التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:04:32 غرينتش


تاريخ الإضافة : 11.08.2009 16:59:38

ظلال حادث 8 أغسطس2009

قد تنجح القاعدة في إضعاف نظام عزيز، لكنها لن تنجح في الهيمنة على المسرح الموريتاني المسالم

عبد الفتاح ولد اعبيدن، المدير الناشر  ورئيس تحرير يومية "الأقصى"

عبد الفتاح ولد اعبيدن، المدير الناشر ورئيس تحرير يومية "الأقصى"

حوالي الساعة السادسة ودقائق سمع صوت دوى انفجار قوي مرعب في قلب العاصمة نواكشوط، فتساءل الجميع ماذا وقع بربكم في هذا المساء الهادئ الوديع؟!
وفجأة تنادت إلى مسامع الناس أخبار العملية الانتحارية الأولى من نوعها على تراب شنقيط البعيدة عن أغلب فتن هذا الزمان الدموي المضطرب! إنه أسود اللون لم يعثر إلا على أشلاء متناثرة من جسمه الهالك تحت وقع الديناميت الانفجاري المدمر.

إسمه أحمد ولد فيه ا لبركه مولود في عرفات بالعاصمة نواكشوط في سنة 1987م.
سبحان الله، كيف يجرؤ أي موريتاني على قتل نفسه؟!.

هذا السؤال هو المحير بالنسبة لمن لا يعرف التحول النفسي والفكري العميق الذي أحدثته حركة "القاعدة" على تفكير بعض الشباب المغرر بهم من طرف زعمائها المنتشرين بكثرة على ما يبدو في دول المغرب العربي والصحراء الكبرى وبعض مدن موريتانيا المفتوحة الحدود وفي كل الاتجاهات الأربع على السواء!.

لقد وصل الخطر إلى قلب العاصمة مجددا وبقوة هذه المرة، فما الذي يعنيه ذلك على المدى القريب والمتوسط؟!

إنه أولا فشل ذريع لجميع المؤسسات بدون استثناء، العسكرية والأمنية والسياسية والدينية والاجتماعية والإعلامية!.

لأن العسكر فشلوا عدة مرات، في البداية في "لمغيطي" أيام الرئيس معاوية سنة 2005 ، وفي "القلاوية" 2008 زمن سيدي وعزيز وغزواني وفي تورين أيام عزيز الأولى في السلطة المغتصبة بشكل مباشر في شهر سبتمبر2008 حيث قتلوا-بتشديد التاء-ومثل بهم ووضعت لهم رؤوس زملائهم الشهداء على بطونهم على وجه وحشي لا مثيل له في أفلام "الهوليود"، و"السيبيوناج" العنيفة الدامية!.

كما نقلت القاعدة المعركة من حدود الجزائر (لمغيطي)، إلى ضواحي العاصمة على بعد 300 كلم قرب عاصمة ولاية الرئيس آنذاك ألاك، وبعد تلك الحادثة التي أودت بحياة فرنسيين برءاء جاؤوا على ما يبدو لأغراض ظاهرها على الأقل السياحة والتجول في أرض الله الواسعة!.

وفي فترة غير قصيرة استطاعت هذه المجموعات الإرهابية الغامضة جر النظام الأمني والعسكري الهش إلى مواجهة خسر فيها الطرف الموريتاني أحد مفتشي الشرطة -للأسف البالغ- وتكبدت القاعدة بعض الخسائر مات على إثرها أحد أفرادها الجرحى وطويت العملية الناجمة عن هروب ولد سيدين ومطاردة ولد السمان على نتيجة رمزية مفادها اعتقال هؤلاء المطلوبين وفي المقابل المزيد من هز صورة النظام الانقلابي-خصوصا في جانبه الأمني-على الصعيدين الداخلي والخارجي.

وتلا ذلك ما تلاه من مطاردات ومتابعات لم تتوقف إلى اليوم لتنجح القاعدة عبر هذه المرحلة في نقل المعركة مع هذا النظام إلى قلب العاصمة نواكشوط، وذلك بشكل تدريجي مبرمج حسب ما يفهم من مسلسل الأحداث لتدخل بدهاء هذا النظام الانقلابي المهزوز في أتون عمق أزمته الأمنية والاقتصادية الخانقة، دافعة التمويل الأجنبي إلى الضمور والهروب المستمر والسائح إلى المزيد من الخوف والامتناع عن الدخول إلى التراب الموريتاني المستهدف، والمواطن إلى المزيد كذلك من الخوف والترقب من الحاضر والمستقبل القريب المنظور المليء بالكوابيس والتحديات المتنوعة المفزعة!.

إذن فشل الجيش خارج العاصمة وعلى الحدود فشلا ذريعا ملموسا في حماية مواطنيه وحوزتهم الوطنية الترابية، وبدأت مجموعات الشرطة المحدودة التدريب والوسائل والتكوين في مواجهة خطر داخلي أو على الأصح إخطبوط معقد لا تعرف رأسه من ذنبه ولا تقدر على وجه اليقين على صد هجومه المتواصل المتنوع الإرهابي المغامر.

واليوم وصل الخطر إلى قمة التحدي الأمني في قلب العاصمة، ما بين سفارتي الدولتين اللتين دعمتا الانقلابي عزيز في الوصول من جديد إلى السلطة عبر مباركة التزوير عن طريق صندوق اقتراع مغشوش يوم 18 يوليو وعبر رعاية ذكية ماهرة خبيثة لاتفاق دكار السيئ الطوية والمقاصد!.
أجل كان موقع الحدث دقيقا من الناحية السياسية والدبلوماسية، ويدل ظاهريا على أن خارطة العاصمة والبلد بصورة عامة تحت أيدي مخططين إرهابيين عارفين بمسرح عملياتهم، وعلى وجه العموم لا أعرف هل كانت نقطة التفجير مقصودة أم لا؟.

لكن-ورغم عدم شرعية هذا التفجير الانتحاري من وجهة نظري-، فقد كان في غاية الدقة والدراسة فهاتان الدولتان بعد انقلابي 3 أغسطس2005 و6 أغسطس2008 وتزوير18 يوليو2009 هما المسؤولتان عن حماية وتمرير التلاعب الأخير -على وجه الخصوص- بالسلطة على يد عزيز وأعوانه الموكلين حيث هتف الزعيم الليبي في قصر المؤتمرات بنواكشوط ودون تردد بمساندة انتخابات 6/6 ثم سارعت السلطات الفرنسية في الأيام الموالية-على غرار صفقة الممرضات البلغاريات-، إلى مخطط للتشريع والتمرير الخارجي والإقليمي وفق خطة مدروسة جدا وبعناية من طرف عملاء مقربين من دائرة الحكم في باريس كان بعضهم حاضرا على الأراضي الموريتانية أيام الحملة الانتخابية المنصرمة.

وإن كان الانتحاري لم يتوصل إلى هدفه البشري أي مقتل أحد أو كلا الفرنسيين المستهدفين-بسبب نقص رباطة الجأش أو نقص الخبرة والتدريب اللازم-إلا أنه نجح في إثارة الرعب والمخاوف محليا وإقليميا وخارجيا حول الموضوع الموريتاني برمته.

فالحدث سيلقي المزيد من الضوء على أزمات النظام القائم وحلقات ضعفه بصورة خاصة كما سيدفع إلى التساؤل: أي وضعية أزمة داخلية أو خارجية -أخلاقية أو سياسية أو معيشية-، صنعت هذا الجيل الجديد من الشباب الموريتاني الانتحاري.

إن هذا الحدث يؤكد على فشل المجتمع والدولة في حماية الشباب من وباء التطرف لأن الطموح إلى التغيير لا يعني الإفساد في الأرض وقتل النفس والغير، والدخول في هذا الباب -مهما قيل عن بعض الفتاوي الغارقة في تبرير القتل والعنف-لا يعني أيضا أكثر من الزيغ والضلال والبعد عن الوسطية والاعتدال والحكمة والتفريط في خط التروي والتعقل وهو أهم مقاصد الأديان السماوية المنزلة من فوق سبع سماوات وعلى رأسها ديننا الإسلامي الحنيف.
أيها الشباب الهاربون من أجهزة الأمن المندفعون نحو الموت باسم الشهادة وطلب الحور العين أدعوكم لوقفة مع النفس أكثر حزما وحذرا لعلكم تكتشفون أن ما أنتم مقبلون عليه ليس مضمون السلامة والصواب وقد يكون فحسب بابا إلى الهلاك الأخروي والضياع في الدنيا في صورة موت انتحاري وقد لا يزيد بإيجاز على قتل النفس وترويع العباد المسلمين الآمنين المقيمين في هذه الديار المفتونة المبتلاة.

إن المعركة مع فرنسا قد يكون لها معنى في أرض غزتها مثل أفغانستان أما استهداف أناس منحتهم دولتنا تآشر مؤقتة أو دائمة فهذا التوجه مناقض لقيم ديننا ولا يسهل إطلاقا تبريره ليكون طريقا مأمونا صحيحا نحو الجهاد أو بذل النفس أو المال لإحقاق الحق وإزهاق الباطل أو إقامة دولة الخلافة الإسلامية الراشدة الموعودة.

إن هذا التفكير الانتحاري بدائي وغير مأمون ولا يكفي لإدخال مثل هذه العمليات في سياق العمليات الاستشهادية النوعية محل الجدل أصلا والتي يقوم بها بعض الإخوة في فلسطين ضد الصهاينة الغاصبين أو غيرهم من الصليبيين الحاقدين مثلا في العراق أو الصومال أو غيرهما من أراضي المسلمين المنتهكة!.

إن قتل النفس من أعظم الجرائم وأخطر البوائق ولا أمل لصاحبها في الجنة ولا يشم رائحتها فلا تغرنكم وسائل الإعلام العربية والغربية المهولة لما تقومون به معشر الشباب المتحمسين للشعارات الفارغة من المضمون الفقهي الحازم ولتراجعوا أنفسكم بسرعة قبل فوات الأوان والوقوف أمام الرحمن دون ترجمان وقد جرحتم هذا أو قتلتم ذلك!.

فعلا: الغربيون بوجه عام والصهاينة بوجه خاص ظلمونا في مواطن كثيرة وخصوصا في فلسطين وأفغانستان والعراق لكن الحل ليس في التصعيد ونقل المعركة في كل اتجاه دون رؤية إسلامية شرعية يقينية مطمئنة مدروسة.

فمثل هذه العمليات تخدم العدو أكثر مما تخدم المقهورين سواء في موريتانيا أو فلسطين أو أفغانستان أو العراق أو غيرها من بقاع هذا الوطن العربي أو العالم الإسلامي محل الأنين والوجع والظلم المتواصل!.

إنها تنقل رسالة مشوهة عن صورة الإسلام الحكيم العدل البر الرحيم الودود بالإنسان عموما وجنسه البشري على وجه الإطلاق وتعمق جراح هذا المجتمع الموريتاني المسلم البريء الفقير وتفسد باختصار أكثر من خيالات ودواعي الجهاد والاستشهاد.

أفيقوا معشر الانتحاريين المتجولين لا تقتلوا أنفسكم وتفتكوا بغيركم هذا طريق خاطئ غير محسوب واستغفروا ربكم وعودوا إلى منهج دعوى إسلامي متوازن مأذون مثمر للمسلمين وقضاياهم العادلة يبشر بحكمة بهذا الدين الحنيف في أوساط الآخرين من غير المسلمين.

كما أن هذه العملية الوحشية تدعو بإلحاح إلى فتح باب التوجيه والنصح الحنون الإيجابي المصلح لما أفسده العنف والتدابر والبغض والإهمال.

إن القاعدة في المغرب العربي ليست إلا مجموعات من جلدتنا الموريتانية أو المغربية أو الجزائرية ونحن الموريتانيين لسنا أقل حكمة ولا ذكاء ولا إلهاما من بعض إخواننا المغاربيين الذين بدأوا في نهج الحسنى مع هؤلاء القاصين الشاردين عن الديار والأحضان فلنفتح لهم باب الغفران والتصالح مع الذات والنهج الإسلامي المعتدل عسى أن يتفهموا تدريجيا أسلوب التعقل والرشاد، فهو خير لنا جميعا، مهما كانت اختلافاتنا وتنوع مشاربنا.

ومن لم يستمع في المرة الأولى سيستمع في المرة الثانية أو الثالثة أو العاشرة أو المائة وأما الأحكام القضائية القاسية فلها دورها النسبي في الردع ورد البعض عن جرائمهم السابقة أو المتوقعة لكنها لا تكفي عن الدور الإيجابي المحوري المركزي المؤثر للحوار والإقناع والتخاطب المباشر مع السجناء الحاليين لتكون مراجعتهم داخل السجون وخارجها مثل ما حدث في مصر والجزائر بداية لمعالجة هذه الظاهرة الكئيبة المدمرة المنذرة بخطر كبير محدق على موريتانيا التسامح والبراءة والوداعة والهدوء والبعد عن أجواء العنف والقتل والفتن العاتية المخيفة المرهقة للبلاد والعباد.

إن مشاكلنا فيما بيننا، لا يصلحها إلا الاحتجاج السلمي والأساليب المدنية والحضارية، وأما غير ذلك فهو سبيل تدمير مجتمعنا وذبول مشروع دولتنا الضعيفة المهزوزة فلنتق الفتن قبل فوات الفرصة وإلى الأبد!!!.
ولابد من القول إن مثل هذه العمليات الأليمة تؤكد على فشلنا جميعا وبصراحة سلطة وتعليما ومنابر دينية وإعلامية.

فكلنا مسؤول أمام الله لماذا لم ننصحهم ونقوم اعوجاجهم وتطرفهم بلطف وأمانة ومسؤولية وجد ورفق وحكمة بالغة مستمرة، وصبر لا ينفد، ولا ينصب ولا يتعب أصحابه من أمل الإصلاح.
اللهم سلم....سلم!!!...


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!