التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:08:48 غرينتش


تاريخ الإضافة : 11.05.2009 17:03:03

هل ستبقي لغة السلاح مفتاح القصر الرئاسي في نجامينا؟

سيد ولد عبد المالك
[email protected]

فتحت ثورة سكان الشمال ذي الأغلبية المسلمة عام 1968 ضد نظام افرانسوا تومبلباي ،أول رئيس لتشاد ثقافة الاقتتال من أجل السلطلة في هذا البلد ،فلم تتوقف هذه الثورة إلا بإغتيال تومبلباي سنة 1979 علي يد الجنرال فيلكس مالوم ،الذي أنتزع منه السلطة ككوني وداي و هو من أبناء الشمال نفس السنة بعد معركة انجامينا الأولي ،التي تتالت بعدها معارك أخري حملت الي السلطة عام 1980حسين هابري ،هذا الأخير تمكن بقبضة حديدية من البقاء في السلطة ليزاح منها سنة 1990 علي يد قائد أركان جيشه أدريس دبي و بدعم من ليبيا التي أتت بهابري من قبل .
التدخل الأجنبي في القلاقل التشادية صاحب بداية الصراعات في هذا البلد الملتهب ،فالرئيس تومبلباي قمع ثورة سكان الشمال بمساعدة من القوات الفرنسية المتواجدة بتشاد بموجب اتفاق عسكري بين البلدين كما كان لليبيا دور فاعل في أغلب الانقلابات الناجحة و الفاشلة في تشاد.

حركات التمرد ...وحدة بعد إختلاف

يتشكل التمرد الحالي من خليط من المدنيين و العسكريين ينصهر في تحالف يسمي اتحاد القوي من أجل المقاومة ،وهو تنظيم جامع لمختلف فصائل التمرد التشادية تاسس مطلع االعام الجاري .و يضم الإتحاد من المقاومة ثمان حركات متمردة تشكل عمودها الفقري النظيمات التالية :
1-تجمع القوي من أجل التغيير:وهو اسم جديد لتجمع القوي من اجل التنمية الذي أنشأه تيمان أرديمي و توأمه توم
بهدف الاطاحة بالرئيس دبي .
يعتبر تجمع القوي من اجل التغيير أحدي الحركات النشطة سياسيا و عسكريا.و يضم في صفوفه قرابة 1700 مسلحا و تتواجد قواعده الخلفية في الشرق ،شهدت الحركة في مارس الماضي موجة من الانسحابات لكنها لم تؤثر علي صفوفها، ويمتاز تجمع القوي من اجل التغيير بقدرته علي إستمالة عناصر بارزة من مجموعة الرئيس زاغاواة ، والتي كانت الي وقت قريب مقربة من الرئيس دبي ..
2-اتحاد القوي من اجل الديمقراطية والتنمية: و يشكل هذا الفصيل أمتدادا للتحالف الوطني للمقاومة الذي تأسس سنة 1994 من طرف قيادات عسكرية بارزة من مجموعة تاما الاثنية ، و يتزعم قيادة إتحاد القوي من اجل الديمقراطية وزير الدفاع السابق الجنرال ماهمات نور ،ومع أن كل حركات التمرد تصنف في خانة التبيعة للسودان ،إلا أن علاقة هذا الفصيل بالخرطوم أقوي من علاقات باقي الفصائل بها.
3-اتحاد القوي من أجل التغيير الديمقراطي:و هو تنظيم مسلح تم الإعلان عنه في مارس 2008 ، و يضم مجموعة من الضباط المنشقين من الجيش بزعامة العقيد آدم حسب الله.
هذا بلإضافة إلي قوي مدنية و عسكرية ناقمة علي نظام الرئيس دبي.
و يلتف أعضاء تجمع قوي المقاومة حول نقطة واحدة وهي العمل على إسقاط الرئيس ادريس دبي بالقوة ،فليس هناك مشروع سياسي و لا حتي إجتماعي يفاوضون عليه ،فيبدوا ان المتمردين تحصلت لديهم قناعة من خلال ما يروه واقعا سياسيا سئيا أن قطع رأس النظام لن يكون إلا بالسلاح بعد أن فشلت صناديق الاقتراع في وضع حد له، و بعد أن تم تعديل دستور البلاد الذي كان يحدد مأمورية الرئيس بفترة قابلة للتجديد مرة واحد .
نقاط قوة التمرد الحالي تكمن في حالة الإجماع غير المسبوق في صفوف حملة السلاح في وجه دبي علي تنظيم القوة العسكرية و السياسية تحت لواء واحد ، الشيئ الذي كان يتعذر في السابق .فمشكل حركات التمرد لم يكن يوما ما في ضعفها في ميادين المواجهة العسكرية مع نظام دبي ،فهي أثبتت أكثر من مرة قدرتها علي تشكيل تهديد حقيقي لنظام دبي من خلال وصولهم مرات سابقة الي بعض المراكز الاستراتيجية في قلب العاصمة ، و تمكنهم من دحر و إخراج القوات النظامية من مناطق حيوية في البلاد. لكن ضعف عنصر التنسيق و الثقة و العجز عن العمل تحت مظلة واحدة هو ما كان يضعف هذه الفصائل.كماأن أختيار تيمان ارديمي ،الذي تربطه صلة قرابة قوية من الرئيس ادريس دبي علي رأس تحالف الفصائل المتمردة يبعث برسالة تطمين الي أقلية زاغواة فحواه أن المعركة مع دبي وليست مع مجموعته ألإثنية ،الأمر الذي قد يرفع شبهة الطابع الطائفي و العنصري عن التمرد ، ويوسع من دائرة المتعاطفين معه من ذوي رحم الرئيس.

من يغذي التمرد الحالي ؟

كما أشارنا في البداية ،أزمات تشاد السياسية و الأمنية لم تسلم من تدخل أيادي خفية أقليمية و دولية ، و هو ما زاد من تعقيداتها ،و قلل من فرص نجاح التسويات التي تتم بشأنها.
يحمل توقيت التحرك الحالي اكثر من مغزي و دلالة ،فهو يأتي علي مرور عام من الهجوم الذي نفذته حركة العدل و المساواة السودانية علي مدينة أم درمان السودانية و بدعم من تشاد ضد نظام الخرطوم ، وكانت الخرطوم ساعتها قد اتهمت تشاد بشكل صريح بالوفوق وراء التمرد ، وقطعت علاقتها الدبلوماسية بانجامينا ، متعهدة بحق الرد في التوقيت المناسب ،كما يأتي التحرك في وقت تسلط فيه أضواء الإعلام العالمي علي تداعيات مذكرة القاضي الدولي لويس اوكامبو المطالبة باعتقال الرئيس السوداني. إذن توقيت الحدث بلإضافة إلي عمق الخلافات و سوء العلاقات بين تشاد و السودان يعززان فرضية الإتهامات التي تطلقها سلطات انجامينا حول تمويل الخرطوم و دعمها المطلق للتمرد.
و يزيد من صحة الإتهامات في مرمي الخرطوم إنحسار ظاهرة رعاية التمرد التشادي في المنطقة .فدول جوار تشاد كان بعضها يقف دائما وراء بعث التمرد كلما وجهت له ضربات قوية من طرف النظام ،و ذلك انطلاقا من تصفية حسابات سياسية مع نظام انجامينا ،ومع سقوط أنطمة كانت إلي وقت قريب تناصب دبي عداء كبيرا كنظام فليكس آنج باتاسي في وسط إفريقيا ،الذي ظل نظامه يشكل ركنا منيعا تؤي إليه بعض حركات التمرد تشادية قبل أن يسقط سنة 2002 علي يد الجنرال افرانسوا بوزيزي الذي جاء الي السلطة بدبابة تشادية.فإن فاتورة أعباء دعم المتمردين التشاديين ستكون مكلفة للسودان ،التي تري من جهتها أنه كلما ضعف الرئيس دبي تقلمت أظافر حركة العدل والمساواة التي ينتمي غالبية مجنديها إلي مجموعة زغاواة.

هل يصمد دبي هذه المرة ؟

يرابط المتمردون التشاديون حاليا في بعض المناطق الشرقية للبلاد ، ورغم ضراوة المعارك بين المتمردين و القوات النظامية ،و إعلان سلطات انجامينا عن سحق المتمردين ،وبثها لصور الانتصار الميداني علي المتمردين فلا يستبعد أن يحقق إتحاد قوي المقاومة إختراقا جديدا في الجدار الأمني و العسكري للقوات النظامية .فالعامل اللوجستي و العسكري الذي كان يشكل دائما ثغرة كبري في إداء المتمردين يبدو قد تم حسمه هذه المرة من خلال التجهيزات الكبيرة للمتمردين و المتمثلة في المعدات و الاسلحة المتطورة القادرة علي تسديد ضربات محكمة و رجم المروحيات و الصواريخ النظامية ،فهذه التجهيزات هي التي كانت عنصر التوفق بالنسبة للجيش تشادي في معارك سابقة.
لقد دخل المتمردون العاصمة مرتين ،الأولي في فبراير 2006 ،و الثانية بعد سنتين بالضبط من نفس التاريخ،و قاربوا في كلتا المرتين مشارف القصر الرئاسي و أحتلوا مرافق حكومية هامة،إلا أن الجيش النظامي تمكن من صدهم بجهد جهيد و بدعم استخباراتي و لوجستي فرنسي.و مع هذا الدعم المادي الفرنسي فالرئيس دبي كان مدعوما معنويا علي المستوي الاقليمي و الدولي من خلال الإدانات الشديدة و المتكررة من الإتحاد الافريقي و مجلس الامن الدولي للمتمردين .لكن السؤال المطروح الآن هو هل لا زال الرئيس دبي يمتلك نفس مقومات البقاء التي تحميه و تحمي نظامه؟
الأكيد أن فرنسا،التي أنقذت نظام دبي من السقوط أكثر من مرة لا زالت تحتفظ بعلاقاتهاالمشبوهة به ، لكن الحرج عليها في إزدياد مع الوقت فلإستثمار في الانظمة الضعيفة العاجزة عن حامية نفسها، خاصة إن كان الأمر يتطلب التدخل العسكري المكشوف لم يعد من الاستراتيجيات الحالية لنظام باريس ، وذلك لتكاليفه الباهظة علي سمعته الداخلية و الخارجية ،ففرنسا لا ترغب في الدخول في مغامرات هامشية ،و مع هذا فهي تدرك أن سقوط دبي يعني بالنسبة لها كدولة ، و لمؤسساتها الاقتصادية خسارة حليف غاية في الأهمية.صمود دبي أوسقوطه مرهون هذه المرة بمدي التقارب بين فرنسا و المتمردين ،و قدرة الطرفين علي كسر حالة الجفاء بينهما.و لا يكفي التوقف عند هذه النقطة ،بل إن ما يهم فرنسا بدرجة أولي الحصول علي ضمانات من طرف المتمردين لحماية مصالحها الاقتصادية بشكل عام و النفطية بشكل خاص ،هذا إن حصل قد يكون كاف لتغير مواقف فرنسا من المتمردين ،و القبول بالتعاطي مع تمرد كانت تحتضنه بلأمس القريب الخرطوم لإن استقرار تشاد يعتبر أولوية بالنسبة لفرنسا.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!