التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:17:49 غرينتش


تاريخ الإضافة : 17.08.2009 13:31:02

بن بيه يتحدث"للشعب"عن السياسة الشرعية وتولية المرأة

العلامة بن بيه متحدثا في ندوة علمية دولية في وقت سابق

العلامة بن بيه متحدثا في ندوة علمية دولية في وقت سابق

قال العلامة عبد الله بن بيّه، نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إن المقصد الذي ترمي إليه الشورى في الإسلام هو إشراك الناس في الشأن العام من جهة، ومن جهة أخرى عصمة للحاكم حتى لا يستبدّ وحتى لا تزلّ به القدم".

وأضاف بن بيّه في مقابلة مع جريدة الشعب أن "مدار الشورى هو إشراك الناس في الشأن العام ومنع الحاكم من الاستبداد"، مشيراً إلى أن "الشريعة الإسلامية بصفة عامة، أوكلت إلى الناس في إطار الثوابت الشرعية أمر تعيين ولاة الأمور وعزلهم، وكذا الصلاحيات والوظائف التي يقوم بها هؤلاء الولاة".

وقال بن بيّه إن الشورى في الإسلام لم تكن مقصورة على مجموعة بعينها بل كانت تقوم مقام القاطرة أو جهاز تجميع الأصوات حتى يعرف الرأي في الشأن العام"، مشيراً إلى أن "تعيين المرأة في بعض المناصب محاباة للغير وليس على أساس الكفاءة قد يكون نوعاً من الرياء في الديمقراطية"، حسب رأيه.
ويعد بن بيه من العلماء الموريتانيين الكبار الذين لهم حضور على الساحة الإسلامية العالمية وهو سليل أسرة علمية عريقة درس العلوم الإسلامية في محظرتها ومحاظر موريتانية أخرى قبل أن ينضم للجهاز القضائي الموريتاني غداة الاستقلال وشغل بعد ذلك وظائف وزارية عديدة في حكومات الرئيس الأسبق المختار ولد داداه.
كما كان أمينا دائما لحزب الشعب الحاكم وعضوا في مكتبه السياسي من 1970إلى 1978
وعلى الساحة الإسلامية الدولية شغل العلامة بن بيه وظائف منها:
أمين منتدى الفكر الإسلامي التابع لمجمع الفقه الإسلامي بجدة
عضو مؤسس في المجلس الأوربي للإفتاء
ويشغل حاليا منصب نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
كما يترأس مركز التجديد والترشيد بلندن
وهذا هو النص الكامل للمقابلة :

الشعب:
من المعلوم أن السياسة الشرعية في الإسلام أو الولاية العامة للمسلمين من أكثر القضايا التي أثارت جدلا واسعا بين فقهاء ومفكري المسلمين منذ الصدر الأول للإسلام ومازالت تستحوذ على جانب مهم من نقاشات العديد من هؤلاء المفكرين، ماذا لو تعرف قراء جريدة الشعب على موقفكم من هذا النقاش القديم الجديد وكذا أوجه الخلاف والتباين والتوافق بينها وأنظمة الحكم السائدة في عصرنا اليوم؟.
الشيخ عبد الله ولد بيه:
السياسة الشرعية اسم لما استنبطه العلماء من قواعد ومبادئ وفروع مبنية على رعاية مصالح العباد مع الاعتماد على الدليل العام دون الاستناد إلى أصل خاص، فهذا النوع من الأحكام يسمونه سياسة شرعية، أي أن الشريعة المطهرة تشهد بأنه مما يسوس الناس ويصلح شأنهم دون الرجوع إلى نص معين. ولأجل ذلك أحدث الناس على مر الزمان عقوبات وتعزيزات لم تكن منصوصة في كتاب ولا سنة، لكن رعاية الشريعة للمصالح جلبا ولدرء المفاسد تمثل القاعدة الكبرى والعنوان الكبير لهذه الأحكام، طبقا لكلمة الخليفة عمر ابن عبد العزيز الذي قال: "تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور" وهو بذلك يشير إلى أن الأحكام الشرعية تتماشى مع ظروف الناس وأحوالهم رعاية للصالح العام وتطورات المجتمع.
والسياسة الشرعية كما هو معلوم تقوم على قاعدتين هما المصالح المرسلة وسد الذرائع، أي اعتبار المصلحة جلبا المتمثل في قاعدة المصالح المرسلة عند مالك ودرءا كما في قاعدة سد الذرائع وهو ما نسميه باعتبار المصلحة من جهة الوجود أو من جهة العدم. وإلى ذلك يشير القاضي أبوبكر ابن العربي في كتابه "في البيوع من القبس" بالقول إن هذا الأصل انفرد به مالك رحمه الله، قائلا: "وهو بذلك أهدى سبيلا وأقوم قيلا".
وقد ألف بعض علماء المسلمين في هذا الموضوع مثل ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما، إضافة إلى تلك المؤلفات المتعلقة بالأحكام السلطانية للماوردي ولأبي يعلى وكذلك الفصول الخاصة بالسياسة الشرعية في تبصرة ابن فرحون وهي مؤلفات تراعي كلها هذا المبدأ العام وهو أن الشريعة المطهرة، إنما جاءت لمصالح الناس وأن المقصد الأعلى أو الأسمى هو مصلحة العباد في عاجلهم وآجلهم، كما يقول ألشاطبي رحمه الله تعالى. فهذا بصفة عامة هو الإطار الذي تدور فيه السياسة الشرعية والذي يحوم حوله العلماء الذين ألفوا في موضوعها، فهي بهذا المفهوم ما يصلح العباد حتى لو لم يكن منصوصا عليه بنص خاص في الشارع من كتاب أو سنة.


الشعب:

يرى بعض المفكرين المسلمين ممن تصدوا لمسألة الولاية العامة في الإسلام وقضية الشورى بالخصوص أن الشريعة لم تحدد إطارا معينا لنظام الحكم في الإسلام وإنما وضعت مبادئ عامة تعتمد الشورى أساسا لها، ما هي حجية هذا الطرح؟.
الشيخ عبد الله بن بيه:
هذا صحيح في الجملة، ذلك أن الشريعة الإسلامية بصفة عامة أوكلت إلى الناس في إطار الثوابت الشرعية أمر تعيين ولاة الأمور وعزلهم وكذا الصلاحيات والوظائف التي يقوم بها هؤلاء، إلا أنه عند التفصيل نجد الشريعة تحث على جملة من المبادئ والقواعد على هؤلاء الولاة أن يلتزموا بها، أولها مبدأ العدل الذي قامت به السماوات والأرض وهو مقصد أعلى من مقاصد الشريعة {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}، وثانيها هو مبدأ العلم والكفاءة، أي أن على هؤلاء أن يكونوا أكفاء قادرين على قول الحق وعلى تنفيذه أو كما قال عمر ابن الخطاب "إنه لا يصلح التكلم بحق لا نفاذ له، فهؤلاء هم الذين ينفذون الاحكام على اختلاف درجة الولايات، فهناك الإمامة العظمى وهي الولاية الكبرى وهناك ولاية القضاء وهناك خطة الحسبة وخطة المظالم، إضافة إلى خطط صغرى كخطة السوق وغيرها وهي الخطط السبع التي ذكرها العلماء، وفي كل ذلك تظل الكفاءة والعدل أساسيين في مثل هذا، ثم العلم الذي قد يتصف به الحاكم وقد يتصف به العلماء الذين يستشيرهم والعلم في هذا ليس قاصرا على الأحكام الشرعية وان كانت تمثل جانبا كبيرا منه، بل أيضا على العلوم الأخرى التي بها يصلح الناس. فتحقيق المناط في مصالح العباد يحتاج الى خبرة الخبراء وفقه الفقهاء ونظر الحكماء، ولهذا فكل العلوم يحتاجها الحاكم بحسب زمانه ومكانه وتطور أهل عصره.
فنحن نعلم أن الفلسفات اليونانية والمنطق ترجمت في أيام الخليفة المأمون وكان ذلك دليلا على تطور الزمان وحاجة الناس آنذاك لمثل تلك العلوم للتعرف على الثقافات العالمية ولتطعيم الحضارة الإسلامية التي كانت تحتاج إلى هذا الجانب من الفكر الإنساني الذي يجب أن يغربل حتى لا يعارض ثابتا من الشرع ولا مأثورا من النقل، فهذه شروط يشترطها الشرع الإسلامي كالكفاءة والعلم والعدل وما ينشأ عن ذلك من حسن النظر وحسن التدبير أو ما يسمى بالحكم الرشيد في عصرنا اليوم، مما لا يتوصل إليه إلا عن طريق العلم والعمل والعدل والتسوية بين الناس، فيما لهم من حقوق لا تهتضم حق المرء ولا تسلبه ما اكتسب من حقوق، لكنها ترد الأشياء إلى نصابها وتعطي لكل نصيبه من الحق، إضافة إلى اهتمامها بمساعدة الإنسان وإعانته على أمور دينه ودنياه وخلق الأمل الفسيح له كما يقول الماوردي وكذلك إمام الحرمين الجويني الذي فصل تفصيلا كبيرا في كتابه غياث الأمم في التياث الظلم، حيث شرح فيه الكثير من أحكام السياسة الشرعية وأحكام الولاية والولاة والحكم الاختياري والاضطراري، إلى غير ذلك من التفاصيل.


الشعب:
هل معنى ذلك أن المفضول يقدم في أمور ولاية المسلمين على الفاضل؟
الشيخ عبد الله ولد بيه:
بالتأكيد خاصة إذا كان أقدر منه على تسيير شؤون الناس، فقد سن ذلك عمر ابن الخطاب عندما قدم بعض الصحابة الذين لم تكن لهم تلك السابقة في الإسلام ولا تلك الأقدمية في صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على الصحابة السابقين في الإسلام، كمعاوية ابن أبي سفيان والمغيرة ابن شعبة وعمرو ابن العاص مع وجود بعض كبار الصحابة الذين كانت لهم السابقية ولهم مآثر الجهاد والصحبة الطويلة، لكن الزمان كان يقتضي غير هؤلاء لقيادة الأمور وتسيير شؤون الناس ولأجل ذلك تكلم العلماء على هذه القاعدة وبخاصة إمام الحرمين الجويني، حيث أثبت أن المفضول يجوز تقديمه على الفاضل لمصلحة متوخاة أو لدرء مفسدة متوقعة.



 الشورى والديمقراطية

الشعب:
من المعروف أن الشورى في الإسلام تقوم على اعتبار أن جماعة الحل والعقد هي المنوط بها توليه الحاكم وتزكيته في حين أن الديمقراطية، التي أصبح الكثير من المفكرين المسلمين لا يمانعون في تطبيقها بالبلاد الإسلامية، تعتمد على انتخاب الحاكم من عامة الشعب كما تقتضي بذلك أساليب الديمقراطية الحديثة، كيف يمكن التوفيق بين هاتين المسألتين؟.
الشيخ عبد الله ولد بيه:
كما هو معروف فإن الشورى مؤصلة من القرآن أمرا وخبرا وهو خبر في قوة الأمر {وأمرهم شورى بينهم}. والمقصد الذي ترمي إليه الشورى هو إشراك الناس في الشأن العام من جهة وهو من جهة أخرى عصمة للحاكم حتى لا يستبد وحتى لا تزل به القدم فآراء الجماعة أولى من آراء الفرد ولهذا جاء في الحديث الذي رواه عمر رضي الله عنه وحدث عنه في الجابية "من سره بحبوحة الجنة فليزم جماعة المسلمين فإن الشيطان مع الفذ وهو من الاثنين أبعد".
فهذا التأصيل في الشورى يجعلها أعم من أهل الحل والعقد لكن مراعاة الزمان والمكان أي أحوال أهل كل زمان وأهل كل مكان كانت تفرض أن تكون الشورى محدودة ولهذا جاء في الحديث استشارة العرفاء، لما جاء الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين فاستحلهم من تلك الأموال التي يريد أن يوزعها قال لهم فليرفع إلي عرفاكم فرجع الناس إلى مواقعهم والى منازلهم وفوضوا عرفاءهم فجاءت بأشكال مختلفة أحيانا بشكل عرفاء وأحيانا في شكل نقباء اثني عشر نقيبا في بيعة العقبة بايعه اثني عشر نقيبا، ثم بعد ذلك كان تطبيقها من العهد الأول من خلافة أبي بكر الصديق أن بايع الناس في المسجد وكذلك كانت بيعة عمر، فلما كانت بيعة عثمان كان عمر قد عين ستة نفر هم أهل الشورى ليقترحوا على المسلمين إماما، لكن هذه الحادثة لم تكن مقصورة على هؤلاء، حيث يذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن عبد الرحمن ابن عوف الذي وصل إليه التفويض لما تنازل بعض أهل الشورى بعضهم لبعض، ذهب ولم يترك أحدا حتى كان يتعرض للناس في البيوت ليسألهم وذلك مدة ثلاث ليال، ما ذاق خلالها النوم إلا قليلا يستشير الناس حتى حصل على رأي عام يؤيد بيعة عثمان رضي الله عنه واستخلافه. فلأجل ذلك لم تكن الشورى مقصورة على مجموعة وإن كان التعيين وقع على هذه المجموعة، بل كانت تقوم مقام القاطرة إذا صح التعبير أو بجهاز تجميع الأصوات، حتى يعرف الرأي العام في شأن عثمان رضي الله عنه.
وبلغ من شمولية هذه الاستشارة أن عبد الرحمن ابن عوف استشار رؤساء الجند الذين كانوا قد حضروا في الحج، فجاؤوا من أجنادهم أي من الأقاليم التي كانت الرقعة الإسلامية قد امتدت إليها من مصر والشام والعراق وخراسان إلى آخر ذلك من البلاد التي امتد سلطان المسلمين عليها في ذلك الزمن الذي كان يتوسع فيه الفتح بسرعة غير معهودة في التاريخ.
ويطلق العلماء كلمة أهل الحل والعقد، على العلماء والأمراء أو العرفاء، كما حقق ذلك المحققون ومنهم القرطبي، الذي يرى بأن الشورى لا تقتصر على العلماء والفقهاء فقط بل تتعداهم إلى التجار ومن يمثل القوة في المجتمع.
ولأجل ذلك نرى بأن فكرة أهل الحل والعقد مطاطة ومرنة وبالتالي يمكن أن تتوسع وتختلف باختلاف الأمكنة واختلاف التراكمات التاريخية، فهناك بلاد يصلحها أن تكون البيعة لأهل الحل والعقد أو لمجموعات معينة وهناك بلاد عرفت ظاهرة الاستعمار وعرفت نوعا من الانفتاح على الموروث الغربي وبالتالي لا يصلحها إلا هذه الشورى العامة، على أن تراعي الصلاح والأصلح ودرء المفاسد وتحاول إكمال بعض النقائص التي في الديمقراطية، التي يقول عنها بعض المفكرين الغربيين بأنها أفضل السيئ، باعتبارها تمثل ديكتاتورية الحزب الواحد أو ديكتاتورية العدد الأكثر كما يقول الفيلسوف الألماني أليو شتراوس وقد تحرم طائفة كثيرة من الناس الثروة والجاه والحكم، لكنها أفضل كما يقول أحد هؤلاء المفكرين لكونها أفضل السيئ، باعتبارها تنفي إمكانية الاقتتال وتؤدي إلى السلام.
والديمقراطية والشورى بهذا المفهوم تبحثان عن شيء واحد هو العدالة، فالديمقراطية إذا كانت معها العدالة تكون أتت بالثمرة المطلوبة، ذلك أن الخلل الذي يعتريها أحيانا يكون مرده إلى إفراغها من هذا البعد لركونها إلى الحزبية الضيقة التي تقصي المخالفين.
فعن طريق القيمة العليا والمقصد الأعلى للعدالة يمكن إصلاح الديمقراطية، لأنها عند الغرب أصبحت قيمة عليا، لكننا كمسلمين نعتبرها وسيلة لتحقيق العدالة التي هي قيمة عليا في التشريع الإسلامي، مما يتطلب من العالم الإسلامي الذي يأخذ بالأسلوب الديمقراطي في الحكم أن يتعامل مع هذه الآلية بشيء من الثوابت الممزوجة بالإنسانية، حتى لا تكون الديمقراطية تغييبا كاملا للآخر ونوعا من الديكتاتورية التي لا تقيم وزنا للرأي المخالف.
ومن هنا كان هذا نوع من الإشكال الفلسفي والقيمي الذي قد يكون مطروحا للديمقراطية، إذا اعتبرناها قيمة مطلقة أو إيمانا كما تؤكد ذلك وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين البرايت، في معرض جدالها مع نظيرها الفرنسي فيبير فيدرين الذي ينفي أن تكون الديمقراطية دينا.
فالديمقراطية يجب أن لا تكون دينا وأن لا تكون حتى إيديولوجية إلى حد ما ولكنها تظل في النهاية شيئا جيدا لكونها تمكن الناس من الاحتكام إليها، حتى لا يكون الاحتكام إلى القوة والسلاح، لكن علينا أن نطعمها بالثوابت الخلقية والقيمية، خاصة قيمة العدل التي قد تجنبنا الكثير من الانزلاق.

 

تولية المرأة

الشعب:

أحيانا تؤدي الديمقراطية إلى بعض النتائج التي تعارض نصا صريحا قطعي الثبوت من السنة، كما في الحديث الصحيح القطعي "لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، فماذا لو أدى الاقتراع إلى انتخاب امرأة لمنصب الولاية العامة للمسلمين؟.
الشيخ عبد الله ولد بيه:
الديمقراطية التي ذكرت أنها لا تنافي ولا تتعارض مع أحكام الشرع هي انتخاب الحاكم وليست الليبرالية التي تؤدي إلى التفسخ وأن يفعل الإنسان ما يشاء وأن يتعدى كل الحواجز الخلقية، فهذه لا أسميها ديمقراطية، فالديمقراطية هي انتخاب الحاكم حسب مواصفات تكون مقبولة شرعا.. صحيح أن جمهور العلماء على أن المرأة لا تتولى الولاية العامة للمسلمين وقد ذكر شيء من جواز ذلك عن ابن حزم وذكر الطبري أنها تتولى كل الولايات إلا الولاية العامة وقال الأحناف بجواز أن تكون قاضية في بعض المسائل.
وبالرغم من أن الموضوع قد يكون حساسا، إلا أنني لا أرى فائدة في تولية المرأة، إذ أنني أعتقد أن تعيينها في بعض المناصب قد يكون من الرياء في الديمقراطية من قبيل تعيين المرأة في بعض الولايات على حساب الكفاءة وعلى حساب الفعالية والنجاعة لإظهار الوجه التقدمي للنظام، فهذا المسلك هو رياء محض ولا أرى فيه مصلحة، بل على القائمين على الأمور أن يقدموا للدبلوماسية الأكفاء الذين بإمكانهم أن يطوروا علاقات البلد، بدلا من هذا النوع من الزيف الذي تعين فيه بعض الأخوات مع احترامي الكامل لهن دون أن تكون لهن خبرة كافية، فقط لأجل إظهار مساندة المرأة.
فبعض الديمقراطيات في العالم الإسلامي هي ديمقراطيات مرائية، بحيث إن مصالح العباد وحقوق الإنسان لم يتحقق منها الشيء الكثير، ثم إذا بهم يبحثون عن الأشياء الغريبة ليقدموها للغرب، فالمرأة لها مكانتها لها وظيفتها في المجتمع ويمكن أن تقوم بدور طيب، لكن لا يجب علينا أن نخرجها من جلدها وأن تكون امرأة أمريكية أو فرنسية، فلكل أمة أسلوبها وحياتها، فلماذا نرائي الآخرين، في حين أن الرجال لدينا لما يحصلوا بعد على عمل أو وظيفة.
فهذا النوع من الرياء لا مصلحة للمجتمع ولا فائدة له فيه ولا في مثل هذا التفسخ، ولهذا على الناس أن ينظروا إلى مصالح مجتمعهم هم وليس في رياء يقدمونه للآخر، حتى يرضى عنهم، وعليه نعتقد أن المسألة ليست مطروحة من ناحية المصلحة، بل ان هذه المصالح تقتضي أن يقوم بها الرجل الذي قد يكون أكثر خبرة وأكثر ممارسة للحياة وقدرة على القيادة، "فهذا خلق الله فأروني ما ذا خلق الذين من دونه"، فهذا تقسيم وظائف وليس جورا فالمساواة في الجملة قائمة وكذلك الموازاة، ولهذا يقول ألشاطبي بأن المرأة تساوي الرجل في التكاليف سوى ما خصص الشارع باعتبار الوظائف، وهو بذلك يشير إلى الفروق الخلقية البيولوجية التي لا يمكن أن ينفك عنها الإنسان مادام يعيش على الأرض.
فمن جهة فهناك تكامل بين الرجل والمرأة تصلح به الأمور ولا داعي حقيقة إلى أن نسير مع بعض النزعات في الغرب التي لا تجعل للمرأة سقفا، بل أصبحت تريد لها أن لا تكون رجلا فحسب و إنما جنسا آخر.
فالتقدم الحقيقي هو التطور الشامل الذي يشمل الرجال والنساء وإنشاء ورشات العمل وتشغيل العاطلين وتنمية الفكر والثقافة ووضع البلاد على جادة الحركة العالمية لتخرج نهائيا من التخلف، فذلك هو التطور. أما التطور الزائف الذي يتمثل في بعض اللمسات هنا وهناك وتقديم وجه قد تفرح به بعض الأوساط الغربية، فهذا ليس من التقدم في شيء وكنت قد قلت ذلك لبعض القادة السابقين في البلد، نصحا لا تجريحا.

الشعب:
كما هو معلوم ومعروف بأن موريتانيا حديثة العهد بالدولة والحكم المركزي، كيف تقيمون تجربتها الديمقراطية انطلاقا من الانتخابات الأخيرة؟.
الشيخ عبد الله المحفوظ بن بيه:
نحمد الله على أن موريتانيا لم تشهد ما عرفته البلاد الأخرى من العنف والفوضى، ومرد ذلك إلى أن الجميع في البلد تمسك بقدر من العقل والمعقولية في التعامل والتنافس السياسي، ووقوف الجميع عند هذا السقف يبشر بخير، بحيث ظلت هذه التنافسات حضارية وديمقراطية وتماثل إلى حد ما الذي يحدث في الديمقراطيات المتقدمة ولم يشبها العنف أو أي اختلالات كما نعهده في البلدان النامية، فنسأل الله لهذا البلد التوفيق والتسديد وأن يوفق قادته لخير العمل وعمل الخير حتى ينعم بثروته ويتمسك بدينه الحنيف وأصالته ومعاصرته في نفس الوقت وأن يكون في مقدمة الدول العربية والإسلامية، بلدا للتعايش والانفتاح والتمسك بالثوابت. ورغم الاهتزازات الظرفية فيمكن لمستقبل موريتانيا أن يكون أنموذجا للديمقراطية.

الشعب:
يعتقد البعض أن الديمقراطية ليست اقتراعا وتنافسا بين مرشحين خلال فترة محددة ينتهي بفوز واحد من بينهم وإنما تتخطى ذلك إلى كونها ثقافة وسلوكا يطال مختلف أوجه الحياة الأخرى، أين نحن كمجتمع ونخبة سياسية من إدارة ثقافة الاختلاف هذه؟.
الشيخ عبد الله ولد بيه:
هذا كلام فيه كثير من الصحة، لأن الديمقراطية تحتاج إلى ثقافة، أعتقد أن الشعب الموريتاني لحسن الحظ له بعض المؤهلات في ممارستها، بطبيعته البدوية وفطرته وميله إلى المسالمة والحوار، يمكن أن يكون مؤهلا لتعلم هذه الثقافة، خلافا لبعض الشعوب التي لا تتحمل الحوار ولا الغالب والمغلوب وتدفع ثمن ذلك في النهاية من أمنها واستقرارها، كما هو الحال في العديد من البلاد العربية التي تعرفها وتعرف تجربتها، بحيث أن هذه البلاد ضيعت وقتها في ديمقراطية مرائية، لها ديكورات الديمقراطية، إلا أنه لا أحد يقبل التقاعد فيها، لتصبح كما يقول الفرنسيون ديمقراطية الواجهة.
فالعبرة في الأخذ بالأسلوب الديمقراطي، يجب أن يكون في البرامج وفي المنافع التي يجنيها الناس من اختيارهم للمسئول وليس بالرجال كما قال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، لما قال لذلك الرجل "انك رجل ملبوس عليك اعرف الرجال بالحق ولا تعرف الحق بالر جال، اعرف الحق تعرف من يأتيه". فمن المؤسف جدا أن تكون الهند هذه الدولة التي فاق سكانها المليار، استطاعت أن تطور الديمقراطية وأن يتعايش فيها المئات من الملايين من قوميات مختلفة ومجموعات متمايزة وأن تنهض نهضة اقتصادية كبيرة، في حين أن العالم العربي والإسلامي الذي يجاورها، لم يستطع أن يتغلب على ذلك، بسبب غياب خصلتين مهمتين، أولاهما التواضع وهي خصلة حث عليها الإسلام وهي من سيم الأنبياء والأولياء والصالحين.
أما الخصلة الثانية فهي انعدام الإرادة، فمرة سألت مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا الأسبق خلال وجودنا بمؤتمر اقتصادي في دبي، ما سبب تخلف العالم العربي، مع وجود المال والرجال، فقال: "العالم العربي تنقصه الإرادة" وهو أمر ناتج عن تعقيدات نفسية تحتاج كما تفضلت أنت في سؤالك إلى تربية من شأنها أن توسع الصدور وتجعلها رحبة، لأن الضيق في الصدور قبل أن يكون في الدور،
"لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها

ولكن أحلام الرجال تضيق"
فبدون شك هناك تربية وثقافة وحوار مجتمعي يوجد ظاهرة عامة تجعل الناس يميلون الى حل مشكلاتهم، بالحوار والتحاكم الى الصالح العام، وهو ما يدعونا إليه ديننا الإسلامي، والى هذا يشير محمد أسد النمساوي الذي أسلم، في معرض حديثه عن الصحابة، يقول: "هذه كانت أول ديمقراطية في العالم، باختيار أبي بكر الصديق، فهؤلاء الرجال الأشداء البدو كانوا يتناقشون، وقد تركوا السيوف في البيوت وجاؤوا يتناقشون، حتى اختاروا أحدهم.

الشعب:
ما هي النصيحة التي توجهونها للمجتمع الموريتاني ونخبة السياسية على اختلاف توجهاتها؟.
الشيخ عبد الله المحفوظ بن بيه:
بعض الناس في الغرب يقولون إن الدين أساس الحروب وأنا أقول إن العلاج يكون بالزيادة في الدين، وفي هذا السياق يقول أحد فلاسفة عصور التنوير "نحن نعلم من الدين فقط ما يؤدي إلى النزاع، لكن لو تعلم الناس الدين كاملا وتفقهوا في الدين ومقاصد الشريعة وأضافوا إلى ذلك التعرف على أحوال الأمم وسنن الله سبحانه وتعالى في الكون لأفسح ذلك المجال أمام فهم أعمق وسعة في الصدور وبصيرة في الأمور ورؤية واضحة للأشياء، بعيدة عن التزمت وعن الضيق بالآخر والإقصاء والاستئثار، فالله سبحانه وتعالى يقول " {ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} وكذلك {يومئذ يفرح المؤمنون} والله سبحانه وتعالى أعلم.

الشعب: شكرا جزيلا فضيلة الشيخ


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!