التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:16:50 غرينتش


تاريخ الإضافة : 12.06.2009 23:07:18

رحيل عدود وبداه ومرتدو: تتضافر النكبات في عام الحزن

برحيل العالم المفكر والمناضل الدكتور مرتدو ديوب وبفترة قصيرة بعد رحيل العالم العلامة الشيخ محمد سالم ولد عدود وبعد رحيل الإمام الحبرالشيخ بداه ولد البصيري رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته تكون عبارة عام الحزن أقرب تعبير إلى حالة الاغتراب والحصار والنفي المعنوي الموجعة والموحشة في آن كحالة تطبع شعور الكافة في مثل هذه النكبات المتضافرة.

فغني عن القول إن الإمام بداه مثّلَ وتوّجَ نموذج العالم المستقل وجسّد حرص سلطة العلم أن يظل معيارُها الحق ومنهجُها التوازن والوسطية والصرامة الأخلاقية وبالتالي أن تظل مستقلة كمرجعية قيمية عن سلطة الساسة أيا تكن محاولات الأخيرين في بابي الإغراء والإملاء. العلم عند الإمام بداه يحضر بقوة في الفضاء العام ولكن بكرامته الذاتية ومن موقعه الخاص ولا يقبل الإلحاق والاستتباع.

وغني عن القول أيضا إن العلامة محمد سالم ولد عدود جسد نموذج الموسوعية العلمية في واحد من أرقى نماذجها ليحقق العلامة أمام الأجيال المعاصرة مثال العالم الأصيل والمعاصر معا. مكن العلامة الموسوعية الصحراوية من أن تتجدّد وأن تتحاور إيجابيا مع المعاصرين وجعلها تتكشف من خلال عبقريته النادرة ظاهرةً مشهودةً منفتحة على الحاضر وفاعلة فيه بتفاعله الخصب والثري مع الثقافة المعاصرة وبقدرته على تثقيف ـ بمعنيَيْ الكلمة ـ أجيال متعاقبة وإلهامها عبر تقديمه إياها الأسوة الماثلة موسوعيةً ورصانةً وقيما.

وغني عن القول كذلك إن مرتدو ديوب ـ ومرتدو اسم سمى به المرحوم نفسه ومعناه بالبولارية "الثائر" ـ جسد المناضل المفكر الذي لم يمنعه النضال الحازم ضد الأنظمة المتعاقبة منذ ميلاد الدولة الموريتانية من مساءلة طرحه السياسي فكريا ومراجعته دوريا دون تماد أو تنازل. عشرات الكتب والترجمات ومئات إن لم يكن آلاف المحاضرات عبر دول العالم عن الإسلام والعلم، وتاريخ غرب إفريقيا إلخ مثلتْ مدرسة الأجيال. لم يمنعه التشرد في المنافي الداخلية والخارجية من العكوف على ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغته الأم البولارية. ولم تمنعه حملات التشويه الرسمية على مدى نصف قرن كما لم يمنعه الصمم الذي سببه له السجن والقمع من الإنصات ـ كتابةَ إن جاز القول - إلى الآخر ومن العمل سياسيا وفكريا من أجل أوطان كادت أن تتنكر له.

رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته وألهم محبيهم ـ وهم كثر عبر العالم ـ الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أقل ما يجزئ في حقهم وفي حق المجتمع تجاههم أن تسمى بهم هيئات ومؤسسات علمية وطنية تهتم بنتاجهم وبنشره. وأن تنظم ملتقيات حول مساراتهم العلمية. وأن تتنافس البلديات والتجمعات المحلية مع الإدارة العمومية في تحقيق مثل هذه المشاريع.

باريس 12 يونيو 2009
الإمضاء بدي ولد ابنو


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!