التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:04:24 غرينتش


تاريخ الإضافة : 17.08.2009 23:17:40

إيران و الشيعة و رحلة البحث عن العمق الإسلامي في القارة السمراء (السنغال نموذجا)

سيدي ولد عبد المالك (*)  sidimalik@maktoob.com

سيدي ولد عبد المالك (*) [email protected]

مكانة السنغال الروحية في الغرب الإفريقي، و ماضيها السيادي في المنطقة حيث كانت تحتضن عاصمة الغرب الإفريقي لدول المستعمرات الفرنسية، و موقعها الجغرافي الهام، ودورها السياسي الطلائعي في القارة السمراء ، كل هذه الامتيازات تجعل من هذا البلد أن يكون جديرا بالاهتمام و الاعتبار من لدن البلدان الإسلامية و العربية الطامحة إلي فتح جسور دبلوماسية و اقتصادية مع إفريقيا و بالخصوص بلدانها المسلمة.


الاختراق الهادئ:


يبدو أن جمهورية إيران الإسلامية تدرك خصوصية الدولة السنغالية أكثر من غيرها من الدول الإسلامية التي تفصلها حدود جغرافية بعيدة عن إفريقيا. فالمتابع اليوم لتطور العلاقات بين البلدين يجد أنها اجتازت خطوات مهمة في ظرف زمني يمكن وصفه بالقياسي.

و تعود العلاقات بين طهران و داكار إلي عام 1975 حين وقع الرئيسان الراحلان السنغالي الليوبولد سيدارف سينغور، و الإيراني محمد رضي بهلوي أول اتفاقية للصداقة بين البلدين تقضي بتنمية التعاون الاقتصادي بين إيران و السنغال ، غير أن سقوط شاه إيران في عام 1979 ، و وصول الخميني إلي السلطة ، أحدث سباتا كبيرا في العلاقات بين البلدين ، فلم يكتب لاتفاقية الشاه و سينغور أن تري النور، و اقتصرت علاقة طهران بداكار علي الشق لاقتصادي و كان مختزلا في تنظيم سفارة إيران لبعض المعارض المتعلقة بالمنتوج الإيراني كالزرابي و مواد النسيج و المواد البلاستيكية.

وقد تدهورت هذه العلاقة إلي حد القطيعة عندما طردت داكار سفير طهران سنة 1984، و ذلك علي خلفية اتهامات السلطات السنغالية للسفارة الايرانية بالوقوف خلف دعايات إعلامية متطرفة، و تمويل صحف معارضة، و تنظيم رحلات حج مجاني للسنغاليين رغم اعتراض داكار علي هذا الإجراء. و لم تفتح السفارة أبوابها إلا سنة 1990، أي قبل انعقاد مؤتمر منظمة المؤتمر الإسلامي بداكار بسنة والتي شارك فيها الرئيس الايراني ساعتها هاشمي رفسنجاني.

عودة العلاقات إلي دفئها كان في 2002 عندما زار الرئيس السنغالي الحالي عبد الله واد طهران، حيث استقبل بحفاوة من طرف المسئولين الإيرانيين، كما أعربوا له عن رغبتهم القوية في الاستثمار في مجال الفسفاط و صناعة السيارات و عصرنة السكة الحديدية. وقد ترجمت هذه الزيارة بحق حرص الطرفان علي تعميق علاقاتهما فلم تتوقف منذ ذلك الوقت الزيارات الرسمية في الاتجاهين - فالرئيس واد زار إيران منذ وصوله إلي السلطة سنة 2001 ثلاث مرات - و تنشط الزيارات الرسمية المتبادلة بين البلدين سواء علي مستوي الجهات الحكومية أو التشريعية. و لاتتوقف المغازلات الإيرانية للسنغال علي المستوي الرسمي فقط فالسفير الإيراني بداكار يحرص علي تمتين علاقاته بالزعامات الروحية للطرق الصوفية السنغالية، وينظم لهذا الغرض زيارات إلي هؤلاء خاصة في مواسم الأعياد الدينية و أيام الجمعة، و يقدم لهم الهدايا.

كما تنظم السفارة أنشطة هامة كتخليد يوم القدس، وتخليد عيد الثورة، و في هذه المناسبة بالذات تنتهز السفارة فرصة نشر أفكار الثورة الخومنية عبر إعلانات في كبريات الصحف و اليوميات السنغالية.

وقد تمكن الايرانيون من بناء حوزرة علمية في قلب العاصمة داكار قرب الجامعة، تسمي حوزة الرسول الأعظم ويدير هذه الحوزة رجل الدين الإيراني محمد رضوان الشاهدي، كما يدرَس فيها سنغاليون تلقي معظمهم تكوينا علميا في مدينة قم الإيرانية. و تستهدف هذه الحوزة أبناء السنغاليين من معتنقي الفكر الشيعي.

و موازاة مع هذا الحراك الدبلوماسي والديني، شهد التعاون الاقتصادي طفرة نوعية، إذ زادت السنغال من صادراتها إلي إيران حيث قفزت مابين 2005 و 2006 إلي240 % ، كما بدأت الاستثمارات الإيرانية تتدفق علي السنغال خاصة في مجال القطاع الصناعي فتم إنشاء مصنع لتركيب السيارات يعد من أهم و اكبر مصانع تركيب السيارات في غرب إفريقيا .

ولا تدخر طهران جهدا في أي مناسبة تتاح لها لتوثيق عري الصداقة و التعاون مع السنغال، فقد استغلت إيران فرصة قمة المؤتمر الإسلامي المنعقدة في داكار مارس 2007 فقدمت دعما ماديا سخيا للسنغال، و كانت إيران من خلال هذا الدعم حسب ما كشفت عنه وسائل الإعلام الإفريقية ساعتها، تريد من الرئيس واد القيام بحملة لدي زعماء الدول الأعضاء بغية إقناعهم بإضافة بند إلي ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي يصبح بموجبه إلزامي علي دول المنظمة توفير الحماية و الدفاع عن أي بلد عضو يتعرض للاعتداء الخارجي. لكن ذكاء واد العارف لتباين وجهات النظر بين إيران و دول الخليج -التي كانت هي الأخر داعما ساخيا للسنغال في القمة- دفعه إلي الالتفاف علي المطلب الإيراني بتأجيل نقاشه إلى قمم لاحقة وذلك خوفا من فشل قمة داكار .

روافد أخرى للتشيع:

توجد العديد من الجمعيات الشيعية الناشطة في السنغال، ترعاها الجالية اللبنانية ذات النفوذ المالي و الاقتصادي القوي، و يعمل بعض هذه الجمعيات في المجال الاجتماعي كمساعدة الأهالي و بناء المدارس و المستوصفات،. و من بين الجمعيات الشيعية المتهمة بنشر التشيع جمعية آل البيت، التي يرأسها الزعيم الروحي الشيعي عبد المنعم الزين، و الذي يرأس في نفس الوقت المؤسسة الإسلامية الاجتماعية.

و يعد عبد المنعم الزين من أقوي رجال الشيعة في أفريقيا و أكثرهم نفوذا، وصل الرجل إلي السنغال سنة 1969، وقد مكنته فترة إقامته الطويلة من نسج شبكة كبيرة من العلاقات مع القادة السياسين من كل اتجاه، كما يحظي باحترام كبير من طرف زعماء الطرق الصوفية ذات التأثير القوي في السنغال. وقد بدأ اسم الرجل يدخل عالم الشهرة المحلية سنة 1987 عندما طلب منه ساعتها الرئيس عبد ضيوف التدخل للمساهمة في تحرير الرهائن الفرنسين المختطفين من قبل حزب الله.

و يلعب عبد المنعم الزين دورا كبيرا في نشر التشيع في السنغال، و ذلك من خلال جهوده الكبيرة في المجالات الصحية و الإجتماعية و التعليمية، والتي تقوم بها مؤسساته الخيرية التي تعتبر واجهات لنشر التشيع. فرغم عدم وجود معطيات عن عدد معتقني الفكر الشيعي في السنغال يتحدث الرجل عن 6000 آلاف سنغالي تشيعوا لغاية 2006. و مع إرتفاع الأصوات المعارضة لنشاط الرجل في صفوف بعض أئمة البلاد، فإن وتيرة نشاط التشيع في ازدياد، فعلاقات رعاة التشيع بأهم القادة و المؤثرين بالبلد، و مبدأ علمانية الدولة، عنصران يساعدان في منح دعاة التشيع مزيد حرية و حركة.
____________________
(*) كاتب موريتاني مهتم بالشؤون الإفريقية


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!