التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:05:55 غرينتش


تاريخ الإضافة : 31.08.2009 10:08:48

من الثاني عشر دجمبر إلى السادس من أغشت...أو الخوف من إعـادة إنتاج ديكتاتورية صغيرة وعقيمة

بقلم: عبد الرحمن ولد امبيريك *                 daha_sg@yahoo.fr

بقلم: عبد الرحمن ولد امبيريك * [email protected]

في الثاني عشر من دجمبر عام 1984 أطاح العقيد معاوية و لد الطائع بالرئيس محمد خونه ولد هيدالة في انقلاب عسكري يُشير أكثر من أصبع إلى أنَّ فرنسا كانت على علم به إنْ لم تكن هي من خطط له و حرض عليه و نفذه.فور إعلان البيان الأول’خرج المئات من سكان نواكشوط (كدأبهم) في مسيراتٍ مُرحبة بالحركة التصحيحية و بإطلاق سراح المئات من من كانوا في سجونٍ (النظام البائد)‘و لدى وصولهم القصر الرئاسي كان في استقبالهم قائد الانقلاب العقيد معاوية ولد لطائع الذي خاطبهم عبر مكبر صوت. بكلمات قليلة‘ شكر الرجل الحشود المبتهجة بقدومه‘و بسط على نحو عام أبرز دوافع (حركته التصحيحية) مُتعهدا بـفتح صفحةٍ جديدة قوامها الحرية و التعديدية و الإنصاف و توزيع ثروات البلاد بـعدالة و شفافية....إلـخ.

أمضى ولد الطائع ما يناهز إحدى و عشرين سنة في سدة الحكم منها سبعٌ قضاها عقيدا رئيسا للجنة العسكرية للخلاص الوطني‘و أمضى بقيتها رئيسا للجمهورية قبل أنْ يُغادر الحكم في الثالث من غشت 2005 في سيناريو لا يختلف عن السيناريو الذي جاء به إلى الحكم إلاَّ في تغير موقعه من منقلب إلى مُنقلَب عليه.كانت شرائح واسعة من الموريتانيين (ساسة و مثقفين و بسطاء و بـؤس....) تحمل سخطا متأصلا على نظام الرجل لما سيموا في ظله من نقيض ما وُعدوا به قبل 21 سنة.

احتشدت ذات الحشود‘و ربما كان من بين المرحبين بالحركة التصحيحية الجديدة من كان مرحبا بـما بات (النظام البائد) أيام كان يُبشرُ بحركة تصحيحية قبل 20 سنة...إنها جدلية عقيمة ما انفكت تُشكل إحدى أبرز عقد أهل هذه البلاد الذين حباهم الله بقدر لا بأس به من الفطنة و رهافة الحس‘ إلا أنه في هذه النقطة ضرب عليهم غشاوة.فـلا حكامهم يتعظون من مصائر من سبقوهم و لا بُؤَّسهم يقتنعون بأنَّ الحركات التصحيحية في هذه البلاد ليست إلا سرابا بقيعة يحسبه الظمآن ماءا.و ربما كان المرجفون و المتزلفون وحدهم من أتقن التعامل مع الأنظمة المتعاقبة لأنه أدرك حاجتها لأمثاله في تسويق (مشروع الإنقاذ) للبؤس الحالمين مقابل ثمن معلوم رغم إدراكها أنه يحتفظ في محفظته ببيان تأييد و مساندة لـحركة تصحيحية قادمة يُبشر باسمها و يلعن النظام البائد!!! و هذا المظهر يُدلل على فقر الديكتاتوريات الصغيرة إلى أي مرجعية قيمية .فـحتى الديكتاتوريات الكبيرة تستند في أغلبها إلى منطلقات قيمية تنبع دائما من مرجعياتها الفكرية و الإيديولوجية و حتى من الصفة الكارزمية للديكتاتور الكبير.و هي مقومات مفقودة بالكامل لدى الديكتاتوريات الصغيرة و قادتها من صغار الديكتاتوريين.

في السادس من غشت 2008 نفذ الجنرال محمد ولد عبد العزيز انقلابا عسكريا على الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله.و لسنا هنا بصدد الخوض في سابق علاقة الرجلين‘ و لا الظروف التي تحالفا فيها ‘و لا الأهداف من وراء ذالك ‘و لا الأزمة السياسية اللاحقة على انقلاب الأول على الثاني.مربط الفرس أنَّ ولد عبد العزيز انضم إلى لائحة من قادة الحركات التصحيحية بلغت خمسة الآن و تبقى مفتوحة في انتظار انقلاب قادم!!!؟

بعد اتفاق داكار و رئاسيات الثامن عشر يوليو الماضي‘بدا ولد عبد لعزيز مُتعجلا في ترتيب محيطه السياسي و إرساء أركان حكمه ‘و استكمال ترتيب إنشائيات خطابه السياسي المنبثق عن السادس من غشت.و هذه فرصةٌ لاستشراف المستقبل على ضوء مجموعة من المؤشرات الأولية تتعلق بــ
1-شخصية و ماضي الرجل بوصفه الحلقة المركزية في النظام الجديد و بحكم نفوذه الكبير الذي لا ريبَ سيكون محددا سلبا أو إيجابا في شكل النظام القادم
2-المحيط السياسي المقرب من الرئيس الجديد
إضافة إلى حوادث شاهدة ترجع إلى الفترة ما بين السادس من غشت و الثامن عشر يوليو أعتقد أنها مساعدة على فهم و استكناه المؤشرات السابقة لينتهي هذا التسلسل الاستدلالي إلى محاولة عقد مقارنة بين موريتانيا التي بشر بها ولد الطائع في دجمبر 84 و غادر في العام 2005 دون أن يُنجز منها الكثير‘و بين موريتانيا التي يُبشر بها ولد عبد العزيز منذ السادس من غشت.


الجنرال محمد ولد عبد العزيز:


اختار أنصار ولد عبد العزيز (بإيعاز أو مباركة منه على الأقل) تسميته رئيس الفقراء‘ و رفع هو شعار محاربة الفساد و ألقى بأربعةِ مسئولين سابقين في السجون باسم محاربة الفساد بينما تُنبئ مؤشرات دالة على أنَّ دواعي سياسية كانت وراء توقيف الأربعة بينها ما يرتبط بضرورات تثبيت النظام الفتي و إلباسه لبوسا أخلاقيا ينتصر للفقراء و يحارب المفسدين‘ و بينها ما يُقال عن رفض الأربعة دعم النظام مقابل امتيازات عُرضت عليهم‘كما لا ينبغي إغفال العلاقة غير الودية التي كانت تربط ولد عبد لعزيز بالوزير الأول في النظام المنهار يحي ولد احمد الوقف‘ينضاف إلى ذالك ما كثُرَ قائله عن عداءٍ شخصي بين مقربين من ولد عبد لعزيز و بين الموقوفين.وشكل هذا الثنائي السمة الأبرز في إنشائيات الخطاب السياسي الرسمي لما بعد السادس من غشت.

و في خطوةٍ انفعالية ربما تحت ضغط الرفض الداخلي و الدولي للانقلاب (في مراحله الأولى على الأقل)‘أدَّى ولد عبد العزيز زياراتٍ كرنفالية خاطفة للأحياء الفقيرة بنواكشوط بدتْ أهدافها الدعائية مكشوفة‘و أطلق أثناءها جملة من التعهدات نذكر منها توزيع القطع الأرضية بالحي الساكن.و هي عملية لا تزال تراوح مكانها وسط تنديد جهات سياسية عديدة (منها حزب تكتل القوى الديمقراطية) بأنَّ الإعلان كان للدعاية السياسية أما جوهر العملية فلا يُجاوزُ أنَّ ولد عبد العزيز هم بمكافأة بعضِ مقربيه و أراد لذالك سببا. و لا يبدو الأمر خاليا تماما من هذا المعنى إذا ما استحضرنا بعض الخصوصيات التي تتمتع بها منطقة الحي الساكن دون غيرها من أحزمة الفقر في العاصمة؛


-أنها من المناطق القليلة القريبة من وسط لعاصمة التي لم يتم استصلاحها و توزيعها.
-قيمتها العقارية مرتفعة.
-مناسِبة لإقامة قطب تجاري قادر على منافسة الأقطاب التجارية الأخرى مثل أسواق العاصمة و الميناء و السبخة!!!


في تلك الأثناء أيضا قام ولد عبد العزيز بزيارةٍ للمستشفى الوطني أبلغه خلالها المشرفون على هذه المؤسسة بالنقص الحاد الذي تعرفه في التجهيزات الخاصة بإجراء الفحوص‘فـأمر –على طريقة أمرتُ له- بتزويد المستشفى بجهاز فحص (سكانير) في أجل لا يتجاوز أسبوع.نُفذت عملية الشراء في ظروفٍ لا تتسم بكثير من الشفافية و دون تكوين التقنيين المحليين على تشغيل الجهاز الجديد و لا على صيانته!!!

في ذات الخضم اللاحق على السادس من غشت‘ قام ولد عبد العزيز بزيارات متعددة لداخل البلاد‘ كانت أشبه بالحملة الانتخابية السابقة لأوانها‘و تخللتها ما يصفها أنصار الرجل بـ(القرارات التاريخية) مثل منح مبلغ 10 ملايين أوقية و سيارة إسعاف لمستشفى أوزيرات دون أنْ تُتاح لأحد معرفة البند الذي سـتُسجل تحته سيارة الإسعاف (مثل سكانير المستشفى الوطني) في ميزانية وزارة لصحة‘و لا معرفة ما إذا كانت هناك مصادر مالية يُفترض أنْ تُؤمن تكاليف الصيانة و الإصلاح الخاصة بالسيارة طيلة السنة المالية؟؟!! إنَّ سرد هذه الوقائع (التي تبدوا سخيفة لدى كثيرين و عظيمة لدى الإعلام الرسمي) تُظهر بالملموس غياب أيَّ رؤيةٍ تنموية أو سياسية لدى الرجل‘كما تُظهر ارتهانه للعمل الدعائي و تفضيله له على العمل المؤسسي المستدام.و لا يمكن فهم ذالك إلاَّ ضمن تأويل من شقين يتكاملان كالتالي؛ أنَّ الرجل غيرُ واعٍ بأهمية العمل المؤسسي و بالتالي يرى أنَّ أثر القرارات الدعائية مباشر و يُصادف هوى لدى البسطاء من عامة الناس و هم أغلب أهل البلد.

يُقدَّم ولد عبد العزيز من قبل أنصاره (خلال الرئاسيات الماضية على الأقل) بصفته ضابط ملتزم و شجاع و يتسم بكثير من مواصفات الجندية تُميزه عن أقرانه من ضباط الجيش.و يستندون كثيرا على هذه الناحية ليصلوا إلى أنه من أفضل كفاءات الجيش الوطني و بالتالي الأقدر على إبعاد البلد عن شبح الانقلابات و عدم الاستقرار..سيما بعد تجربة النظام المدني الماضية و ما حملته من ترهل.

يستدعي تمحيص و تأطير هذه الانطباعات الذاتية التوقف عند المسار المهني للرجل‘و بالخصوص في السنوات القليلة الماضية.
عندما وقع انقلاب الثالث من غشت عام 2005 كان ولد عبد العزيز ضابط بـرتبة عقيد .و إثر فوز ولد الشيخ عبد الله و توليه مقاليد الحكم قام بترقيته إلى رتبة جنرال‘مُثيرا بذالك جدلا واسعا داخل الأوساط العسكرية حول مطابقة هذه الترقية للمعايير المعتمدة في الموضوع.إذ كان لا يزال تحت الخدمة (في تلك اللحظة) (وفق مصادر يوثق بها) أزيد من 20 ضابط برتبة عقيد جميعُهم أكثر استحقاقا للترقية من ولد عبد العزيز بحكم الأقدمية في الخدمة و في رتبة عقيد!!!و إذا ما أوغلنا في تتبع المشوار الدراسي للرجل نجد أنَّ التكوينات التي خضع لها لا تمنحه أيَّ تميز عن غيره من الضباط.فـمساره لا يكاد يحفل بأكثر من تكوينٍ بسيط في أكاديمية مكناس بالمغرب (تخرج بعده ملازما ثانيا) ‘ثم بتكوين آخر في العراق ضمن دفعةٍ ستُشكل لاحقا نواة الحرس الرئاسي‘و بعد ذالك تقدم الرجل من رتبة عسكرية إلى أخرى تدفعه (وفق شهادات بعض من من عرفوه) أيادي بيضاء تمتد غالبا من محيطه الأسري و من أصهاره الذين كانوا يومها يتمتعون بنفوذ واسع.و بـالتالي فإنَّ مشواره الدراسي لا يمنحه أيَّ تميز كما أنَّه لم يكن مشهورا بالشجاعة‘و خلال انقلاب 8 يونيو 2003 لم يكن اسمه متداولا بوصفه أحد الفاعلين الرئيسيين في المعارك رغم أنَّ وحدته كانت عرضةً لهجومٍ خاطف و سقطت في الساعات الأولى و دون مقاومةٍ تقريبا (حسب شهادات منشورة لمشاركين في تلك الأحداث).زد على ذالك كله أنَّ الرجل لم يكن مشهودا له بالنزاهة في التسيير‘ بل إنَ شهاداتٍ مُتعددة تُلمح إلى ممارسته نوعا من الرشوة المقنعة بمنح مكافآتٍ سخية لضباط مقربين منه من أجل كسبِ ولائهم تحت غطاء جعلهم مخلصين لعملهم و وحدتهم

العسكرية.و هذا عمل ينافي قواعد التسيير و النزاهة‘إلاَّ أنه يبدو واردا إذا ما نظرنا إلى الطريقة التي تعامل بها الرجل مع عدد من حلفاءه و خصومه على حد سواء.و هنا نورد مسار تطور علاقته برئيس مجلس الشيوخ (با أمباري) الذي بدأ معارضا للانقلاب قبل أنْ يدعمه تحت ضغوطٍ يُرجح أكثر من مصدر أنها تضمنت تهديدا بتلفيقِ تهم فساد مالي ضده و إغراءا بامتيازات مالية‘و تتردد حكايات مماثلة عن مرشحين لرئاسيات السادس من يونيو يُقال إنَّ واحدا منهم على الاقل تعرضَ للإبتزاز من طرف رجل أعمال مقرب من ولد عبد العزيز على خلفية قرضٍ مصرفي لم يُسدده!!!و في ذات السياق‘‘‘ يردُ التساؤل عن مصير 50 مليون دولار(أي ما يعادل 12 مليار و 500 مليون) قدمتها العربية السعودية و قال ولد عبد العزيز إنّه اشترى منها سيارات للجيش و الشرطة ب(مليار أوقية) .كما يجب طرح سؤال آخر حول قانونية إنفاقها!!!

لا تكاد تخلوا خطابات و مداخلات ولد عبد العزيز من تطاولٍ أو مسًّ بخصومه.و هي خصلةٌ ليست من خصال الضابط المتميز.و مع ذالك تبدوا مُستوعبة بحكم اهتمام الرجل بالسياسة و ممارستها.إلاَّ أنَّ هجمات ولد عبد العزيز على خصومه لا تخلوا من الانحراف باتجاه شعبويةٍ متردية أو كذبٍ صريح.و تدليلا على المثال الأول نورد قوله إنَّ على ولد الوقف أنْ يأكل من الأرز الفاسد لإثبات براءته من الصفقة المُنجزة في إطار البرنامج الاستعجالي!!!.و على الثانية نورد اتهاماته النارية خلال الحملة الانتخابية لأحمد ولد داداه و مسعود ولد بلخير بالفساد المالي. أرغى الرجل و أزبد مُتوعدا بكشف (أدلة دامغة) عند عودته إلى العاصمة.و بـعد ذالك تبين زيفُ ما قاله.و ربما كانت الحسنة الوحيدة في ذالك أنَّ الرأي العام أكتشف أنَّ للرجل مع الكذب قصةٌ قديمة قد تُفيد المهتمين في إثبات كذب إدعاءات سابقة قال فيها إنَّ ولد داداه حرضه على الانقلاب و حثه على الإبقاء على علاقاته بإسرائيل!!!

إنَّ ما ورد في الفقرات السابقة يجعل المرء ميالا إلى القول إنَّ ولد عبد العزيز لا يتمتع بأيَّ خصائص تميزه إيجابا عكس ما يُروجه أنصاره و عكس ما صمَّت به التلفزة و الإذاعة الموريتانيتين مسامع عباد الله منذ السادس من غشت.و في اتجاه معاكس تماما‘يتركُ ما ورد في الفقرة السابقة انطباعا قويا بأنَّ مسار و سلوك الرجل ينطويان على الكثير من النواحي السلبية تحرمه من خصال يستعصي القول إنَّ فاقدها قادرٌ على حفظِ ما كان من باب أولى أنْ يكون مؤهلا لإحداث التغيير.


المحيط السياسي لـلرئيس الجديد:


تُظهر شواهد الأمور منذ انقلاب الثالث من غشت 2005 (تاريخ بروز الرجل إلى الأضواء) أنَّ المحيط السياسي لمحمد ولد عبد العزيز يتشكل من مجموعتين مختلفتين في بنياتهما و في علاقاتهما بالرجل‘ثم في الأدوار المُسندة إليهما.

عندما برز ولد عبد العزيز كأحد أركان النظام المنبثق عن الثالث من غشت كان محيطه مجهولا كما كان هو نفسه.و مع تأصل النظام السياسي في الزمن بدأت تتكشفُ الحلقات الضيقة لأركانه مُمثلة في عناصر صاعدة جاءت ضمن محاولةِ خلق نخب خاصة بالنظام الجديد كانت تُمليها ضرورة تطعيم النخب الموروثة عن النظام السابق. و بحكم موقعه القوي في المجلس العسكري حاز ولد عبد العزيز على حصة الأسد من هذه النخب‘و أسعفه في ذالك أنَّ رئيس المجلس العسكري آن ذالك العقيد أعل و لد محمد فال كانت علاقاته محصورة في انتلجانسيا المرحلة لسابقة التي يُوصفُ غالبية أفرادها بـ(الفساد)‘ما يجعلهم غير مناسبين للمهمة.تمكن المجلس العسكري (بأساليب مشبوهة في أغلب الحالات) من خلق أغلبية خاصة به في مجلسي النواب و الشيوخ.و هي أغلبية ورثها ولد عبد العزيز بكاملها منذ مغادرة ولد محمد فال السلطة إنْ لم يكن قبل ذالك‘نظرا لأنَّ ولد مجمد فال كان مُنهمكا بـ(انشغالات أخرى ليس هذا مكان بسطها!!!)‘كما أنه كان يستعد لفترةِ نقاهة سياسية يستغلُ فيها علاقاته الشخصية على المستوى الخارجي إعدادا لمراحل قادمة.بات ولد عبد العزيز يتوفر على أغلبية برلمانية (بينها وجهاء محليون و أطر ‘و فئةٌ ثالثة هي الأكثرية صنع هو أفرادها و مكنهم من الفوز باستخدام اسم و وسائل الدولة في توجيه الزعامات القبلية النافذة في مناطق البلاد الأكثر تخلفا ....).

في نهاية العام 2006 كان ولد عبد العزيز يتوفر على أغلبية برلمانية لا تجمعها رؤية و لا فكر و لا حتى سابقُ معرفة بين أفرادها (في كثير من الأحيان)‘و كانت مرجعيتها الوحيدة الولاء الأعمى للعقيد ثم الجنرال. ستبقى هذه المجموعة أو الكتيبة البرلمانية وفق تعبير الكثيرين هي رأس الحربة في المعارك السياسية التي خاضها الرجل من مكتبه بقيادة الحرس الرئاسي ثم معاركه اللاحقة (سياسية و دبلوماسية ) بعد السادس من غشت.لم يستند اختيار هذه المجموعة على قواسم مشتركة بارزة.و مع ذالك يمكن ملاحظة أنَّ غالبية أفرادها لا يتمتعون بتكوين علمي جيد‘ و لم يكونوا ناجحين في ميادين أنشطتهم (مهنية كانت أو غير ذالك...)‘بينما بات متواترا أنَّ أفرادا بعينهم من هذه المجموعة قدموا من أوكار الجريمة و القمار‘و منهم مُمتهنو السمسرة في عدد من المؤسسات العمومية.بل أكثر من ذالك يُقال إنَّ بعضهم كان يُدير شبكاتٍ للدعارة تحت غطاء نشاطاتٍ ذات طبيعة تجارية و سياحية.

برزت عناصر فاعلة في هذه المجموعة خلال أزمة حجب الثقة‘ ثم في بواكير الانقلاب و يُنسب إليها العديد من التجاوزات التي شهدتها تلك المرحلة‘خاصة في المجال المالي حيث استحوذ أفراد منها على مبالغ طائلة من خزينة الدولة و من مؤسسات عمومية و دستورية باسم الحاجة إلى تسويق (الحركة التصحيحية) داخل و خارج البلاد.بل إنّه من المتداول على نحو واسع أنَّ امتيازاتِ بعض النافذين بلغت حدَّ منحهم مؤسسة أو مرفق ذي طبيعة تجارية و اقتصادية يُعينون مديره و يتصرفون في أمور التسيير الأخرى لا سيما إسناد مهمة المزود (المدرة للمال و العزيزة على السماسرة) لمن يختارون.و بات لـعدد من نواب هذه الكتلة مكاتب خاصة و حرس على طريقة النواب الأمريكيين مع ملاحظة ما يجب من الاختلاف بين اليزيدين!!!

في الأيام الأولى لانقلاب السادس من غشت‘بدأت دائرةٌ ثانية من المحيط المقرب لـولد عبد العزيز تتشكل‘ أو على الأصح تُفصح عن نفسها على نحو أذهل حتى أرسخ أهل الدائرة السابقة قدما في التقرب من الجنرال و الدفاع عن (مشاريعه التصحيحية).كانت الحلقة الجديدة تختلف عن الأولى في أنها تصدر عن خلفية موحدة على الأقل رغم أنًَّ وحدة المصدر قد لا تكون بالضرورة حسنة. كانت هذه الدائرة القبيلة و العائلية أقنعت الرجل بانتمائها إليه أو بانتمائه إليها و ربما كان هو مقتنعا بكل ذالك في صمت. برز دور هذه الدائرة من خلال مساهمتها اللافتة في المسيرات الداعمة للانقلاب‘و نشاطها الدؤوب في حشد الدعم خارجيا و داخليا و على جميع المستويات و تسخير الإمكانات المالية الهائلة خدمة لذالك.و في مستوى آخر‘برز كتابٌ (أو مُستكتبون على الأصح) من هذا المحيط‘و أغرقوا أعمدة الصحف و المواقع بالمقالات المُبجلة للسادس من غشت و لـشخص ولد عبد العزيز و محاربة الفساد‘كما أُطلقت مواقع إلكترونية تقرأ من ألوانها و أسمائها -قبل تصفحها- أنها موالية لـ(حركة التصحيح).لقد كانت حملة قبلية كاسحة اقتنعت بانتمائها إلى السادس من غشت أو أرادت أنْ تُقنعه بالانتماء إليها و نجحت في ذالك إلى درجةٍ بلغت معها دهشة بعض أركان الكتيبة البرلمانية (التي تعتبر نفسها الأحق بمكاسب السادس من غشت) حدَّ التواري عن الأنظار احتجاجا على تجاوزهم في مواضيع و ملفات كانوا مكلفين بمتابعتها‘بينما غاضب البعض (مؤقتا) امتعاضا من تحذيره من التحدث باسم الأغلبية أو (في مراحل لاحقة) باسم حزبها.بدت المعركة محتدمة في بواكير السادس من غشت و تُدلل على ذالك الخرجات الإعلامية للطرفين على نحو كان يشـي بأنَّ المعركة كانت تكاد تُفصح عن نفسها للعلن.

كان البعد القبلي و الجهوي و العصبي (نسبة إلى علاقات العصبة و الدم) جليا في السادس من غشت منذ المسيرات الأولى و ما صاحبها من وثبةٍ قبلية جلية تكرست بشكل أكثر في المراحل اللاحقة انتهاءا بالحملة الرئاسية و ما واكبها من انخراطٍ قبلي مُتحفز يتبنى مرشح (التغيير الصادق) من منطلقات قبلية صرفة.و قد بدت مظاهر هذا التحفز جلية في التمويلات السخية لحملة ولد عبد العزيز من رجال أعمالٍ ينحدرون جميعهم من وسطه القبلي و الجهوي.بل إنَّ الأمر بلغ حدَّ تنظيم حملةٍ قبلية موازية للحملة الرسمية تقول مصادرُ يُوثق بها إنها نُظمت بإيعازٍ و توجيه و تشجيع من ولد عبد العزيز شخصيا.

يُظهر تفكيك المعطيات الواردة سلفا تضافر عاملين مُحددين قادرين على إنضاج دكتاتورية صغيرة قوامها الروابط القبلية و روابط العصبة و الدم تُسندها قوةٌ سياسية مُشكلة من (انتلجانسيا) صاعدة تتوزع بين:
-كتيبة برلمانية يُوحدها الولاء للامتيازات أكثر من الرؤية سياسية و المنطلقات الفكرية لأنها لم تُخلق لأجل ذالك.
-مجموعة من أشباه المُستكتبين و المواقع الالكترونية (غثة المضامين)‘و من المفكرين الخرفين تُحاول عبثا صياغة خطاب يُأمل أنْ يكون سندا و حاضنة فكرية لـ(موريتانيا الجديدة).و هنا أرى أنَّ المقام مناسب للتذكير بأنَّ موريتانيا الجديدة أنتجتها موريتانيا الأعماق!!!أترك ذالك لتقدير القراء الكرام و اكتفي بالقول إنَّها ستكون مُختلفة عن النماذج السابقة.

يقول المبشرون بها: إلى الأفضل!!!
و ربما قالوا: إلى الأفضل؟؟؟
لا فرق بين التعجب و الاستفهام لأنَّهم لا يملكون أي تصور لسبب بسيط هو أنَّ موريتانيا الجديدة لا يوجد منها إلا اسم مُسترجع من قاموس إنشائيات الإعلام الموريتاني الرسمي الحافلة بالكذب و المغالطات. و لا يُدرك هولاء أن هذا المصطلح ليس جديدا و سبق و استهلاكه مثل شعارات محاربة الفساد و الرشوة التي أطلقها (على الأقل) نظامان عسكريان سابقان في مراحل إنتاجهما الأولى!!!!!!


وقـــائــع دالـــة:


بدا النظام العسكري المنبثق عن السادس من غشت ميالا إلى التضييق على الجهات و الآراء المناوئة له.و يبدو هذا الموقف مفهوما -رغم أنه مدان- في ضوء المناخ اللاحق على الانقلاب و الموسوم بموجة رفض داخلية عارمة و غير مسبوقة تجعل من محاولات النظام إسكات كلَّ الأصوات المناوئة أمرا مُنتظرا.إلاَّ أنَّ التطورات اللاحقة على الأسابيع الأولى (التي بلغت فيها حالة الاحتقان أوجها)‘و مع تمكن النظام من بدءِ التجذر في الزمن و حشدِ دعم شعبي لا بأس به‘كانت ضرورات المرحلة تقضي بتخفيف تدابير المنع المُتخذة منذ الساعات الأولى للانقلاب.إلا أنَّ توجه السلطات العسكرية ظلَّ إلى مزيدٍ من تسخير وسائل الإعلام الرسمية للدعاية السياسية للنظام على نحو مُقزز في بعض الأحيان.و رغم وجود هيئةٍ للسمعيات البصرية تسهر على تقنين ولوج الفرقاء السياسيين لوسائل الإعلام العمومية‘فإنَّ السلطات العسكرية تجاوزت كلَّ ذالك و سخرت هذه المؤسسات في تسويق الانقلاب‘و تجاوزت ذالك إلى مهاجمة مناوئيها و حتى من يقف موقفا وسطا.بدأت إنشائيات الإعلام الرسمي تستعيد أمجادها الغابرة من برامج سياسية طرفها وحيد‘و برامج دينية تستنكر (الخروج على الإمام) و تدعوا إلى المشاركة في المنتديات العامة للديمقراطية بوصفها مصدر خلاص للأمة.

لقد سمحت هذه المرحلة (على مساوئها) من اكتشاف حقيقة أنَّ النظام العسكري القائم لا يتجه إلا نحو المزيد من التضييق على مناوئيه و رفض أيَّ موقف لا يُمجده‘و ذالك من خلال تعاقب مجموعة من الأحداث نُجملها كما يلي:

-الضغط و التهديد الذي يُقال إنَّ رئيس مجلس الشيوخ تعرض له لثنيه عن موقفه المناوئ للانقلاب.
-اعتقال الوزير السابق إسلمو ولد عبد القادر و عزل مدير التلفزيون الوطني (لمام الشيخ و لد اعل) إثر برنامج حواري انتقد فيه الأول الحرس الرئاسي و اعتبر أنَّ ولد عبد العزيز حوله إلى ميليشيا. ظل النظام يُصر على الصفة الجنائية لملف ولد عبد القادر لـيتراجع بعد إطلاق سراحه و يقولَ وزير الاتصال إنّ السجون الموريتانية لم يعد بها أيُّ سجين سياسي!!!و يبدو هذا الموقف مفهوما على ضوء استمرار توقيف المتهمين في ما يُعرف بـ(ملف الخطوط الجوية الموريتانية) المثير للجدل.

-إغراق "المنتديات العامة للديمقراطية" بالمئات من المشاركين الوهميين و عدم الالتزام بضوابط العمل داخل الورشات و لا بتوصياتها.و برزت في هذا الصدد أوجه معروفة من الكتيبة البرلمانية كانت تنقل و تُوجه و تُحرض المشاركين باسم (موريتانيا الأعماق) على حشر أنفسهم في كل شاردة و واردة و في مواضيع لا يفقهون فيها شيئا.
-بث برامج دعا فيها فقهاء (بإيعاز من النظام طبعا) إلى المشاركة في المنتديات العامة للديمقراطية بوصفها جزءا من مصلحة البلد يُعتبر المفرط فيه عاصيا و متنطعا!!!
و لدى هذه المرحلة كانت نشاطات الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية تأخذ مداها‘ فقوبلت بقمعٍ طال القادة السياسيين و الصحفيين‘و أعاد إلى الناس ذكرى السنين الخوالي من حكم ولد لطائع.و أكثر من ذالك‘ اعتدت الشرطة على النساء أمام شاشات التلفزة في مشهد كان يمتهن المنظومة الأخلاقية للمجتمع‘و يُكسر حاجزا لم يجرؤ أيُّ نظام (عسكري أو مدني) على كسره.كانت مشاهد ضرب البرلمانيات أمام مقر الأمم المتحدة تكشف بالملموس إفلاسا أخلاقيا متجذرا لدى السلطة القائمة في الوقت الذي كان فيه رئيسها و أزلامها يُبشرون الموريتانيين بـ"تخليق الحياة العامة" و محاربة الفساد. وكـأنَّ المنظومة القيمية جزر متباعدة لا رابط بينها.فـيمكن أن نرفع (رغم الشك المتأصل و المبرر حول صدق ذالك) شعار محاربة الفساد ونعتديَّ على الحريات و الأعراض!!!

استند خطاب ولد عبد العزيز ‘و من في صفه‘ كثيرا على إبراز الجيش كمؤسسة وطنية تحتل مكانة جوهرية و حيوية ضمن المؤسسات الجمهورية جلبت الديمقراطية و الاستقرار للبلد و كانت صمام أمان له في أحلك الفترات التي مر بها!!!لكن هذا الطرح بدا عاجزا عن التمويه على أهدافه التي لا تُؤمن بالجيش و لا بالمؤسسات و لا بالجمهورية نفسها إلا في حدود ما يُوجه توظيف هذه البنيات إيجايا في خدمة المشروع المنبثق عن السادس من غشت.و عكس ذالك سار هذا الخطاب في اتجاهٍ معاكس يُلقي بالبلاد إلى واقع تضربُ فيه الزبونية و المافيوزية بأطنابها في جميع المؤسسات الجمهورية بما فيها المؤسسة العسكرية.

إنَّ رصد تطورِ هذا الخطاب ‘بناء على المعطياتِْ الوافدة على المشهد السياسي في المراحل اللاحقة من أزمة ما بعد الانقلاب‘ تفضح خطورة هذه المقاربة و تُعرَّي حقيقة أنَّ الجيش بات في يد شخصٍ واحد مُـكَّن له فيه في ظروف معروفة للجميع (السياق اللاحق على رئاسيات 2007).

لقد تطور هذا الخطاب من إبراز دور الجيش في حياة الدولة الجمهورية إلى التلويح به كسندٍ انتخابي‘ و صرح بذالك ولد عبد العزيز نفسه عندما قال إنَّ الجيش لن يترك خصومه يُمسكون بـسدة الحكم!!!و إمعانا في تعزيز هذا الانطباع لدى الدهماء و المتزلفين (الميالين بطبعهم إلى كفة السلطة) سخر ولد عبد العزيز وسائل قطاعات من الجيش في خدمته. فذهب ضباطٌ لخوض الحملة الانتخابية لصالحه (بإيعاز أو مباركة منه على الأقل) كما أوردت مصادر إعلامية محلية يُوثق بها (وكالة أنباء الأخبار المستقلة) نبأ رصد سياراتٍ للدرك الوطني نُصبت عليها مكبرات صوت تبث الدعاية الانتخابية لولد عبد العزيز.و هي سابقةٌ في تاريخ القوات المسلحة.و استكمالا للصورة لا بد أنْ نشير إلى أنَّ ولد عبد العزيز ظلَّ يتنقل في طائرةٍ عسكرية تحمل شعار الجيش الوطني.و يقول مناصروه إنها مستأجرة من الجيش.و كأن الجيش بات وكالة تأجير طائراتْ. فـفي اعرق الليبراليات مثل بريطانيا و فرنسا لا يُؤجر الجيش طائراته لخوض الحملات الانتخابية.ثم إنَّ تأجير طائرةٍ لشخصٍ يُحكم قبضته على الجيش يطرح تساؤلاتٍ جادة حول الأجرة المقابلة لهذه الخدمة.و إذا قال أحدهم إنَّ السيد الرئيس -نظرا لاستقامته و حرصه على إعطاء النموذج في محاربة الفساد و المفسدين!!! – أصرَّ على تسديد أجر الطائرة‘يجب عليه أن يتذكر أنَّ في ذالك مثالية عزت في زماننا.لقد كان الجيش الوطني و قوات الأمن ‘كغيرها من مؤسسات الدولة الموريتانية‘عرضةً لما قد تتعرض له جميع المؤسسات بسبب فساد الأنظمة السياسية المتعاقبة. فتحول في السنوات الماضية إلى مؤسسة يسود فيها الفساد والمحسوبية على نحو رهيب.و قد أفرزَ هذا الواقع نتائج سلبية جدا تمثلت في إبعاد عدد من القيادات العسكرية المشهود بكفاءتها و نزاهتها على غرار تصفية الأكفاء من الأطر المدنيين داخل القطاعات الأخرى. و على مستوى قطاع الأمن تجلت هذه الإختلالات في تفشي الرشوة بين رجال الأمن على نحو غير معهود.و أسوء من ذالك‘ باتت الشرطة الوطنية و الجيش و غيرهما من قطاعات القوات المسلحة و قوات الأمن مرتعا للفاشلين من المجرمين و أصحاب السوابق العدلية .و باتت أعداد الضباط الأكفاء المستقيمين في تراجع لصالح صعود لافت في أعداد ممتهني الغمار و الصعاليك!!!
تأسيسا على ما سبق‘نلاحظ ثلاثةَ أقانيم تُؤطر النظام الجديد.

1-رئيس لا يمتلك أيَّ مقوماتٍ تؤهله لإحداث التغيير.بل تنحوا مميزاته و ماضيه التعليمي و المهني في اتجاه ترجيح كفة الإخفاق.

2-نخب سياسية مشهود بأنها (في غالبيتها الساحقة) صناعة عسكرية بامتياز‘أُنتجت في ظروف يعرفها الجميع حكمت عليها بأنْ تكون فاقدة لأيَّ رؤية فكرية و لا عقدية و لا يوحدها إلاَّ الطمع في منافع مالية لدى ولد عبد العزيز.

3-عمق قبلي متحفز يعتبر نظام ولد عبد العزيز جزءا منه و ينبري في الدفاع عنه و تمجيده بوصفه قيمة حدية قصوى بذاتها لا لشيء إلاَّ لأنه منح ذالك العمق ما يعتبره مكانة اجتماعية ورثها تاريخيا و سُلبت منه من طرف جهاتٍ قبلية و جهوية أخرى في سياقات زمنية سابقة طبعتها ظروفٌ لم تكن مواتية!!!


في المحصلة:


إنَّ المتمعن في هذه المحددات الثلاثة السابقة يرى أنها نفس المحددات التي أطرت نظام ولد الطايع عشية انهياره. لقد راكم ولد الطائع هذه القوى في سنواتٍ مديدة أما ولد عبد العزيز فقد استطاع صناعتها في أقل من عام.

إنَّ هذه المحددات كفيلة بإنتاج ديكتاتورية صغيرة وعقيمة وقد بدأت بعض ملامحها باديةً منذ الثامن عشر من يوليو. فقد خفتت الأصوات التي كانت تصم الآذان بوعيد المفسدين وغابت ثنائية الولاء للوطن وللأجنبي في إنشائيات الخطاب الإعلامي الرسمي‘كما لا يُستبعد أنْ يُحظر الحديث عن العلاقات مع إسرائيل إذا ما صح ما يُقال عن اتصالات إسرائيلية مع نواكشوط لإعادة تطبيع العلاقات التي يُشكك كثيرون في فتورها المزعوم!!! تبدأ الديكتاتوريات الصغيرة –و على نحو متدرج- بكذبة و اعتناق انتماءاتٍ مناقضة للدولة وقيم الجمهورية لتتوج مسارها بالإفصاح عن نفسها بعد أنْ يشتد عودها كما لا حظنا ذلك في نظام ولد الطائع الذي لم يُكشر عن أنيابه إلاَّ بعد أنْ اشتد عوده. أما النظام القائم اليوم فقد جمع كلَّ هذه الخصائص على نحو متزامن وسريع ووقـحْ!!!

------
*صحفي موريتاني مقيم بالمغرب


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!