحركة الطلابية طبيعتها وواقعها و كذا منطق الصواب والخطأ في تصنيفها وتوجيهها بل ومحاولة جعل أطرها وقياداتها أبطال معركة "بلايستيشن" يموتون دون إرادة ويسلمون بفعل خارج عن الذات،هذا ما أردت مقاربته من خلال هذه المسودة.

الطلاب: الخصوصية المجهولة

الطلاب جنس من الناس لا يصله بباقي مكونات المجتمع غير روابط النسب والسكنى ؛ ذلك أن هذه الشريحة لها حساباتها الخاصة وأدبياتها المميزة واهتماماتها التي لا يشاركها فيها أحد،كان هذا موضع إجماع في زمن سابق حيث تعطي السوسيولجيا المحلية لهذه الشريحة قراءة منفردة تجعل وصف الطالب يوحي بمجموعة قيم منها البعد عما يدور داخل المجتمع والتعالي على حسابات الكبار من قبائل قديما وأحزاب حديثا و الانصهار الكلي في يوميات الدرس والتكرار، كما منها قلة ذات اليد و التقاسم للموجود بروح الأشعريين الكرام، هذه الخصوصية تجعل التحليل والدراسة لهذه الشريحة وقراءتها وفق المعطيات العادية أمرا بالغ الصعوبة والمخاطرة.

الطلاب الموريتانيون... صيرورة الوعي والتاريخ

"من رابطة الشباب إلى الاتحاد الوطني"

كان انطلاق مشروع حركات التحرر في العالم العربي والاسلامي بداية خروج الشريحة الطلابية لميدان الاهتمام بالشأن العام والحضور في إرهاصات الاستقلال الأولى كفاعل يمتلك الرؤية الصائبة بحكم ثقافته و يختص بالقدرة على التحمل بحكم سنه و تكوينه المتقشف، وبنفس السبب وجدت الحركة الطلابية الموريتانية"رابطة الشباب الموريتاني 1955" نفسها معنية بقيام الدولة الجديدة و بمواجهة الاستعمار الذي تعرضت إبانه لقمع شديد من قبل سلطاته و من بعدها نظام المختار ولد داداه مما أدى إلى تفككها وهرب بعض قياداتها إلى الخارج، ومنذ ذلك الحين و الحركة الطلابية الموريتانية حاضرة سواء من خلالها محاولات التشكل المؤسسي أو من خلال واقع الوحدة والانقسام الذي ظل يطبعها وإن بتفاوت في تاريخها الممتد لنصف قرن وبضع سنين،خلال هذا التاريخ رفعت ألوية متعددة قومية و إيديلوجية كان الطلاب خلاله متأثرين بآلام مخاض فكري تعانيه الدول العربية والإسلامية عصف بكل محاولات الوحدة والانسجام وهو أمر طبيعي في ظل صراع ايديولوجي يغطي المساحة الأكبر من الواقع المادي والوعي الفكري ، مضافا إليه أن الوعي بأهداف الحركة الطلابية لا زال ملتبسا بفعل ماضيها الذي يستند إلى قيادتها للدولة ومقاومتها للاستعمار مما يجعل اقتصارها على ما يدور داخل الأبعاد الأربعة للجامعة أمرا يصعب تبينه أولا وتبنيه ثانيا، بين هذه الثنائية: "حضور الايديولوجيا- والتباس العريضة المطلبية"تلكأت المسيرة الطلابية الواعية عقودا عدة لا يقوم مسيرتها مكسب تحققه مرة هنا داخل الجامعة ومرة هناك على مستوى الدولة ما دام الوعي محكوما بالثنائية المذكورة.

الطلاب الموريتانيون في عهد الاتحاد الوطني

نشأة الاتحاد: في البدء كانت فكرة

جاء الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا ثمرة لقاءات مطولة ومعمقة بين القيادات الطلابية من مختلف المواقع والايدولوجيات تلك القيادات التي كانت غير مرتاحة لما آل إليه نظام المندوبية من ضرب للحقوق الطلابية بيد الإدارة التي كانت تجدها النظام الأمثل لتوظيف أذرعها داخل الصف الطلابي ، وكانت أول بادرة ذلك المنشور الذي وزعه الطالب أحمدو بن الوديعة تحت عنوان"نحو وعي نقابي"،لتتداعى تلك القيادات لاجتماعات تمهيدية قررت خلالها تشكيل لجان قانونية و إعلامية كانت النواة الأولى لشجرة الاتحاد،وقد حرص المؤسسون على تجاوز الأخطاء التي رأوا أنها كانت السبب الرئيسي في فشل الأطر الطلابية السابقة من خلال وضع الضمانات القانونية مثل النص على أن الاتحاد ليس تابعا لأي جهة سياسية ولا يتبنى أية ايديولوجية سوى الحق الطلابي وما يستدعيه يقتضيه،ومثل النص على تعارض العضوية في الهيئات القيادية للاتحاد مع العضوية في الهيئات القيادية للأحزاب والحركات السياسية.
كان ذلك بمثابة ميثاق شرف طلابي شكل فرحة كبيرة داخل الأوساط الطلابية كلها وتم تشكيل أول مكتب تنفيذي للاتحاد مايو 2000 مزيجا من مختلف مكونات الساحة الطلابية نال رضى الجميع، و دخل الاتحاد الوطني ميدان الفعل النقابي مسلحا بضمانات نقابية جديدة ومتكئا على إجماع طلابي غير مسبوق جعل الطلاب يجلسون مع الإدارة –لأول مرة- بمنطق الممثل الشرعي الذي يضيف إلى قناعته بنفسه قناعة مفاوضه به.

الطلاب من السلبية والشغب إلى المسؤولية والنضال

و مضت سنون كانت تلك الضمانات محل اختبار خرج منه الاتحاد لحد الساعة ناجحا على مستوى تطوير الوعي النقابي الطلابي حيث أصبح الهم الطلابي قضية كل طالب بعد أن كان شأن مجموعة قليلة من أصحاب الاهتمام السياسي بشكل عام ، هذا ما تشهد له المهرجانات والاعتصامات وتؤكده أيام مقاطعة الدراسة إذ يكتفي الطالب بقراءة إعلان عنها،كما أن من أهم المكاسب التي حققها الاتحاد على مستوى الوعي الطلابي تحويله الفعل النقابي من شغب طفولي غير مدروس يموج في الشوارع بهياج يعطي ذريعة للجهات الأمنية أن تقمعه إلى نضال مسؤول يحقق المكاسب ويقطع الطريق على الأمن الذي يحبسه القانون عن اقتحام الحرم الجامعي رغم الاستثناءات، كما أن الاتحاد استطاع أن يجعل الفعل النقابي فعلا إراديا لا ردة فعل أي أن الخطوات النضالية لم تعد تحددها الإدارة باستفزازاتها وإنما أصبحت مبنية على استيراتيجية تطرحها الهيئات القيادية للاتحاد.

الإسلاميون والاتحاد... سيطرة أم توظيف؟

تعتبر هذه الجدلية من أكثر الجدليات شيوعا وإشكالا في مسيرة الحركة الطلابية الموريتانية التي نشأت كما سبق في رحم الفعل السياسي "أيام الاستقلال"كما هي من أكبر البالونات الدعائية التي يحاول بعض خصوم الاسلاميين-حتى لا أقول الاتحاد- داخل الصف الطلابي حجب محاسن الاتحاد بها، ولتيبان هذه الإشكالية ينبغي التفريق بين أمرين : السيطرة وهي تعني حصول لائحة طلابية على غالبية أصوات الطلبة في اقتراع حر تنافست فيه كل الأطراف بنزاهة ومسؤولية وهي ليست ذنبا يتاب منه ولا جريمة يحاكم عليها بل شرف وكرامة أو على الأقل حق طبيعي لكل أحد ، وهذا ما حصل في الاتحاد الوطني منذ أول انتخابات له وحتى آخرها الأمر الثاني:التوظيف وهو أن يقوم هذا الطرف المسيطر بتحويل المؤسسة إلى بوق دعائي لترويج أفكاره الايديولوجية أو يد باطشة لفرض أجندته السياسية متناغما في ذلك مع معطيات خارج الساحة الطلابية سياسية كانت أو اجتماعية وهذا ما لم يحصل مطلقا على الرغم من أن السنين التي غطت تاريخ الاتحاد كانت من أكثر السنين حضورا للتيار الإسلامي في المشهد السياسي بدءا بأزمتهم مع النظام 2003 ومرورا بترشيحهم للرئيس السابق محمد خون بن هيداله و ما تلاه من محاولة إنشاء حزب "حمد" وما تبع ذلك من مواجهة مفتوحة بينهم ونظام معاوية 2004-2005 ثم ما كان من مبادرة الإصلاحيين الوسطيين و ترشيح صالح بن حننا وأخيرا ترخيص حزب تواصل ، هذه المسيرة الحافلة للتيار الإسلامي بالحيوية داخل الفعل السياسي خلال سني عمر الاتحاد الوطني كانت محكا حقيقيا لتوظيف الاتحاد لمصالحها أو عدمه ، لكن الاتحاد خرج منها نقيا من وصمة التخندق الحزبي الصارخ حيث ظل يحدد أولوياته الطلابية ويرسم خطواته النضالية ويحرر عريضته المطلبية إنطلاقا من الساحة الطلابية وتناغما مع مصالحها و ظروفها رغم أن غالبية أعضاء مكتبه و الناشطين في صفوفه ينتمون للتيار الإسلامي فكرا وسلوكا وموقفا، ولست مبالغا إذا قلت أنه لا يمكن لأي أحد أن يأتي بدليل إثبات مادي او معنوي معتبر يخالف ما ذهبت إليه.

الاتحاد ومسألة الوحدة الطلابية

و هي أيضا من التهم التي تطرح داخل الساحة الطلابية وينال الاتحاد نصيب الأسد منها اتهاما له بالإقصائية مرة وبالعنصرية أخرى والحق أن الاتحاد قام بحملات تحسيسية وتعبوية هامة شملت كل الشرائح والتخصصات و كان حاضرا في حملاته التركيز على المزدوجين ذوي الأغلبية الزنجية و قد أثمرت تلك الحملات مشاركة معتبرة للطلبة الزنوج في المؤتمر الثاني للاتحاد حيث تأهل ستة مناديب منهم لحضور المؤتمر الثاني ليتعزز حضورهم بعد ذلك أكثر ويشاركوا في مكتب الاتحاد الحالي والذي قبله ، مع أن ما أضافه الاتحاد الوطني في هذه المسالة هو أنه نزع فتيل البعد والكراهية من قلوب الطلبة بكل أطيافهم في تناغم جميل بيناته الواضحة أنشطة الاتحاد و مواقفه.

التعددية النقابية أوعودة الايديولوجيا

قد يطير متعجل بهذا العنوان ليجعل من حبته قبة فما فوق متهما الكاتب بأنه ضد التعددية النقابية التي أصبحت ظاهرة صحية ذات طابع عالمي ولذلك المتعجل أقول:

مهلا على رسلك حادي الأينق ** و لا تكـــــــــــلفها بما لم تطق

مهلا على رسلك فما ذلك قصدي و ما أنا له بمريد ، إن ما أعنيه بهذ العنوان هو متنزل على السياق لا على المبدأ وعلى الظرف لا على الفكرة ، فمبدأ التعددية مشروع و قد يكون مفيدا أكثر من الأحادية النقابية ، لكن الأصل أن التعددية النقابية تأتي حين لا يستطيع الإطار النقابي حمل كل هموم مناضليه أو حين لا يمارس الديمقراطية داخل أجهزنه بشكل شفاف و ليس كل واحد من السببين دافعا لتلك الأطر الطلابية التي تشكلت و تتشكل منذ 2005 حين انسحبت مجموعة من الطلاب من المؤتمر الثالث للاتحاد مدعية أنها لم تشرك بالشكل الكافي و مبيتة حسب تصريح بعض أفرادها لخطة الانسحاب قصد إفشال المؤتمر وهو التبييت الذي أثبتته الأدلة المادية المتمثلة في أن هذه المجموعة كانت قبل دخولها و طرحها مطالبها قد أحضرت"بوقا ولافتة و بيانا" مما يدل على أنها ماضية في انسحابها رغم أنف الحوار.وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام على الأسباب الموضوعية لانسحابها وبالتالي الدوافع الحقيقية لإنشاء إطارها "الاتحاد العام" و في سياق مشابه نشأ الاتحاد المستقل المحسوب على حزب التكتل ساعيا لوراثة المنتدى الذي رفع شعار الحزب الجمهوري أيام تولي دولته ، إن كل هذه الأطر جاء معلنا شعار الوحدة الطلابية مبررا وجوده باستنقاذ الحق الطلابي الذي باعه-حسب هؤلاء – الاتحاد الوطني و لسنا ناقمين على هؤلاء ولا على أولئك أن يكونوا محسوبين على تيار معين ، وإنما ننقم عليهم لو سخروا الطلبة ومصالحهم لخدمة ذلك التيار أو غيره، و هو ما لا يمكن القطع به لحد الساعة –بالنسبة لي- ذلك أن هذه الأطر كلها لما تجد بعد العمق الطلابي الذي يسمح لتقييم تفاعلها معه ، إلا أن وجودها وظروف نشأتها يشيران إلى أن عهدا إيديولوجيا وحزبيا كان مؤذنا باطلاع داخل الجامعة لولا أن الساحة الطلابية لم تسمح بذلك.

انتصار الحق الطلابي على الإيديولوجيا

إذا كانت الساحة الجامعية في السنوات الأربع الأخيرة شهدت رفع ألوية نقابية متعددة شفعت بحملات دعائية مكثفة حاول كل طرف من خلالها حفر عرين له في أكمة الفعل الطلابي فإن الطالب الموريتاني أثبت بجدارة من خلال مواقفه ومشاركته في كل الفعاليات النقابية التي يقيمها الاتحاد ، أنه داخل الحرم الجامعي متشبث بكعبة الحق الطلابي المقدسة ذائد عن حريمها ، مهما كان انتماؤه السياسي أو تخندقه الحزبي خارج الجامعة ، متمسك بمن ينجز أكثر ويصمد أطول ، هذا ما أكدته نتائج الانتخابات الأخيرة التي تنافس فيها الطلاب الإسلاميون مع تحالف مختلف التوجهات والايديولوجيات الذين كانوا يسعون لإسقاط الطلاب الإسلاميين عن مقاعد التمثيل في الجامعة.

و استطاع أن يحسم كل المقاعد لصالحه بنسب مشرفة في كافة كليات الجامعة والمعاهد التابعة لها ، وهي نتائج تشير إلى مستوى عال من الوعي الطلابي النقابي السياسي الذي يميت الايديولوجيا داخل الجامعة تاركا الحق الطلابي والنضال عنه محددا رئيسيا لمن يمنح الثقة بغض النظر عن انتمائه أو ايديولوجيته ، مما يمكن معه القول أن سنة 2009 بالاتحاد كانت سنة موت الايديولوجيا على الأقل داخل الجامعة ، ذلك أن الطلبة الإسلاميين الذين منحوا الثقة من الجماهير الطلابية لمرات عديدة آخرها ما حصل خلال هذا الأسبوع لم يكن دافعهم كلهم الانتماء لتلك الإيديولوجيا بل كان لما قدموه من خدمات وحققوه من مطالب ولما لمس فيهم من روح الجد و المسؤولية.

فوز الاتحاد: كسب يستثمر

إن هذا الفوز الكاسح الذي حققه الاتحاد الوطني في الانتخابات الأخيرة يدل على أن هذ الاتحاد استطاع أن يقنع الطالب الموريتاني به لكنه يطرح جملة من التحديات ينبغي أن تظل حاضرة لديه منها :
- أن يحرص على الارتباط بالمصالح الطلابية و أن يحرص على تحقيق ما أمكن من المكاسب.
- أن يضع استيراتيجية إعلامية تكفل وصول رؤيته ومواقفه بالصيغة الصحيحة دون تحريف النقلة و الرواة
- أن يزيد ابتعاده عن السياسة و يطور نظمه القانونية فيما يتعلق بالموقف منها.

وأخيرا...

فهنيئا للطلبة الموريتانيين تقديسهم الحق الطلابي و تعاليهم على الدعاية المضللة و عدم انصياعهم لخيارات السياسيين الذين لا يزالون يحاولون خرق السفينة الطلابية لا قدر الله.
______________________________
(*) شاعر وكاتب موريتاني
[email protected]


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!