التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:08:27 غرينتش


تاريخ الإضافة : 12.05.2009 15:41:47

انتخابات السادس من يونيو: مسرحية أم ديمقراطية

تقوم آلية الانتخابات في النظم الديمقراطية بوظائف سامية، فهي تجسد فكرة أن مصدر السلطة في جميع تجلياتها هو التفويض الشعبي، فهي ليست حقا موروثا كما في النظم الملكية أو الجملوكية، ولا يتم الوصول إليها من خلال الغلبة والقهر كما في النظم العسكرية والشيوعية، فضلا عن أنها تمثل أفضل آلية لتسوية الصراعات السياسية بالطرق السلمية عن طريق التداول السلمي على السلطة الذي يتيح تغيير مراكز القوة في المشهد السياسي وإمكانية تولي قوى المعارضة للحكم بدلا من الحكومات القائمة، ولذا فالديمقراطية بطبيعتها تتناقض مع جميع أشكال الانتقال العنيف والمتخلف للسلطة كالانقلابات العسكرية أو الثورات المسلحة، كما تتولى الانتخابات الديمقراطية وظيفة تحصيل الشرعية الشعبية للحكومات المنتخبة أو تجديد شرعية الحكومات القائمة، فضلا عن أنها تعد فرصة سانحة لمحاسبة الحكام ومساءلتهم وجعل بقائهم في مناصبهم مرهونا بالحصول على أصوات الناخبين.
على أن كل تلك الأهداف النبيلة لهذه الآلية الرشيدة للنظام الديمقراطي قد تعرضت لعمليات تدنيس متواصلة من طرف أدعياء الديمقراطية، شأنها في ذلك شأن باقي مفاهيم وآليات النظام الديمقراطي كالدستور ومبدأ الفصل بين السلطات وغيرها، ولكن أنى لتلك الألاعيب أن تنطلي على غير المصابين بالسذاجة السياسية، فقد رجع السحر على الساحر وأفضت ألاعيبهم الانتخابية إلى تجاوز التقسيم القديم لأنظمة الحكم( نظم ديمقراطية وأخرى شمولية أو تسلطية ) وظهور تصنيفات جديدة من شأنها أن تحكم الخناق على هؤلاء وأترابهم ( ديمقراطية حقيقية وديمقراطية زائفة، التسلطية الانتخابية والتسلطية التنافسية والأنظمة شبه الديمقراطية....)، فمن قديم سخر أستاذنا الفقيه موريس دوفرجيه من وصف نظام جمال عبد الناصر الانقلابي لنفسه بالديمقراطي في غياب وجود أي من المتطلبات الضرورية للنظام الديمقراطي.
ومن ثم أجهد علماء السياسة ومفكرو الديمقراطية أنفسهم من أجل وضع شروط ومعايير دقيقة للانتخابات الديمقراطية سعيا لتحصينها من اختراق المتلاعبين، فقد اعتبر الفقيه دال أن الانتخابات الحرة والنزيهة هي ذروة الديمقراطية وليست مقدمة لتطبيقها، وهي لا تنتج الديمقراطية ولا الحريات، وأكد ديفيد باتلر أن من أهم سمات وخصائص الانتخابات الديمقراطية تمكين المنتصرين من البقاء في مناصبهم السياسية حتى وقت الانتخابات التالية، وضمان عدم خضوع السياسيين المنتخبين لسيطرة أو مراقبة هيئات غير منتخبة كالمؤسسات العسكرية أو الأمنية، وهو ما لا يمكن بحال من الأحوال ضمانه في الانتخابات المذكورة.
ومن هنا كان من غير المقبول – على الأقل من الناحية الموضوعية والمعرفية - وصف انتخابات السادس من يونيو المزمعة بالديمقراطية لانتفاء الشروط والمتطلبات التي يمكن على أساسها إطلاق هذا الوصف، فمن المعروف أنها تشكل محاولة من العساكر المتمردين للخروج من مأزق التمرد على الحكم الذي تم صبيحة السادس من أغسطس على نظام مدني منتخب لما ينقضي ثلث فترته الانتخابية، وليس في العالم كله شعب يعرف مدى فشل الرهان على المؤسسة العسكرية في بناء الديمقراطية أكثر من الموريتانيين، فمنذ زهاء 31 سنة و البلاد ترزح تحت حكم القوم، كلما التقط أحدهم أنفاسه سحب الآخر من تحته البساط، في مشاهد تراجيدية باتت مثار ضجر واستغراب، ومصدر عار ومذمة للموريتانيين في عالم اليوم.
وليس بغريب فشل العسكر الموريتانيين في مجال بناء الديمقراطية لأن العقلية العسكرية بحد ذاتها تقوم على مبادئ تتعارض من الناحية الجوهرية مع الحرية والديمقراطية، فالجيش مؤسسة تقوم على نظام شديد التراتبية يخضع في ظله الدونيون لنظام صارم، فيما ينعم الفوقيون بامتيازات لا حصر لها، إنه باختصار مبني على مبادئ متعارضة مع مثل الحرية والمساواة والعدالة.
باختصار فإن الانتخابات المزمع تنظيمها يوم السادس من يونيوالمقبل لن تكون – إن قدر لها أن تكون – سوى مسرحية رديئة الإخراج من أجل إضفاء شيء من الشرعية الواهمة لنظام العسكر الجديد القديم، شأنها في ذلك شأن أخريات سبق تنظيمهن من قبل نفس النظام 1992،1997،2003 ، فضلا عن شبيهاتها اللاتي يتم تنظيمها بشكل دوري في عدة بقاع من العالم ( سوريا ومصر وتونس ....).
بقلم الكاتب: إبراهيم ولد محمد اتليميدي – باحث في مجال العلوم السياسية والعلاقات الدولية


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!