محمد المامي ولد مولاي اعل
انتهت الانتخابات الرئاسية بنجاح كاسح للمرشح محمد ولد عبد العزيز في الشوط الأول بنسبة تزيد على 52% خلافا لكل التوقعات التي كانت تؤكد حتمية اللجوء إلى شوط ثاني ، وهو ما أكدته استطلاعات الرأي وجزم به المحللون السياسيون.
هذه التوقعات بناها أصحابها على مؤشرات ودلائل ظهرت قبل الحملة الانتخابية وأثناءها ، مؤداها أن الانضمامات الكبرى التي حظي بها كل من احمد ولد داداه ومسعود ولد بالخير كفيلة بزيادة نسبهم في الانتخابات بما يخولهم على الأقل للتأهل للشوط ثاني ، ويؤكد ذلك ما شهدته حملة المرشح عزيز من انسحابات بنفس الوزن والحجم وهو ما انعكس بشكل جلي على التظاهرات الانتخابية والمهرجانات الشعبية التي اعتبرت حينها من الوزن الثقيل بحيث ترجح كفة المعارضة ، ثم إن قراءة بسيطة لنتائج انتخابات 2007 تشير هي الأخرى إلى نفس الاتجاه ، وتعطي نفس الدلائل ، ذلك أن احمد ولد داداه حصل حينها على ما يربوا على 20% بينما حصل الزين ولد زيدان على حوالي 15% وقد تكتلت القوى التي كانت تدعمهما في اتجاه واحد ، ثم إن مسعود ولد بالخير الذي حصل سنة 2007 على زهاء 9% هو أيضا حظي بتكتلات وانضما مات من الكتل التي كانت تدعم سيد محمد ولد الشيخ عبد الله ، وعلى ذلك ـ وطبيعة الساحة السياسية لم تتغير بكبير شيء والعوامل المؤثرة فيها هي هي ـ من المستحيل أن تحسم الانتخابات بشوط واحد لصالح محمد ولد عبد العزيز.
فما الذي حدث ؟ وكيف يبرر ؟ وهل إن الخطاب السياسي لحملة عزيز كان من القوة بحيث فعل فعلا سحريا في جمهور الناخبين، وغير بالتالي الخريطة السياسية لصالحه؟ أم أن ثمة خدعة سياسية ما صورت الأمور خلال الحملة بخلاف حقيقتها ؟ أم أن الانتخابات قد تم تزويرها ؟ أم أن ثمة قوى روحية ما ورائية أثرت في الحدث ؟
فرضية تأثير الخطاب السياسي:
تقوم هذه الفرضية على أساس أن حملة عزيز اعتمدت خطابا سياسيا حادا قام على محاربة الفساد والمفسدين ومحاولة التقرب من الفئات الفقيرة في المجتمع حتى دعي \" برئيس الفقراء \" وهو ما جعله يستقطب الكثير من شعبية المعارضة بفعل هذا الخطاب السحري.
غير أن هذه الفرضية ترد بأن مجرد الخطاب السياسي في موريتانيا لا يمكن أن يكون له كبير تأثير على الناخبين نتيجة انتشار الأمية وقلة الوعي وجمود الطبقة السياسية ، ولولا ذلك لأثر هذا الخطاب في الانتخابات السابقة على كثرة عددها وثبوت الأحوال على ما هي عليه من فقر وتخلف وبطالة وفساد دون تغيير ، فليس من الممكن أن تتراجع نسبة 48% من الناخبين في السنة قبل الماضية إلى 13% بمجرد خطاب سياسي يدعوا إلى محاربة الفساد والمفسدين والذي هو نفس خطاب المعارضة منذ عشرين سنة الماضية .
فرضية الخدعة السياسية :
بمعنى أن العديد من أنصار عزيز المتهمين بالفساد بحكم مشاركتهم في حكومات سابقة تعمدوا الانضمام إلى مرشحي المعارضة والتظاهر معهم بهدف التضليل ليتسنى وصفهم بالمفسدين في حين يصوتوا في النهاية لعزيز، ويعزز ذلك التغير في لهجة عزيز عشية إعلان النتائج إذ اعتبر نفسه رئيسا للموريتانيين جميعا ، وان علاقته بمناوئيه لا تختلف عن علاقته بأي مواطن عادي ، في إشارة إلى محاولة احتواء عناصر من المعارضة .
ترد هذه الفرضية أيضا بأن الفاعلين السياسيين الذين انضموا لمرشحي المعارضة وقفوا أيضا في وجه النتائج رافضين لها ، ثم إن الطبقة السياسية في البلد ليست بهذا الخبث بحيث تعمد إلى خدعة كهذه وتنفق أموالا طائلة في سبيلها رغم مخاطرها .
فرضية التزوير:
تعتبر هذه الفرضية أن الانتخابات قد تم تزويرها كما تم التلاعب باللوائح الانتخابية ، وقد كانت المعارضة قد أبدت تخوفها من عمليات تزوير مرتقبة وشراء للذمم واستخدام لوسائل الدولة ترغيبا وترهيبا ، وقد كشف بعض المراقبين الدوليين عن خروقات شابت عمليات التصويت .
هذه الفرضية يمكن ردها بأن أغلبية المراقبين الدوليين شهدوا بنزاهة الانتخابات معتبرين أن الخروقات التي حدثت لا ترقى إلى المستوى الذي يجعلها مطعنا في النتائج .
فرضية \" لحجاب\":
تقوم على أساس أن عزيز لجأ إلى استخدام الطرق الروحية والماورائية للتأثير على نتائج الانتخابات مستخدما مثلثات الغزالي ، وسر الحرف ، والمكعبات ، وخواص الأشياء وغيرها من الاساليب الباطنية الخفية ، ويعزز ذلك قيامه خلال الحملة الانتخابية بزيارات متكررة لبعض كبار مشايخ البلد المعروفين بالصلاح ، وهو ما يمكن اعتباره سعيا لطلب البركة والدعاء ولحجاب .
غير أن هذا الافتراض لا يمكن اعتباره موضوعيا لتجافيه عن المنطق السليم للأشياء والتحليل العقلي المعتمد على ربط الأشياء بمسبباتها المنطقية.
لم يبق إذن إلا الحيرة والارتياب بين طعن قدمته المعارضة في نتائج الانتخابات وهو ما لم يجد حتى الآن من الأدلة ما يبرره ؟ والقبول بنتائج لا تجد لها من الوقائع ما يعززها.

محمد المامي ولد مولاي اعل