التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:04:31 غرينتش


تاريخ الإضافة : 04.08.2009 14:02:17

موريتانيا من حكم جنرال منقلب إلى حكم جنرال منتخب

فاجأ ولد عبد العزيز الموريتانيين فجر السادس أغسطس الماضي بانقلابه على أول رئيس مدني منتخب كردة فعل منه على قرار عزله حسب ما صرح به هو نفسه، وأكد أنه لو تم التراجع عن القرار لما وقع الإنقلاب، ورغم محاولة الكتائب المدنية وصف ما حدث بأنه حركه تصحيحيه لا مناص منها لرد البلاد إلى جادة الصواب إلا أنه لايخفى على ذي لب أن الإنقلاب دفاع عن المناصب وأن قرار العزل هو سببه الأساسي، ولا يمكن أن نتجاهل حالة التوتر السياسي والأمني التي كانت تعيشها البلاد والتي يتحمل الجنرال ورفاقه كفلا منها.


وقد مثل الانقلاب صدمة كبيرة للذين ظنوا أن البلد بعد المرحلة الانتقالية كان قد وضع على سكة الديموقراطية وأنه مهما يكن حجم المشاكل التي سيواجهها ففي الدستور والمؤسسات المنتخبة غنى عن اللجوء إلى قوة السلاح.


ولتنظيم جهود المطالبين باستعادة النظام الشرعي تشكلت الجبهة الوطنية للدفاع عن الديموقراطية لتقود المسيرة وتعطي لموريتانيا وكل المنطقة مثالا نادرا في النضال والتحدي وصورا حية من التشبث بالحقوق والدفاع عنها، وفي ظل سيطرة الانقلابيين على وسائل الإعلام العمومية وتجنيدها للنيل من المعارضين والتفنن في ابتكار مبررات للإنقلاب و تزيين "حركة التصحيح" و استعمال كل أساليب الترغيب والترهيب لوأد أي تحرك معارض في الداخل وجدت الجبهة نفسها مضطرة لإيلاء الخارج النصيب الأوفر من نشاطها معولة على صواب موقفها و على الإتفاقيات التي وقعتها موريتانيا مع المجموعة الدولية وشركائها في التنمية، وبرغم كل ذلك و ما اعتبر أخطاء استيراتيجية ارتكبها عزيز فقد كان موقف الخارج عموما مخيبا للآمال واتضح طغيان المصالح على المبادئ وبدا أن الدول الكبرى مقتنعة بأن مواجهة العسكر مضرة بمصالحها المقدمة طبعا على حق الموريتانيين في الديموقراطية واختيار من يحكمهم، وكان أقصى ما قدمه الخارج من دعم هو المطالبة بحل توافقي و بالجلوس إلى طاولة المفاوضات ولو تحت سلطة الجنرال وفي إطار الأيام التشاورية التي لم تكن سوى مسرحية سيئة الإخراج !!

وأبانت التجربة عن أن أمريكا وإسرائيل -على جلالة قدرهما!!- ليس بإمكانهما دائما فعل الكثير وأن ليس من المستحيل العيش خارج ظلهما على الأقل في هذا الجزء القصي من العالم.

وبالرغم من العقبات الكثيرة فقد وقفت الجبهة حجر عثرة في طريق الانقلابيين وأفشلت خططهم ولقنتهم درسا يصعب نسيانه وجعلت طريق الانقلابات أشد وعورة من ذي قبل، وسيفكر الضباط مستقبلا ألف مرة قبل خوض مغامرة الإطاحة برئيس منتخب.

حملة سابقة لأوانها:

بعد استيلائه على السلطة أعلن عزيز -على غرار إخوانه الانقلابيين- نيته تنظيم انتخابات رئاسية دون أن يعطي موعدا محددا لها، ومع بروز معارضة داخلية قوية ورفض الخارج تطبيع العلاقات مع نظامه تأكد أن ليس للجنرال بد من خوض غمار المنافسة الانتخابية فبدأ يعد العدة وشرع في الحملة الانتخابية وكل موارد الدولة تحت إمرته ورهن إشارته فاستنفرت وسائل الإعلام العمومية للعب دور ليست بعيدة العهد به وتم القيام بإنجازات استعراضية لم تصدر عن دراسة أو تخطيط حولت لها أموال برامج أخرى، وبعد أن طاف الجنرال الطامح البلاد طولا وعرضا و أنهى جولاته المكوكية قدر أنه قد حان وقت الحصاد فقرر إجراء الإنتخابات، ووقعت الجبهة اتفاق داكار تحت ضغط المجموعة الدولية مدركة أن عامل الوقت ليس في صالحها.


فوز الجنرال بين الرفض والقبول:

فاجأ ولد عبد العزيز الموريتانيين مرة أخرى بفوزه في انتخابات 18 يوليو وحسم السباق في الشوط الأول بنسبة لم يكن يتوقعها الكثيرون، لكن مؤيديه لايرون في الأمر مايدعو للإستغراب و يعتبرون فوز مرشحهم نتيجة لنيله ثقة الغالبية العظمى من الشعب التي يمثلها الفقراء وضحايا أنظمة الاستبداد بعد أن سخر كل جهوده لخدمتهم والتقرب منهم ووجه خطابه إليهم بشكل خاص، وإذا كان تغليب الموريتانيين للبرنامج الإنتخابي على الولاء للقبيلة والجهة والعرق أمرا ليس مسلما به فمما لا شك فيه أن الجنرال استقطب بعض هؤلاء بتبنيه خطاب المعارضة التقليدي و بسبب ظهور مرشحي الأخيرة في أعين ناخبيهم كمن يريد إعادة أنظمة سابقة بتأهيل رموزها والتحالف معهم، فضلا عن أن مطلب الدفاع عن الديموقراطية الذي رفعته الجبهة يأتي متأخرا في أولويات المواطن العادي بعد الخبز والماء والدواء ، كما أن عزيز استمال قلوب مواطنين آخرين بقطعه للعلاقات مع إسرائيل ومشاركته في قمة الدوحة إلى جانب زعماء دول الممانعة وقادة حركة حماس
.
ورأى المنافسون الرئيسيون أن نتيجة الانتخابات غير منطقية وأن وراءها عمليات تزوير واسعة النطاق، غير أن تقديم الأدلة الملموسة والبينات على تلك الدعوى ليس من السهولة بمكان، ويزيد من صعوبة مهمة هؤلاء إعلان النتائج من طرف وزير الداخلية المحسوب عليهم ورفض المجلس الدستوري طعونهم واستعداد المجتمع الدولي للتعامل مع الرئيس الجديد وتململ كثيرين من طول أمد النضال.

وسواء كان رفض الإعتراف بالنتائج موقفا موضوعيا أو تكتيكيا ، يبدو أنه ليس أمام المرشحين الخاسرين من خيار سوى استخلاص الدروس من الهزيمة والإستعداد لمعارضة عزيز رئيسا منتخبا بعد أن عارضوه جنرالا منقلبا.

آمال ومخاوف:

يبعث فوز "مرشح الفقراء" الأمل لدى شرائح من المواطنين مسهم الضر كثيرا ونسيتهم ساكنة القصر والمهتمون بالسياسة ردحا طويلا واتخذ منهم الجنرال موضوع خطاب حملته الرئيسي وصمت آذانهم وعوده المتكررة بإعلان حرب لاهوادة فيها على الفساد وأهله واستبشروا بإنجازاته واعتبروها دليلا على صدق نواياه، نرجو أن لاتخيب ظنونهم و أن لايكون ما يرونه كسراب بقيعة.

وفي المقابل يرى آخرون أن رئاسة الجنرال ستكون فرصة ذهبية لإحكام الجيش قبضته على الحياة السياسية ووضع أسس دولة الجنرالات وبسط الرئيس سيطرته المطلقة على كل السلطات وتفرده بالقرار.

الكرة الآن في مرمى الرئيس ليصدق مخاوف هؤلاء أو آمال أولئك أو يكذبها، و يرجع إليه القيام بخطوات ضرورية لتجاوز الاحتقان و مد جسور الثقة مع جميع الأطراف وتوفير جو السكينة والهدوء الضروري لاستئناف العملية التنموية التي لم تعد تحتمل التأجيل، و أعتقد أن من أكثر الخطوات إلحاحا أن يعلن الرئيس عزمه الإكتفاء بعهدتين وعدم رغبته في تغيير المادة الدستورية المتعلقة بهذه النقطة، و إنهاء احتكار وسائل الإعلام العمومية وفتحها أمام جميع الفاعلين السياسيين للتعبير عن آرائهم بكل حرية.

وبغض النظر عن الإختلاف في قبول النتائج أو رفضها أعتقد أن الجميع يحذوهم الأمل في أن يحمل قابل الأيام للوطن الرفاه والتقدم وأن يفي الرئيس الجديد بالقسم الذي سيؤديه وأن يؤدي وظائفه بإخلاص مع احترام دستور وقوانين الجمهورية الإسلامية الموريتانية.

ولا شك في أنه قد آن الأوان لهذا الشعب الذي عانى طويلا من الجوع والفقر أن يرتاح وأن ينعم بخيرات بلاده الغنية، وأعتقد أن ذلك لن يتم إلا بوضع أسس دولة القانون والمؤسسات وبفتح المجال أمام جميع الموريتانيين للمساهمة في بناء وطنهم دون إقصاء أو تمييز.


سيدي محمد ولد أحمد طالب
مهندس، مقيم في إسبانيا
[email protected]



Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!