التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:06:31 غرينتش


تاريخ الإضافة : 29.08.2009 14:25:11

قراءة في " مذكرات ممرض" لحبيب الله ولد أحمد

في بعض الأحيان يشتهر الإنسان بمهنة حتى لا تدع للناس أي تصور لشخصيته بدونها مع أنه قد يكون صاحب إسهام في ميادين أخرى من الحياة العامة، وهو أمر أرى أنه ينطبق على الكاتب الصحفي حبيب الله ولد أحمد الذي يشتهر لدى الناس بـ"مشرطه" الذي يستأصل به أدواء السياسة لكن كثيرا منهم لا يعرف عن مشرطه الطبي الذي يعالج به المرضى ولكن بشفقة أملتها الفارق بين رقة المرضى العاديين وعنجهية المرضى السياسيين.


فكرة رأيت أنها ضرورية في الدخول إلى عرض موجز لذكريات الممرض حبيب الله أو الحديث العائلي كما سماه هو في إصدار بعنوان مذكرات ممرض صادر عن مطبعة التوبة في 88 صفحة من الحجم الصغير عرض خلالها جملة تجارب تبين حقيقة معركة أصحاب "الثياب البيضاء" .


الكتاب يقع في خمسة عشر محورا تضم تقديما ومدخلا واثني عشر قصة من يوميات التمريض ومحورا واحدا يجمع جملة "مواقف عصيبة"

خيط بين الموت والحياة

في التقديم يصف حبيب الله تقديمه لتجربته كممرض بأنها "حديث عائلي عابر" سواء سمي سردا أو يوميات أو سيرة ذاتية حديث عائلي أملاه محاولة رصد مشاعر مهني التمريض مع صعوبة" رصد تلك المشاعر الاستثنائية لألئك الذين يجدون أنفسهم فجأة في النقطة الفاصلة بين الموت والحياة يمسكون بخيط دقيق ومهترئ هو كل النقطة الوسطى بين الألم وبين الأمل ... بين حياة تريد أن تزرع التدفق والألق وبين موت يحمل في ثناياه الاندثار والغروب"



ويتمنى حبيب الله أن يجد القارئ لمذكراته صورة تقريبية عن مهنة التمريض ذلك "العمل الذي يجعل صاحبه لصيقا بالمرض صحيا ونفسيا واجتماعيا .. هو يد المريض وبصره وسمعه ولعل ذلك ما يفسر تعلق المرضى بالممرضين حتى مع وجود أساتذة الطب والأخصائيين والأطباء العاميين".



ويتحدث حبيب الله عن الظروف التي جعلت التمريض في موريتانيا مهنة رجالية عكس الواقع في العالم من قبيل ارتباطه في بدايته بالأجانب وضبابية المفاهيم الصحية الاجتماعية


وفي المدخل يسرد حبيب الله قصته مع اختيار مهنة التمريض بدء من دخوله المدرسة الحديثة عكسا لبعض الآراء "التقليدية والاجتماعية" ثم كفاح والده المغترب ووالدته التي أدخلته وإخوته إلى المدينة ومواصلته طريق الدراسة سنوات طوال من الابتدائية والإعدادية في نواكشوط إلى المعهد الزراعي بكيهيدي وانتهاء بدخول مدرسة الصحة العمومية


حكايا الموت والحياة

بعد هذا التقديم والمدخل المتفرع عنه يخلص حبيب الله إلى سرد بعض التجارب التي مر بها طيلة فترة عمله ما بين قصة غلب فيها هجوم السقم وادخل الشفاء على مريضه وبين تجارب سبق فيها الموت حقنة الممرض


من هذه الحكايات قصة "الحقنة الأولى" أيام الدراسة و"شيء من الخوف" في المهمة الأولى بعد التخرج "والمعركة السلمية" مع مريض احتاج إلى تدخل طبي في مواضع حساسة من الجسم.


وهذا موجز لإحدى هذه القصص:

مريض جاء به ولداه إلى قسم الأمراض الباطنية لمراقبة حالة ضغطه بعدما لم يلتزم بانتظام تناول الدواء، انتقل به الممرض حبيب الله إلى سرير الفحص وعند صعود الرجل "أمرته بالاسترخاء لمدة دقائق لإعطاء ضغط الدم في الجسم فرصة لأخذ وضعيته العادية.. وكانت المفاجأة المذهلة والمؤلمة أن الرجل فارق الحياة بصمت" !


وهنا كان على حبيب الله أن يعلم ولدا الرجل بالحادث المفاجئ: " أن يأتي الرجل مع ابنيه وهو في حالة طبيعية .. وفي لمح البصر يرحل عن هذا العالم"


يعرض حبيب الله أيضا لقصص من حياة المهنة بين رفض الشاوي و"الإكراميات" ، وتعالي بعض المرضى على الممرضين الذين لا يهتمون بهندامهم وقصص عن "شهداء الجهاد الطبي" في وباء الحمى النزيفية الذين لم يحظوا ولا أسرهم باهتمام يذكر

بعض ملاحظات

في الختام لا بد من الإشادة بالأسلوب الأدبي الراقي الذي سردت به هذه التجربة والذي يبين عن مشاعر إنسانية رقيقة تجاه المهنة وإحساس ببأس المرضى وجدا في رقة أسلوب حبيب الله خير معبر


أما في الملاحظات فمن الناحية الشكلية كان هناك نوع من الخلبطة في المنهجية في المحاور المرقمة احيانا وغير المرقمة أحيانا أخر وفي المدخل الذي جاء متفرعا عن التقديم


وفي المضمون يلاحظ أن القصص يغلب عليها الطابع الحزين والنهاية التراجيدية فهل أن حبيب الله لم يتمكن يوما من شفاء حالة مستعصية أم انه يرى أنه لا داعي لتسجيلها؟


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!