التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:04:43 غرينتش


تاريخ الإضافة : 05.08.2009 08:27:24

المعارضة: معاركة لا بد من حسمها

محمد ولد الكبير
(سينجح السياسي الذي يعرف بحصافة أكثر المواطن المتوسط ويعرف أحسن كيف يمكن الحصول منه على انعتاقه الذاتي وليس الذي يعرف بعض رغبات المواطن وبصفة عرضية يريد استغلال هذه الرغبات بمكر ودهاء لصالحه الشخصي).
أورتيكا إكازيت كتاب " أداءالمقاطعات"
استطراد لأحد الكتاب الإسبانيين الكبار في بداية القرن الماضي يلخص بوضوح نتيجة هذه الانتخابات التي لم يفق البعض حتى الآن من صدمة نتائجها. يجب أن نكون أحيانا على الأقل على قدر من الصّراحة وأن نتمتع بالجرأة لنعترف بأن ماحصل يوم الثامن عشر من الشهر الماضي كان انقلابا انتخابيا خطط له المرشح الفائز وفريقه و نفذه المواطن العادي والطبقة الكادحة بالدرجة الأولى، وفي الضواحي الفقيرة من العاصمة انواكشوط بصفة أخص، على عكس كل التوقعات.
أمّا ما حصل قبل يوم الإقتراع فالمعارضة يجب أن تلوم فيه نفسها قبل غيرها. تلك هي الحقيقة التي نرجوا أن تكون للمعارضة الجرئة للإعتراف بها حتي تستطيع مواجهة ما ستحدثه من وقائع جديدة لن يكون أماها غير التعامل معها شاءت أم أبت. ولكن لا يعني هذا أن الفائز في هذه الاستحقاقات هو الأحسن، ولكن - وللإنصاف - يجب أن نعترف له بأنه الأمكر على الأقل وإرجاء الأوصاف الأخرى حتي نرى كيف يتصرف لاحقا.
حان الوقت بالنسبة للمعارضة للقيام بنقد ذاتي طال انتظاره وإعداد استراتيجية تستشرف المستقبل والانطلاق نحو الاستحقاقات القادمة، ومساهمة في هذا الاتجاه تدخل هذه المحاولة المتواضعة.
نقد ذاتي:
أولى الأولويات في هذا الصدد، وكما ارتفعت بذلك أصوات متعددة، تتمثل في أنه لامناص من تنحي رموز المعارضة الحالية الذين تقدموا لأكثر من استحقاق رئاسي ظلموا في بعضها وفشلوا في البعض الآخر فشلا مشرفا -إن صح التعبير- أحيانا ومخجلا ومثيرا للشفقة أحيانا أخرى. حان الوقت لتطبيق التناوب في المعارضة نفسها وأن ينسحب من لم يعد عنده ما يقدمه وأن يتذكر من نسي مبدأ:
"لا تنهى عن خلق وتأتي مثله ***عار عليك إذا فعلت عظيم".
تجديد الخطاب السياسي ليتماها مع هموم وتطلعات الطبقات المحرومة، ومن المؤسف في هذا الصدد التنكر السافر لهذه الهموم والتطلعات الذي وقع فيه خطاب المعارضة في الاستحقاقات الأخيرة. ولا شيء في ذلك أغرب من خطاب المحاباة للمفسدين والتزلف للطبقة الميسورة ورجال الأعمال الذين يعلم - حتى العامة - أن التحاقهم بالمعارضة لم يحصل إلا بعد أن يئسوا من الحصول على موطئ قدم في الجانب الأخر.
خلق مؤسسات حزبية والقطيعة مع نهج الموسمية وستكون مسألة التمويل الذاتي مصيرية في هذاالصدد. أعرف ويعرف الجميع أن الأمر ليس بالهين ولكن لا أحد ينكر رغم ذلك أن شخصنة الأحزاب وموسمية العمل السياسي للمعارضة لن تقود إلا إلى ما يشاهد اليوم وشوهد من قبل، وأن شق طريق الحزب المؤسسة يجب الانطلاق فيه دون تأخير.
العمل المشترك بين مختلف أحزاب المعارضة في كل ما حصل عليه اتفاق من نهج النضال السلمي والتحرك الفردي إذا استحال التنسيق في بعض المواقف دون أن يفسد ذلك جوانب العمل المشتركة الأخرى والتي ستكون بالطبع هي الأكثر.
معارك لا بد من خوضها:
في هذا الإطار نذكّر بمسائل لا مناص من تضمينها في استراتيجية النضال السياسي ورسم خطة موحدة بشأنها:
أولا الإعلام الرسمي وبالأخص قطاع السمعيات البصرية:
يجب على المعارضة وبكل الوسائل السلمية المتاحة وفي إطار خطة مدروسة العمل على كسر احتكار الأغلبية لهذا المرفق العمومي وفرض توازن في التغطية الإعلامية المنحازة كل الانحياز إلى حد الآن. ستكون أي معارضة في مثل هذه الظروف مصيرها الفشل كما هي الحال إلى حد الساعة. هذا القطاع هو الوحيد الذي باستطاعته الوصول إلى الغالبية العظمي من عامة المواطنين كما أنه الأنجع في ايصال أي خطاب سياسي إلى هذه الفئات العريضة نطرا لتفشي الجهل وقلة الاطلاع. أعتقد بل أكاد أجزم بأن أ حسن وسيلة لذلك ستكون الجرأة و التصميم الدائمين في التنديد اليومي والأسبوعي والشهري وفي كل ساعة وحين والتجييش السلمي المتواصل للمناصرين إلى حين كسر هذا التحيز السافر لهذه الوسيلة وفرض احد أدني على الأقل من التوازن في هذا المجال.
من أهم هذه المعارك وأكثرها صعوبة وإلحاحا في نفس الوقت هي معركة استقلالية القضاء. التجربة المريرة للمعارضة مع هذا القطاع تستدعي ودون حتي أدني تذكير أن يكون أولوية الأولويات في أي استراتيجية يتم التفكير فيها وأريد أن أكد هنا أن كل طريق للتناوب السلمي على السلطة يمر بحسم هذه المعركة. يجب علي المعارضة فضح الفساد المستشري في هذا القطاع والحيف الذي يعاني منه المواطن الضعيف قبل السياسي أمام عدالة بلده. يجب خوض معركة استقلالية القضاء على أنها معركة الديقراطية الحقيقية وعقبة لا مناص من رفعها لترسيخ المسار الديمقراطي. يجب الوقوف والإعتصام والتنديد أمام مكاتب وكيل الجمهورية والنيابة العامة ووزير العدل، يجب فضح كل حالة ظلم وكل زبونية للنظام في هذا القطاع فضحها والعمل على تغييرها. لن يأتي الشعب المقهور المظلوم الذي لايستطيع في أغلبه التمييز بين الجلاد والمنقذ ليستل المعارضة وينصّبها في السلطة. يجب أن تتساءل المعارضة عن الذي قمته للمواطن العادي ليرفعها إلي أعلى هرم السلطة. أعتقد أن أقصي ما يمكن أن تنتظره في ظل نهجها الذي سلكته إلى حد الآن هو أن يمل المواطن كذب وخداع السلطة ليهرول نحوها. على هذه المعارضة أن تستفيد من درس الاستحقاقات الأخيرة وأن ترفع هموم هذا المواطن اليومية وأن ترافقه كحد أدنى في نضاله اليومي لانتزاع أبسط حقوقه أمام مرافق الدولة.
الخطوة الأخري تتمثل في مواجهة انحياز الإدارة بشكل عام والإدارة الإقيمية وإدارة الأمن بشكل خاص ودور قطاع الإدارة في فرض النظام الأحادي. وعلى رأس الأولويات في هذا المجال مسألتين رئيسيتين تتمثل أولاهما في العمل بكل الوسائل الممكنة للحد من الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها ممثلو السلطة المركزية في الداخل على حساب المنتخبين المحليين ومسألة التمويل المحلي. الحقيقة التي لا لبس فيها أن تمويل المجموعات المحلية يجب أن يكون بنصوص قانونية تضمن اقتسام التمويل المتأتي من الدولة على أساس معايير موضوعية وشفاقة لأن التمويل الذاتي شحيح جدا بالنسبة للجماعات المحلية الكبرى ومنعدم تماما بالنسبة لما يقرب من 90% من البلديات على عموم التراب الوطني. كيف يمكن للمعارضة عمل ذلك؟ قد يسئل أحدنا. أقول بنفس الطريقة الوحيدة المتاحة الاحتجاج، التظاهر، التحسيس، لا أملٌ تكرارها ما دامت هي الطرية الوحيدة المتاحة وإذا ما كانت هناك طرق أخرى متاحة فيجب الأخذ بها.
لست ممن يعتقدون أن ما حصل في الإنتخابات الأخيرة يشكل ترجمة لتغير في طبيعة تعاطي المواطنين مع الممارسة السياسية التي كانت قائمة منذ بداية ما عرف بالمسلسل الديمقراطي في صدر تسعينيات القرن الماضي. كل ما حصل هو انقطاع بين اقطاعيّي السياسة في الفترة المذكورة وبين قواعدهم في الداخل أساسا بسبب غياب التمويل وغياب اشارات من السلطة اتجاه هذه الفئة تشجع على المغامرة ببقية مدخرات مما ترك قحط سنوات المرحلة الانتقالية بل على العكس من ذلك فقد رفعت سلطة الضباط شعار محاربة الفساد وتجديد الطبقة السياسية وأطالت يدها إلى حربة هؤلاء الأعيان في الداخل عندما نادت بشعار "موريتانيا الأعماق" وحملت إلى فنادق العاضمة ما زاد على الثلاثة آلاف وأكرمت وفادتهم. عندها شعر الإقطاعي بجدية الخطر الذي يتهدده وفزع إلى المعارضة بمجرد توقيع اتفاق داكار الذي اعتبره بداية التقهقر لسلطة الأعداء انتقاما وسباقا على تموقع جديد.
فشلت المعارضة وفشل معها الإقطاع السياسي أو أغلبه على الأصح و تغلب الضابط وجمعه وبمجرد إعلان النتائج أرسل صاحب الأمر رسائل تطمين إلى الإقطاع أن لاخوف عليهم وأن باب التوبة مفتوح حتي للمسرفين منهم ولا نعلم الآن هل هي توبة بشروط التوبة التي عهدنا أم أن توبة الفساد غير مقيدة بشرط. لهذه الأسباب أميل إلى القول أن حليمة ستعود لما كانت عليه. سيرجع الالتحام بين السلطة والإقطاع السياسي وستمد الأولى الثانية بالمال العام وستتحرك الثانية لرأب الصدع الذي حصل في قواعدها في الداخل لمدّ سيّدها وولي نعمها بالشرعية التي لن يتأخر طويلا في طلبها والانتخابات البلدية على الأبواب إذا لم تسبقها الانتخابات النيابية.
هذا يستدعي من المعارصة وموزاة مع ما سبق ذكره العمل على تحضير خطة عمل للولوج للداخل والوصول إلى المدن الداخلية وحتي القرى والأرياف دون تكرار الخطإ القاتل المتمثل في التنافس مع السلطة على إقطاعها لأن المسألة واضحة لأبسط متأمل. الإقطاع السياسي لا يستطيع العيش طويلا خارج أحضان السلطة وهي ستحتاجه دوما لأنها بكل بساطة لا تريد ولا يريد لها الإقطاع السياسي نفسه ورجال الأعمال وعلى فرض أنها أرادت وتركت لن تستطيع على المدي القصير على الأقل أن تحقق للمواطن العادي الحد الأدني مما يسمح بتكرار ثورة انتخابية أخري. مما يعني أن حتمية عودة الممارسة السياسية لسالف عهدها أمر يكاد يكون من الحتميات. المعارضة يجب أن تعول أكثر على الاحتكاك بالمواطن العادي وأن تكون بجانبه عندما تتبخّر أحلامه في السلطة ويفيق من صدمته عندها تستطيع أن تستغل تململه في خلق بديل تدريجي لماكينة الكيد والتضليل التي يحركها الإقطاع السياسي بل وربما على المدي المتوسط كشف وفضح هذ الإقطاع واشعال ثورة ضده.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!