التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:08:39 غرينتش


تاريخ الإضافة : 23.04.2009 17:07:22

نهاية الحليفين: نصف الهزيمة أم نصف الانتصار؟!

محمد الأمين ولد سيدي مولود
[email protected]

كلاهما صنع الآخر أو شارك في صناعته، وكلاهما سعى ويسعى لنهاية الآخر، وكلاهما واجهة ـ إن لم يكن مجرد واجهة ـ لصراع قوى سياسية وربما مالية وأمنية كبيرة.
ـ الرئيس المنتخب المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله يعتبره مؤيدو ولد عبد العزيز حكما طويت صفحته أو على الأقل يعيش قوة نهايته....ربما لأنصاره رأي آخر.
ـ الجنرال محمد ولد عبد العزيز ربما يعتبره بعض خصومه يعيش نهاية قوته ... أما أنصاره فإنهم يحلمون بعودة ميمونة إلى القصر الرئاسي.

1 بداية الحكاية
قبل سنتين من الآن قررت الشخصية الثانية في المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية العقيد ـ حينها ـ محمد ولد عبد العزيز بمحض إرادته تنصيب ذلك الشيخ الوقور الهادئ القادم من خارج الساحة السياسية رئيسا لموريتانيا ولو "صوتت الصين الشعبية ضده" كما روي عن عزيز. تبنى جل زملائه في المجلس الفكرة واستعانوا بالطبقة التقليدية والمال عامه وخاصه لإيصال الرجل إلى الشوط بصعوبة 24 بالمائة فقط!!
لم يكن الاختيار ساذجا في الميزان العام فالرجل له تجربة في السلطة اتسمت بجوانب مشرقة كدوره في تأميم ميفرما وإن كانت دنستها بعض "المآخذ التسييرية" بلغت حد السجن لاحقا. "افرنكفوني" ذو خلفية اقتصادية ينحدر من وسط اجتماعي محترم جدا ولم يسبق علية تورط في أي صراع سياسي أو إيديولوجي داخلي مما يسهل استساغته . صوفي من أعرق الطرق وأكثرها انتشارا مما سيساعد في استخدام تلك الورقة في حسابات افريقية وداخلية أيضا (ملف المبعدين مثلا).موقعه الجغرافي ومكانته الروحية وخلفيته الثقافية تجعله المؤهل الأقوى لمقارعة محور الرفض أو المعارضة التقليدية بقيادة نده أحمد ولد داداه.
كان يظن (بضم الياء) أنه سهل الانقياد إن لم يكن ضعيف الشخصية، مما سيسهل استخدامه كأداة للتنفيذ فقط. سوء التقدير يصنع المفاجآت دائما!!
تم ما أراد العقيد محمد ولد عبد العزيز ، تم تنصيب الشيخ تحت رعايته وهو جالس يتوسط قميصه العسكري نصف ذراعه (ذراع يعتبره البعض من أخرج ولد الطايع وولد محمد فال لكن القليل من فهم أن صاحبه لم يستره حتى بعد حسم المعركة بديمقراطية انحنى لها الكل رغم الشوائب).

2 المكافأة القاتلة
في أشهر عملية مكافأة خارج القانون وأشدها وقاحة بادر الرئيس المنتخب إلى ترقية ولد عبد العزيز وولد الغزواني إلى رتبة جنرال ـ كتبت عن خطورة الموضوع آنذاك ـ رغم أهلية ضباط أقدم وأكثر خبرة والتزاما وأبعد من الصراعات السياسية.
تجاوز الرجل الترقية إلى تكريس كل النفوذ العسكري بيد عزيز حتى ضد من سيستنجد بهم لاحقا (ولد بوبكر مثلا). فعين قادة الوحدات حسب مزاجه ورقى وعزل تحت بند حسابات المعركة القادمة ضد الشيخ الأعزل!!
لم يكتف الجنرال بالجانب العسكري من المشهد فمد يده إلى تعيين الحكومات وإقالتها ، حاول الرئيس أن يمنح ولي نعمته هامش مهم أو شراكة فقط لكن الجنرال كان يرى أنه اللاعب الأهم وأن ميزان القوة (الحديد والنار) أهم من ميزان الشرعية.
الطبقة "السياسية" التي خلقت الرئيس بأوامر الجنرال كانت دائما جاهزة لتنفيذ العكس إذا طلب منها.

3 الصدام المحتوم
من ينظر بتمعن في بداية حكاية الرجلين ومسارها يفهم حتمية الصدام . كانت بداية التصدع الخفي إبان مرحلة الترشح والحملة الرئاسية عندما دعمت قوى سياسية ومالية كبيرة مقربة من ولد الطايع مرشح الجنرال وهي خطوة فهمت أنها تقية أو مجاراة لموضة دعم العسكر فيما فهمها الجنرال أنها مجرد استحقاقا لمن أنقذ وينقذ موريتانيا ، يعني نفسه. لكن الحقيقة تقول عكس ذلك فأصحاب ولد الطايع ومقربيه يعرفون أكثر من غيرهم تعلق الموريتانيين بالمخزن وضرورة دعمه لكنهم لن يغفروا للجنرال إزالة نعمة تقلبوا فيها عقدين من الزمن ومن هنا استنتجوا أنه إذا لم يكن لهم إلا مسايرة الرجل ثم مقارعته من داخل نظامه ، أو دعم خصمه وخصمهم (أحمد ولد داداه) لإحداث تغيير قد يجرف الجميع فليكن الخيار الأول.
ساند القوم المرشح سيدي وبذلوا الكثير من المال لإنجاحه لكن لم يكن أحد يعي حقيقة ما يدور بينهم والرجل وإن كان بعض الناس لاحقا صرح أن بعضهم نصح الرئيس أيام تنصيبه الأولى بإقالة عزيز قبل ترقيته وقبل دخول "تقدم" و"تواصل" الحكومة وقبل أزمة حجب الثقة.
بوادر الصدام العلني ظهرت عندما أصر الرئيس المنتخب على ضخ دماء جديدة في السلطة فعين وزراء من اتحاد قوى التقدم وحزب تواصل ـ دعني من قصة تعيين رموز الفساد فعزيز عين جل تلك الأسماء إلا من عارض انقلابه ـ وهو شيء انكشف لاحقا أنه تجاوز للخطوط الحمر وللفيتو الذي يستخدمه ضباط سامون ضد الحزبين أو التيارين (التسجيل الصوتي لولد الهادي وولد مكت في حوارهما مع سيدي يعكس هذه الحقيقة). اكتملت الآن أوراق المعركة القادمة :
ـ رئيس منتخب ديمقراطيا (هكذا اعترف الجميع غداة النتائج) مدعوم بحلفاء سابقين لولد الطايع يملكون المال وجزء لا بأس به من النفوذ، وبقوى حركية نشطة تطمح للشراكة وللمزيد من الإصلاح أو من التغيير على الأقل.
ـ جنرال طموح إلى حد يصفه البعض ـ حتى من موالاته بالغرورـ يحكم قبضته على جميع الأجهزة العسكرية بفضل الرئيس الذي انتخب بفضله هو أيضا !! ومدعوم بقوة هائلة من جوقة الأنظمة والجماعات التي لا يمكن أن تكون رأس حربة حتى في الموالاة (ميليشيات الظل) لكنها اليوم جماعات تحتل مساحة برلمانية كبيرة للجنرال يد في نجاح بعضها. كما أنه مدعوم أيضا من بعض الطبقة السياسية الجديدة وخاصة من بعض من سعوا حتى بالقوة لإزاحة ولد الطايع ورفضوا دعم الرئيس المؤتمن.
تسارعت الأحداث ليتخندق رئيس البرلمان ثم رئيس مجلس الشيوخ لاحقا كل في أحد الجوانب، بعد أن حدثت الإقالة المفاجأة شيئا ما ثم الانقلاب المحتوم.
كان زعيم المعارضة مرتبكا شيئا ما في أداء المهمة الصعبة وهي القضاء على الخصمين اللدودين له، لقد تبنى الانقلاب أبعد من اللازم قبل أن يعود إلى سربه.

4 ـ آفاق وعبر
كل شيء اتضح الآن ، المعارضة التقليدية (أحزابا وإيديولوجيات)وحتى المعارضة الجديدة تخندقت ضد الجنرال باستثناء حزب "حاتم" وحركة التجديد حزب صار ابراهيما ودعمت بأحزاب قادمة من صميم النظام كحزب "عادل" وشخصيات تقليدية لم تعرف طعم المعارضة والجميع يتسلح بقوة الدستور والشرعية الجلية. والجنرال مدعوم من الجيش ومن أغلبية برلمانية جلها من صميم الموالاة كما أنه مدعوم من السواد الأعظم من الدهماء وهو سواد كتب للقصر عليه بغض النظر عن ساكنه(موريتانيا الأعماق). وميزان القوة المالية والأمنية والجماهيرية يميل لصالحه بشكل كبير.
العامل الخارجي هو الآخر يميل لصالح الجنرال ولو بتدرج وتؤددة، لكن معارضته الداخلية في تزايد. الرجل يختزل كل شيء في شخصه ويميل إلى إعطاء الأوامر أكثر من ميلانه إلى المشاورة. لا يحمل أجندة واضحة وموالاته أقرب إلى الأجراء منها إلى الشركاء.
الجنرال يحطم كل الخطوط الحمر بجراءة وهو شيء يكسبه نقاطا إيجابية بسرعة ويفقده نفس النقاط بأسرع (قطع العلاقة بإسرائيل بل والتصريح أن علم إسرائيل لن يرفرف في سماء انواكشوط مادام له من الأمر شيء، محاربة الفساد وإرغام رجال يتمتعون بثقل شعبي كبير على إرجاع عشرات الملايين للخزينة ـ بمن فيهم مؤيدون له لا يزالون في السلطة ـ ربما يفوته أن جل من حوله لا يوالون إلا من يمنح أكثر).
في الطرف الثاني أصحاب برامج سياسية وأطروحات فكرية وتاريخ نضالي طويل وكلها عوامل ترشحهم لكسب المعركة مع طول الوقت خصوصا أنهم يستظلون بمظلة الشرعية الدستورية.
لكن المرجح رغم كل ما سبق أن الرئيس المخلوع لن يعود إلى السلطة ـ على الأقل بشكل فعلي ـ ولعل فتور خطاب حلفائه بل وتحوله من المطالبة بعودة الرئيس الشرعي إلى المطالبة بحوار وعدم فرض أجندة أحادية أكبر دليل.
أما الجنرال فثمة ضبابية في قدرته على إدارة المرحلة القادمة ولعل نوعية المرشحين ضده وتصدع موالاته وتذمر بعضها من التهميش وحتى من أسلوب النظام دليل بين (موقف حزب الشعب ـ لوليد ولد وداد وبيان حزب البديل محمد يحظيه ولد المختار الحسن) ويزداد الأمر صعوبة إن صحت المعلومات المتداولة عن وقوف شريك الرجل السابق وابن عمه العقيد والرئيس السابق اعل ولد محمد فال ضده وسعيه لتقويض نظامه والحيلولة دون رجوعه.
مما لا شك فيه أن كبار الضباط سيأخذون العبرة من درسهم مع ولد الشيخ عبد الله وسيزيدهم ذلك ريبة في أي حكم مدني مقبل ، كما أن السياسيين ـ وهنا أعني الجادين الذين يملكون حق تقرير موقف لا المصطنعين ـ سيأخذون نفس العبرة من سهولة الانسياق لنفوذ هذا الضابط أو ذاك.
وبين هذا وذاك تبقى كل الاحتمالات الواردة محصورة في ثلاث:
ـ نظام فردي ـ حتى لا أقول ديكتاتوري ـ عسكري في ثوب مدني يحكم عدة سنين ولن تختلف نهايته عن نهاية أسلافه.
ـ حوار وطني بعد تأجيل الانتخابات وإلغاء الأجندة الآن ـ يمكن أن يأتي هذا الخيار قناعة ويمكن أن يؤخذ عنوة ـ ومشاركة الجميع في انتخابات تفرز نظاما مقنعا ولو شكليا.
ـ فوضى عارمة وتخبط وربما أعمال عنف لا قدر الله لا أحد يمكن أن يتكهن بنهايتها.
ويبقى البلد والشعب المتضرر الأول نتيجة إصرار من يريد فرض نفسه كوصي حتى على من سبقوه للعمل السياسي والعسكري ولتدبير الانقلابات، ومن يجرب طول نفسه النضالي وخطابته ويدعي ملكية الحق ولو خالفه سواد الناس.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!