التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:06:51 غرينتش


تاريخ الإضافة : 27.06.2009 15:28:18

ملاحظات حول ترشح الإسلاميين للانتخابات القادمة

1.أثار ترشيح الإسلاميين للأستاذ جميل منصور قدرا غير يسير من التساؤلات والمضض، لا يستند في معظمه إلى معطيات المنطق والحق بقدر ما يمثل من مخالفات التوقع وأنصاف المفاجآت. وفي المقابل ارتفعت أصوات تشيد بكفاءة الرجل، بنضاله، بجدية خطاب تواصل، بمسوغات الخيار وشرعيته وفرص نجاحه.
تلك الأصداء المعادية، المتعاطفة أو الموالية أثارت كلها في نفسي مجموعة من الملاحظات، قد لا تكون أحكاما تقييميه، نقدية، بقدر ما هي تساؤلات، تعول في سبر أغوارها على تعليقات القراء وتحليلات كتابنا السياسيين
.
ثقافة التستر أم غياب البديل؟

.2.علمتنا التجارب السياسية في العقدين الماضيين أن التستر خلف الواجهات السياسية، وإن كان يحترم الخطوط العريضة لحركة الإخوان العالمية، إلا أنه يغض طموح المتحمسين ويكدر صفو المتعاطفين. فلا عاقبة الود التاريخي مع التكتل كانت محمودة، ولا انتخابات 2003 أوصلت إلى التغيير المنشود، ولا نتائج دعم السيد صالح ولد حننة في انتخابات 2007 كانت مرضية، ولا التمثيل في حكومة ولد الوقف حظي بالترحيب.
تلك المعطيات التاريخية أثرت بشكل جلي على خيار تواصل أثناء مداولات الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية التي اتسمت بقدر غير يسير من الصعوبة والتعقد، فالوقت محدود والخيارات معدودة والخصم قوي ومتحكم.
. 3.بعد اتفاق دكار والخروج نسبيا من أزمة القرارات الأحادية، ظهر في الساحة السياسية، إضافة إلى السادة أحمد ولد داداه، مسعود ولد بلخير محمد ولد عبد العزيز، فاعل سياسي قديم، جديد. قديم بماضيه البوليسي الأمني وجديد بوجهه الإصلاحي الذي استطاع به أن ينال إعجاب بعض المراقبين: فخلال المرحلة الانتقالية تعهد المجلس العسكري بقيادة السيد أعل ولد محمد فال بوعود قيمة، واحترم منها النصيب الأوفر. لكن فترة التكفير عن الذنوب تلك، لم يرد لها أن تكون ظرفا لتحقيق حلم الحزب الإسلامي. وهو ما جعل "العداوة" التاريخية بينه وبين الإسلاميين قائمة حتى الآن. صحيح أن الرجل في بعض تصريحاته الإعلامية أبدا مؤخرا إعجابه بحزب تواصل ونهجه الديمقراطي، وربما يكون ذلك بفعل إكراهات المرحلة، فللسياسة تعريفها ومنطقها، وإن كان المتنبي قديما قد قال : ومن كرب الدنيا على المرء أن يرى... عدوا له ما من صداقته بد.
كانت تلكم الواجهة السياسية هي الخيار المتاح، لكن السؤال المطروح هو لماذا يجب على الإسلاميين أن يلجؤا دائما إلى تحالفات عرجاء، ويقودوا قواعدهم بخطابات جوفاء، لم تتح لها مكنة التطبيق على أرض الواقع بفعل التستر خلف الواجهات السياسية؟

قرار الترشيح، لماذا المفاجأة؟

. 4.رغم ما شكله هذا القرار من مخالفات للتوقع، إلا أنه لم يكن وليد العجلة والاعتباط. فمنذ البداية نادت أصوات عديدة، داخل تواصل، بضرورة ترشيح الأستاذ جميل منصور، وذلك لأسباب شخصية، موضوعية واستيراتيجية.
أسباب شخصية تعود إلى كفاءة الرجل، فهوالسياسي البارع والخطيب المفوه والكاتب الرصين الذي امتلك جاذبية البنا وصرامة سيد قطب و دهاء الترابي ومبدئية خالد مشعل و براغماتية طارق الهاشمي، حسب تعبير السيد محمد سالم ولد أحمد.
أسباب أخرى موضوعية؛ تتمثل في غياب البديل وضرورة أن يتمتع الإسلاميون بثمار جهودهم النضالية وأصوات قواعدهم الشعبية.
أما الأسباب الإستراتيجية- وربما تكون الأهم- فقد بدت واضحة في تراجع القواعد الشعبية للإسلاميين إبان دعمهم في انتخابات 2007 للسيد صالح ولد حننة مقارنة مع النتائج الرسمية لانتخابات 2003 رغم ما تميزت به من المضايقات والتزوير و نيابيات 2006.
بناء على ما تقدم استجاب المجلس الوطني لحزب تواصل لتلك النداءات، وهو بذلك على الميثاق الأخلاقي للجبهة من الخارجين. وهنا مكمن الخطيئة، على الأقل في أعين الحلفاء.
صحيح أن هذا القرار قد يدعم خيوط تواصل الإسلاميين مع قواعدهم الشعبية، حتى وإن كان تكتيكا إجرائيا، مرتكزا ته الأساسية هي حسابات المرحلة. وتلك "مغالطات" أخلاقية لتعطش الموالين والمتعاطفين. لكن استصحاب مبدأ الأصل يفرض الاعتقاد- على الأقل نظريا- بهدف الوصول إلى السلطة. وتلك نقطة تحول في التاريخ السياسي الإسلامي الموريتاني، بشكل يرجح كفة الخوف منها على كفة الفرح بها
.
" اللقمة ال أتقصص خير منها الحيس "

5.يتميز الخطاب السياسي الإسلامي المعاصر بالمرونة والتكيف. فهو خطاب وطني، جدي، تربوي، تنموي، ومعتدل. استفاد من جهود نخبة من الأكاديميين والباحثين تكفلت بالتنظير، وطاقات شبابية سخرت وقتها للعمل النضالي، النقابي والسياسي.
لا جرم أن خطابا من هذا القبيل سيحظى بالقبول في مجتمع لا يزال- ولله الحمد- يعض على دينه بالنواجذ. فعلى الرغم من ضآلة النتاج الفكري المحلي، فإن الإسلام السياسي ظل حاضرا، موجودا وفاعلا أساسيا في المشهد النقابي والسياسي الموريتاني.
6.قد تختلف دواعي الموالاة أو التعاطف مع هذا الخطاب، فمن القوم من يؤمن بضرورة الحل الإسلامي وفكرة الحاكمية، و منهم من يرى في هذا التوجه مجرد خطاب سياسي كغيره من الخطابات، له قراءته للواقع ورؤيته للإصلاح، استطاع حاملوه أن ينتزعوا ثقة المواطن الموريتاني بجدارة، يشهد بها الخصم قبل الحليف.
7.صحيح أن النصوص الشرعية صالحة لكل زمان ومكان، وأن الواقع متغير ومتجدد، وهو ما يقتضي المرونة والتكيف والاجتهاد. صحيح كذلك أن الشأن العام وإدارة الحكم في الخطاب الشرعي موكول- على الأقل في جزئياته التفصيلية- إلى مبدأ الشورى والاجتهاد، لكن هناك أمر يشكل الاتفاق عليه مفصل الوضوح والغموض. ذلك الأمر هو أن هذه الرؤية السياسية الإسلامية أو تلك تشكل، دائما، قراءة من عدة قراءات وخطابا ضمن خطابات، فلا هي الحقيقة المطلقة ولا الفهم الأوحد.
من هنا يمكن اللجوء للاستفادة من تجارب الآخرين. فلقد حقق الخطاب السياسي الإسلامي نجاحات كبيرة في بعض من الدول الإسلامية، لكن تجارب أخرى قد تعثرت في ظروف قد تكون بظروفنا أشبه.
ودواعي هذا التعثر قد لا تكون لصيقة بالخطاب نفسه، بقدر ما هي نتيجة لتفاعلات داخلية وخارجية. فللغرب رؤيته للديمقراطية والإرهاب، ولدول الجوار حساسياتها وتداعيات أحداثها الداخلية، ولواقعنا الأمني إملاءاته، ولتاريخ قواتنا المسلحة وحرسنا الرئاسي هفواته، فحتى لا تظلمون ولا تظلمون، يا معشر الإسلاميين، حبذا لو امتثلتم "وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة".

موسى مفتاح الخير ولد ابا - مركز قانون الأعمال- جامعة تولوز
[email protected]


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!