التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:06:41 غرينتش


تاريخ الإضافة : 24.05.2009 12:00:58

قراءة في كتاب: الحركة الإسلامية في تركية

بقلم : محمد الحافظ الغابد

غلاف كتاب الدكتور مختار باب الغوث حول الحركة الإسلامية التركية (تصوير الأخبار)

غلاف كتاب الدكتور مختار باب الغوث حول الحركة الإسلامية التركية (تصوير الأخبار)


صدر مؤخرا عن "مؤسسة طريق الأمة للنشر والتوزيع" كتاب جديد عن الحركة الإسلامية في تركية للباحث الدكتور مختار باب الغوث وهو من مفكري التيار الإسلامي الموريتاني ويقيم الآن بالخليج العربي وصدرت له عدة دراسات عن الفكر العربي الإسلامي وهو من المهتمين بمسألة إصلاح المنهج الفكري في رؤاه التشخيصية للواقع العربي الإسلامي الحديث في أبعاد ها المتعددة النظرية والعملية.

وقد صدرت للدكتور مختار رسالتان في هذا الصدد هما: رسالة في بناء الفكر وأخرى بعنوان العقل أولا.. عالج فيهما برؤية نقدية ثاقبة علل وأدواء يعاني منها العقل العربي الإسلامي في العصر الحديث حيث فقدت الحركة الإصلاحية روح الاجتهاد التجديدي وطفقت تجتر مقولات الماضي الفقهية والكلامية بل ووقفت في أحيان كثيرة أسيرة للفكر التقليدي لدى المتقدمين ولم تستلهم الروح التجديدية بما فيه الكفاية لدى مدارس فقهية وكلامية عديدة في تاريخ الأمة.

في السطور التالية نلقي نظرة على كتاب:"الحركة الإسلامية في تركية" مركزين اهتمامنا على إبراز أوجه الشبه والاختلاف بين التجارب الإسلامية للحركات الإسلامية في الأقطار العربية والحركة الإسلامية التركية.

أولا: نظرة على محتوى كتاب: الحركة الإسلامية في تركية

أبدى المؤلف أسفه في المقدمة لكون الحركة الإسلامية التركية لم تجد من يدرسها و"يوليها من العناية ما هي أهله مع أنها هي الحركة الإسلامية الفريدة التي وصلت إلى الحكم بطريقة ديمقراطية سليمة بعد نضال شديد تزل فيه الأقدام" واستعرض العديد من الأعمال الفكرية التي تناولت الحركة في واقعها التركي درسا وتحليلا وخرج من ذلك بالتأكيد على ضرورة الدراسة المستجمعة لعبر التجربة والمدركة لخصائصها السياقية وهو ما لم يتوفر في الدراسات العربية المتداولة لحد الآن عن التجربة حسب رأي المؤلف.

ويعتبر الدكتور مختار أنه أولى بعض الجوانب عناية خاصة كالجيش والعلاقة بالإتحاد الأوربي وكذا موقع حزب العدالة والتنمية في الخريطة السياسية التركية في سياقيها السياسي العام والإسلامي الخاص ودافع عن قادة العدالة والتنمية باعتبارهم مدرسة جديدة في العمل الإسلامي التركي اجتهدت لواقعها وهي تسدد وتقارب في كفاحها الإسلامي بنفحة اجتهادية علمية وعملية تستفيد من التجارب وتبتكر الحلول على مستوى التكيف خطابا وممارسة بعيدا عن الاجترار المفضي للتسمر أمام الطريق المسدود.

وقد حلل المؤلف نشأة التنظيم في التاريخ الإسلامي تحت عنوان "ما قبل الحركة" وتطرق لتاريخ الحركة الإسلامية التركية بروافدها المختلفة في نشأتها وتطوراتها المتعددة منذ بديع الزمان النورسي وحركته النورسية التي انبثقت من شعل دعوة "رسائل النور" وحتى نجم الدين أربكان الداعية التكنواقراطي الصالح الذي قاد عملية عودة الإسلام إلى واقع الحياة التركية المؤثر وغرس في تربة أرض الخلافة من جديد آليات العمل الإسلامي.
وتبقى المقارنات التي عقدها المؤلف بين الحركة الإسلامية التركية والحركات العربية هي الأهم في الكتاب لذلك حاولنا التركيز على هذا المحور من الكتاب دون غيره.

ثانيا : بين الحركة التركية والحركات الإسلامية العربية

أغلفة رسائل الدكتور مختار باب الغوث حول البناء الفكري والمنهجي المعاصر

أغلفة رسائل الدكتور مختار باب الغوث حول البناء الفكري والمنهجي المعاصر

أول أمر خالفت فيه الحركة التركية الحركات الإسلامية العربية أنها بدأت حزبا سياسيا، يلتقي فيه المؤمنون بالإسلام الشمولي المتمسكون بالهوية الإسلامية ، الراغبون في بناء تركية على أساسها، وتخليصها من فكر الماسونيين. ولم تبدأ تنظيما سريا –كالحركات العربية- يقوم على الوعظ والتربية الفردية، ويراها الأساس الذي ينبغي البدء به، ولا يمكن تحقيق شئ من دونه، و أن السياسة ليست هي أهم شيء بل هي خاتمة المطاف، ولابد أن تسبقها مرحلة التعريف والإعداد.

مع أن النظرية العربية هذه كان يراها بديع الزمان النورسي، معاصر نجم الدين أربكان، مؤسس الحركة الإسلامية التركية، وما يزال بعض الترك يراها، كما يرى في قول الأديب التركي سزائي قراقوش منتقدا حزب العدالة والتنمية( حزب العدالة يدور في إطار السطح المتموج، تعتريه التغيرات، هذا يأتي وذاك يذهب. إن الأفضل في بناء مائة ألف شاب فكريا وعلميا في جغرافية إسلامية أفضل من السعي نحو السياسة والحكم والنظر إليهما على أنهما فقط مشرط العملية الجراحية ).

ويبدوا أن سبب هذا الاختلاف هو نشأة أصحابه الأولى، فالذين نشأوا نشأة صوفية أو علمية شرعية أثرت نشأتهم في فكرهم وعملهم، والذين نشأوا نشأة علمية مالوا إلى العملية و تجاوزوا غيرها، كما سنرى بعد قليل.
والتربية في تركية قد تولتها الطرق الصوفية العريقة فأحسنت كل الإحسان،والتعليم تولته مدارس الأئمة والخطباء التي خرجت كثيرا من أبناء الحركة، إضافة إلى المدارس الأخرى، التي أقرت الحركة فيها التعليم الديني الإلزامي في المراحل الأولى، فلم يكن ثمة للحركة إلا أن تتفرغ للسياسة، لتعذر أن تبقى الطرق الصوفية، وقد ألغاها كمال أتاتورك، ولتعذر بناء مائة ألف شاب بالصورة التي يرى سزائي قراقوش، لأن بناءها سيكون من المحرمات، وستلاحقها المخابرات.
وستغدو تنظيما سريا خارجا على القانون. ومائة ألف رجل من الصالحين لا تستطيع وحدها أن تبني دولة إسلامية وكل ما تستطيعه هو أن تدعو، وتنظر، وتقود وما سوى هذا فلا تستطيعه إلا الشعوب. والسياسة بطبعها متقلبة، لكن الرأي العام الذي صنعته الحركة لا تستطيع السياسة أن تقضي عليه مهما تقلبت، و أعضاء الحركة الإسلامية يعدون بالملايين، وهم ثابتون على نهجهم وعقيدتهم، مهما تغيرت أسماء الأحزاب. و لو سلكت الحركة التركية مسلك الحركات العربية ما زادت على أن تكون طريقة صوفية جديدة، تضاف إلى تلك الطرق الكثيرة في تركية، ولئن انتحلت دعوى غير تلك. ولقد كان مما يحسب للحركة التركية أنها ابتدأت من حيث انتهت الطرق، فكان عملها مكملا لعملها، ولم يكن تكرارا له، ول مصادما له.

وكان بعض الحركات العربية مصادما للطرق الصوفية، مخالفا لها بمعنى من المعاني، ويراها خطرا عليه، ومنافسا له على المجتمع، ومن لم يصطدم بها اصطداما عمليا اصطدم بها اصطداما فكريا، وكانت لها في ذهنه صورة سلبية، جعلت العلاقة معها عداوة صامتة‘ وكان برنامجه مؤسسا على محوها، بوجه من الوجوه .على حين كانت الحركة التركية امتدادا للطرق الصوفية وجناحها السياسي، الذي لا يخالفها في شيء.

وإذا اختلفت مع طريقة كان خلافهما سياسيا ، ليس له عمق عقدي أو سلوكي، بعكس الحركات العربية، ومن ثم كان الغالب على الطرق الصوفية أن تلتحم مع الحركة وتكون هي عمقها الانتخابي، وساعدها في الحكم إذا حكمت، وخليفتها الذي يحافظ على مكتسباتها حين تحل أحزابها، فتكف الحكومات العلمانية عن الإمعان فيما يأمرها الجيش به، خوفا من أن تخسر قاعدتها الانتخابية، وتتولى عنها- بعد هذا – ما تشتغل عنه من التربية، واكتساب الصالحين للحركة الإسلامية بمفهومها العام. و لذلك لم يكن الإسلام يتأثر تأثرا كبيرا من حل أحزاب الحركة، لأن الطرق الصوفية التي هي عمقه لم تمس، لعدم مزاولتها السياسة مباشرة.

وخسرت الحركات العربية ذلك كله، بموقفها من التصوف والطرق الصوفية، لأنها تأثرت بالفكر السلفي، فكانت في جانب منها ردة فعل على سلبيات بعض الطرق، فضخمتها، وسحبت سلبياتها على الطرق الإيجابية النقية، بل سحبت ذلك الحكم كله على التصوف، وجعلا نفسها بديلا للتدين كله، وسببا من أسباب التخلف، والانحراف عن دين الله.

وكان من آثار هذا أ ن شنئت الطرق الصوفية ومحبو التصوف هذه الحركات، وعادتها، وآثرت عليها الحكومات، لأنها رأتها أخف ضررا عليها ممن يريد محوها، وينظر إليها بهذه العين. و استغلت الحكومات ذلك فاستمالت شيوخ الطرق بمن معهم من الأتباع، وبما معهم من تراث عريق، كان يمكن أن يكون لها سندا عظيما.

ولما كانت الحركات العربية قد مال جلها نحو التوجه السلفي منذ وفاة الإمام حسن البنا – رحمة الله عليه - عدوا التصوف بدعة، وعدوا أنفسهم المستمسكين بما عليه السلف الصالح‘ ومن ثم كانت القطيعة بين الفريقين، التي أسست لعداوة أهلية في المجتمعات العربية، لم تظهر آثارها السلبية كما يفترض، بسبب أن الحكومات مخالفة للفريقين أن يتولى الحكم.

و كانت الحركة التركية منذ نشأتها إلى اليوم صوفية، وقادتها تلاميذ ومريدون لكبار وشيوخ طرق، وشيوخ الطرق إذا رضوا عن نهج قادة الحركة كانوا أشد المناصرين لهم. ومن ثم يمكن القول إن الحركة التركية حافظت على وحدة المجتمع التركي المذهبية والعقدية، وكانت عامل توافق،وحد المتدينين على عداوة العلمانية ومناصبة الجيش، ولم تشغلهم بما شغل به بعض الحركات العربية مجتمعه، على حين كان بعض الحركات العربية عامل شق الوحدة وزع ولاء المتدينين بين الحكومات والحركات والتدين العادي المحافظ.

إن سبب اختلاف الحركة الإسلامية التركية عن أخواتها العربيات أمرا ن رئيسان:

أولا : شخصية مؤسسيها : فمؤسس الحركة التركية رجل تكنوقراطي صالح، ولكنه ليس بشيخ ولا مرب صوفي، واستعان في عمله بقاعدة تكنوقراطية، تحسن التخطيط والعمل أكثر مما تحسن الكلام والتنظير، فطبع الحركة بطابعه ووجها وجهة تلاءم اختصاصه.

وقد ترتب على ذلك نفع جسيم للحركة، من آثار العملية، وصرف الهمة إلى الإنتاج‘ وجنبها التنظير وما يتبعه من خلاف وانقسام، لا يحتمله حال حركة إسلامية في تركية، ووضع القيادة في أيدي متخصصين، وأبعدها عن الفقهاء والواعظين، وأحلهم في محلهم الصحيح( التعليم والدعوة والخطابة)، ولم يكلفهم عنت السياسة والقيادة والتخطيط التي هي أمور عملية لا يحسنونها، تحتاج إلى مهارات، لم يحصلوها، وسلوك لم يألفوه، ومعرفة بالواقع لم ينالوها، وإنما يعرفون الأحكام النظرية كما هي في كتب التراث، أو يقدرون على تقديم خطب ومواعظ مقررة العناصر.

أما الجانب الفكري فعولت فيه الحركة التركية على ما أنتجته الحركات الإسلامية الأخرى، بترجمته إلى التركية.
وفي المجال التربوي كانت مصطبغة بصبغة صوفية استمدتها من انتماء أعضائها إلى الطرق الصوفية في تركية.

ولا ينبغي أن يفهم من قراءتها ما كتبت الحركات الإسلامية أنها تتلمذت له‘ فإن نتاجه ونتاج تلك مختلفان، واختلافهما يعني أن الترك اطلعوا فاستفادوا ولم يقلدوا، ولا ارتهنوا أنفسهم لما قرأوا وكل يا يمكن أن يكونوا قد استفاد وه من كتاب الحركات الإسلامية وحدة الدين والدولة، وشمول الإسلام لجوانب الحياة كلها، وعظمته، وصلا حيته لكل زمان ومكان،ونحو ذلك من الأمور التي صرف إليها جل الإسلاميين فكرهم. وثم دليل على هذا، هو أن الحركة التركية بدأت ناضجة واعية، وبدأت الحركات العربية بسيطة متواضعة، عاطفية تفتقر إلى المثقفين، والمفكرين الناضجين.ولم يطرأ على فكرها تغير حقيقي إلا منذ العقد التاسع من القرن العشرين، ونتاجها قبل ذلك كان نتاجا عاطفيا متواضعا. وهذا دليل على أن نضج الحركة التركية نابع من ذاتها، وتكوين مؤسسيها وقادتها، وليس مستفادا مما كتبت الحركات الإسلامية الأخرى، كما يحب بعض الحركيين من العرب، الذي يرون أن لهم فضلا على كل داع إلى الإسلام، في العصر الحديث.

أما مؤسسو الحركات العربية فهم في الأصل فقهاء، أو طلاب علم شرعي‘ فلذلك اشتغلت حركاتهم بالتربية المثالية، والعلوم الشرعية، وتعليمها، للعودة بالمسلمين إلى ما كان عليه السلف، من علم وسلوك، وأخلاق، وجعلت ذلك أولويتها،فاصطبغ بعضها بصبغة عاطفية،ترى التعبئة والحماسة والميل إلى الجهاد البدني أكثر من ميلها إلى الجهاد المدني. وعنيت بالتنظير الساذج والدعوة، وتجنب بعضها السياسة والمعركة الحضارية، ومن دخلها دخلها بمنطق انتقائي رومانسي، يحن إلى الماضي ويقدسه دون فقه به، وكان جل تنظيرها نقدا للحضارة الغربية وتمجيدا للإسلام، ومقارنة لمساوئ تلك بمحاسن هذا، فأورث ذلك أبناءها ثقة مطلقة بما كتب مفكروها، وازورارا مطلقا عما كتب غيرهم، حتى لو كان إسلاميا مثلهم ثم مازجت فكرها لوثة من المنهج الظاهري النصوصي، باعدت بينها وبين الفقه الحقيقي بدين الله وبمقاصده التي ينبغي ألا تغيب عن عين مجتهد وداعية عصري .

وقد أكسبها نهجها خواء في الفكر، وضعفا في التخطيط، وجمودا على تراث متقدميها. وصيرها أشبه بالحركات الحالمة، لما تتعلق به من المثالية في تربية الناس، وإعادتهم إلى ما كان عليه الأولون، في نظرها فلم تستطع ولن تستطيع، وكل ما انتهى إليه عملها أن جمعت فئة قليلة من الرجال، تحسن الخدمة الاجتماعية، ومجاملة الناس، ولم تنتج واحدة منها مفكرا ذا شأن، أو فكرا متميزا يلائم واقعها الآني.

وإذا كانت الحركات غير التركية قد أشاعت التدين في عموم الناس، والربانية في قلة من أفرادها، وخلفت نتاجا كان له تأثير كبير، في المجتمعات الإسلامية الحديثة فإن الحركة التركية حملت الدعوة إلى الترك بطريقة أخرى، فقد سعت في أن تثبت لهم أنها خير لهم، وأن نهجها خير لهم، وأصح من نهج غيرها. دعاها إلى ذلك أنها رأت أن ما يؤيد له الأحزاب العلمانية هو ما تعد به من رفاهية وخدمة، فإذا وجد الشعب من يعده بذلك فينجز الوعد لم يعدل به أحدا فكيف إذا جمع إلى ذلك الحفاظ على الدين، والتراث، والفضيلة، والحرية، والاستقلال، والنهج الديمقراطي؟.

وتولت الحركة إثبات مرادها بأمرين: حسن السياسة، وعظمة الإنجاز: فحين أدارت البلديات جعلت الماء والكهرباء و الخبز والنقل تصل إلى كل بيت، وعبدت الطرق ونظفتها، و أعطت عشرات الآلاف من الطلاب منحا، وملأت خزائن البلديات بالمال، بعد أن كانت مثقلة بديون، تبلغ مليارات الدولات، وبنت أعظم محطات تكرير الماء في أوربة، مع ما كانت تلاقي م مضايقة الحكومة، وعدم صرف مخصصاتها المالية . وأغنت المومسات عن البغاء بتوفير الأعمال الشريفة لهن، فطهرت المدن من بيوت الدعارة.

ثانيهما: أن الحركة في تركية توفر ت لها مساحة من الحرية وسيادة القانون غير موجودة في بلد عربي فثمة محاكم وقانون يحكم الدولة ويستطيع من لم يخالفه أن يعمل بحرية كبيرة والدليل على ذلك أن رجلا كنجم الدين أربكان معروف بالديانة والاستقامة منذ شبابه ومعروف بتوجهه الإسلامي قبل دخول السياسة لما ترشح مستقلا مكن من خوض الانتخابات فلما فاز مكن من دخول البرلمان ثم لما تقدم هو ورفاقه الإسلاميون بطلب ترخيص حزب النظام الوطني ولم يكن في برنامجه ما يخالف القانون رخص لهم ولم تفتش قلوبهم وما تكن من النيات والمعتقدات ولم يحل طلبهم إلى المباحث لتقدم تقريرا عن سيرتهم وتاريخيهم كما يحدث في البلدان العربية وكان حزبه يحل ويسجن هو وتصادر أمواله ويمنع من مزاولة السياسة خمسة أعوام فإذا انقضى السجن والمنع عاد كما كان رئيسا لحزب لم يجد فيه سوى اسمه.

وكان الانتخاب - في الجملة- سالما نزيها وسالما من التزوير كما قال أحد الباحثين :" مع كل الكيد الذي واجه به العلمانيون والجيش حزب الرفاه حتى أبعدوه عن ساحة الحكم لم يعبث بنتائج الانتخاب ولم تزور ولم يسقط بانقلاب عسكري ولكن بضغط وتحالف أخرج حزب الرفاه من الحكومة كما دخلها" مع أن المؤلف يشير إلى أن بعض الأحزاب مارست التزوير بنسبة2.5مليون بطاقة انتخابية ... وقال مدير الإحصاء في تركية إن الأصوات التي استعملت في الانتخابات كانت 21مليونا والمسجلون في الأصل 18مليونا فحسب.(انظر الصفحة198).

ثالثا: مكاسب الحركة التركية:


ويعتبر المؤلف أن حالة حاكمية القانون في الدولة التركية وفرت للحركة الإسلامية بها فرصة النمو في الهواء الطلق وهو ما لم يتوفر للإسلاميين في البلدان العربية منه شيئ على الإطلاق ومرد ذلك لكون الدول العربية تحكم بهوى حكامها ونزعاتهم المزاجية والشخصية أكثر من وجود حاكميه قانونية ملزمة للجميع.

وقد وفرت حالة سيادة القانون في تركيا للإسلاميين الأتراك تحقيق جملة مكاسب إستراتجية من أهمها:

1- أنها سيست الشعب المسلم وجعلته يشارك في الحياة السياسية بصورة فاعلة ونشأ رأي عام إسلامي متمسك بهوية الشعب التركي الإسلامية ومدركا لمخططات الجيش وعمالته للخارج وحراسته لعلمانية متطرفة وظل الشعب دائما يتحين الفرص لتقويض هيمنة الجيش وتحدييها وهذا ما لم تنجح فيه الحركات الإسلامية العربية وهي وإن قاربت ذلك ظلت دائما الجيوش والأنظمة تسقط الخيار الديمقراطي الشعبي وتحول دون وصوله للحكم.

2- خفف العمل العلني عن الحركة عبئا كبيرا من الأعباء التي تتحملها الحركات العربية فتفرغت للعمل السياسي فالتربية تتولاها الطرق الصوفية والتعليم تتولاه المدارس والجامعات والمعاهد الحكومية. وتحملت الحركات العربية عبء التربية والتدريب والعمل السياسي – إن كان يسمح به - فكانت أحزابا سياسية وطرقا صوفية ومدارس ثم كانت نتائج الحركة التركية أعظم كثيرا من نتائج عمل الحركات العربية.

3- أنها سلمت من المتابعات الأمنية لأن أعمالها معلنة وقانونية وليس فيها ما تخشى كشفه وهذا من الأسباب التي جعلتها تبدع في مجال الاقتصاد بما أقامت من أعمال تجارية أدراها رجالها فاكتسبوا من مهنهم خبرة عظيمة أهلتهم للعمل في الحكومة .. التي يشاركون بها بنجاح ولم تتمكن الحركات العربية من ذلك ومن ثم كان حرصها على أن تتدرج في العمل السياسي حتى تكسب منه خبرة تمكنها من الحكم فيما بعد إن تأتى لها ذلك.


4- أن قيادة الحركة ابتعدت بها بحكم تكوينها عن النقاش عديم الجدوائية مثل الموقف من الديمقراطية الذي سال فيه حبر كثير في العالم العربي قبولا ورفضا ويرصد المؤلف سببا جوهريا لتقدم فكر الحركة لكونها :"تركية خالصة في فكرها ومذهبها وسلوكها وقد سلمت من الفكر السلفي الذي هو أنزع الاتجاهات الفكرية العربية إلى الحرفية والظاهرية وإغفال مقاصد الشرع وقلة إعمال العقل في فقه الشريعة وضعف التكوين الفكري وقلة الزاد من الثقافة الحديثة.
ويبقى الكتاب مفيدا للصحفيين ومتابعي الشأن التركي ودارسي تجارب الحركات الإسلامية بشكل عام والحالة الإسلامية التركية بشكل خاص.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!