التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:04:28 غرينتش


تاريخ الإضافة : 06.09.2009 17:29:08

الغابون: من بونغو الأب إلي بونغو الإبن

سيدي ولد عبد المالك (*)  sidimalik@maktoob.com

سيدي ولد عبد المالك (*) [email protected]

الغابون بلد صغير المساحة (267667 كم مربع)، قليل السكان (حوالي مليون و ربع المليون نسمة)، ويمتلك الغابون ثروات طبيعية هامة، تعتبر الثروة النفطية من أهمها.

إلتحق الغابون سنة 1975 بمنتدي منتجي النفط (منظمة الدول المصدرة للنفط)، و تقدر حاليا كمية إنتاجه النفطي بـ13 مليون طن سنويا.

حكم الغابون بعد سنوات من الإضطراب السياسي التي أعقبت استقلاله من طرف البربرنارد الذي أشتهر بالحاج عمر بونغو بعد اعتناقه الإسلام سنة 1973.

وقد تميزت فترة حكم بونغو التي زادت علي أربعة عقود بالاستقرار و السلم الإجتماعي في محيط إقليمي لا تخمد نار اضطراباته، وذلك علي ما شاب تلك الفترة من ضيق في مساحة الحريات، واتساع لدائرة الفقر في بلد يصنف علي أنه من أغني دول القارة السمراء.

رحل بونغو في منتصف العام الجاري بعد مرض عضال ألم به دون أن يستكمل ترتيبات خلافته في السلطة -علي الأقل من الناحية العلنية- لكن ما إن أعلن رسميا عن وفاة عمر بونغو، حتي اتضح بما لا يدع مجالا للشك أن ابنه عالي وزير الدفاع ساعتها بدأ يضع يده علي مقاليد السلطة بشكل فعلي و شبه رسمي ويتحكم في قرارات الحزب الديمقراطي الغابوني (الحزب الحاكم).

و ذلك بعد مسيرة طويلة من التهيئة تقلد خلالها عالي بونغو مناصب وزارية سيادية(وزارة الخارجية وو زارة الدفاع)، وتبوأ مواقع هامة في هرم الحزب الحاكم.

انتقال غير سلس:

عملية ملئ الفراغ الدستوري الناجم عن وفاة الرئيس عمر بونغو، بدت غير مفروشة بالورود، إذ من الواضح أن وفاة بونغو أضفي تغييرا ملموسا علي المشهد السياسي المحلي، عزز هذا التغيير من الحضور القوي للمعارضة.

فالثغرات الكبيرة للانتخابية الرئاسية الأخيرة كانت متعمدة، و أريد من خلالها فتح هوامش واسعة لتأمين نجاح مرشح النظام حسب زعم مؤيدي المعارضة.

إن عملية التحضير للانتخابات برمتها لم تحظي بإجماع يدفع -علي الأقل- الشكوك عما قد يترتب عنها، فالمعارضة الغابونية كانت متوجسة من حصول عمليات تزوير كبيرة، و من استخدام مرشح النظام لنفوذ الدولة لصالحه، فأصوات المعارضة ارتفعت مطالبة باستقالة عالي بن بونغو من منصب وزارةالدفاع حتي يكون بنفس مستوي التأثير الذي يتمتع به منافسوه، وقد ترجم أحد المرشحين المستقلين هذا الاحتجاج بالانسحاب من حلبة السباق الرئاسي الذي يفتقر إلي أبسط ضمانات النزاهة و الشفافية من وجهة نظرته.

وتؤكد المعارضة تسجيلها لخروقات انتخابية عديدة، أبرزها التشكيك حول عدد المسجلين علي اللوائح الإنتخابية، الذي بلغ زهاء 800 ألف، فهذا الرقم رأت فيه المعارضة مبالغة كبيرة.

و من وقائع التزوير التي تتحدث عنها المعارضة إصدار كم هائل من بطاقات الناخب المزورة، وتأخر فتح مكاتب التصويت في المعاقل المحسوبة علي المعارضة، و تزوير محاضر التصويت، وتقديم وزارة الداخلية لنتائج محل جدل علي مستوي اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة الدائمة.

لقد عكست الانتخابات قوة المعارضة الغابونية، وتطلع الشعب الغابوني إلي طي صفحة طويلة من حكم أحد أبرز أركان ما يعرف بأفرانس أفريك، كما كانت النتائج مؤشرا على رغبة غالبية الغابونيين في تحقيق قطيعة مع استمرار نظام بونغو، الذي يوصف بأنه عجز عن تأمين الكفاف لشعب بلد أهلته ثروته البترولية أن ينتزع تسمية خليج إفريقيا.

فالأرقام التي أعطت وزارة الداخلية لمرشحي المعارضة القويين ابير مامبوندو وأنردي أمب أوبام تجاورت مجتمعة 51.1 % ،و هو ما يؤكد صواب، ورجاحة مطلب بعض قوي المعارضة ،التي كانت قد ناشدت أقطاب المعارضة بتوحيد مرشح لها لحسم المعركة الانتخابية لصالح قطب المعارضة.

كما تضع هذه الأرقام شكوكا حول صحة مصادر وزارة الداخلية المحسوبة علي مرشح النظام، فمرشحا المعارضة الرئيسيان أعلنا قبل الإعلان الرسمي عن فوزهما مؤكدان أنهما يمتلكان الأدلة المادية علي صحة كلامهما.

و يعزز من موقف مرشحي المعارضة عدم إجماع اللجنة المستقلة للانتخابات علي الأرقام المقدمة من طرف الداخلية .

ومع أن جو الحملة الانتخابية لم يسلم من مناوشات بين المحسوبين علي مرشح النظام و مرشحي المعارضة، فإن توقعات بحصول أعمال الشغب كانت محتملة، فالأجواء الانتخابية كانت متوترة، والمعركة الانتخابية كانت معركة مصيرية بين معارضة من جهة متعطشة لحكم، تري أنه بات قاب قوسين أو أدني من التحقق بعد رحيل بونغو الأب الذي تمكن- بصفة خارقة إفريقيا- من إحكام قبضته علي مفاصل السلطة، ومتنفذين في دوائر السلطة و المال المتحالفين مع قوي المصالح الخارجية من جهة أخري.

وتعيد أحداث العنف التي حصلت عقب الإعلان الرسمي لنتائج الرئاسيات الأخيرة تعيد إلى الأذهان أحداث 1993، التي اندلعت عيشة إعلان فوز بونغو الأب في أول إستحقاقات رئاسية تحت ظلال الديمراطية.

و من القواسم المشتركة بين أحداث العنف الأخيرة و الأولي استهداف مصالح فرنسا ،و كل ما له صلة بها.

التوريث بمباركة فرنسية:

علاقة فرنسا بالغابون تعتبر علاقة استثناية، فالغابون يعد أقوي شريك اقتصادي لفرنسا في القارة السمراء، كما ظلت باريس تنظر إلي لبرفيل كمحمية فرنسية لا كدولة مستقلة ذات سيادة.

التزواج الوثيق بين نظام بونغو و مصالح الفرنسين ولد معادلة ذات طرفين، مواقف لينة ومتعاونة من قبل الإليزيه مقابل صفقات استثمارية هائلة في مجالات النفط و تجارة الخشب يقدمها النظام الغابوني بسخاء لفرنسا و مؤسساتها الإقتصادية الراغبة في الإستثمار بالغابون.

فبونغوا الأب كان من المؤمنين بحتمية التواصل بين إفريقيا و فرنسا، فقد عرف عمر بونغو بجملته الشهيرة : "إفريقيا بدون فرنسا بمثابة سيارة بدون سائق،و فرنسا بدون إفريقيا ليست سوي سيارة بدون وقود"، كما كان بونغو عميد الزعماء الأفارقة المنتسبين لتيار افرانس أفريك.

و تأسييا علي هذه العلاقة المريبة، و المبنية علي المصالح و المصالح فقط؛ كانت فرنسا حريصة علي استقرار الغابون، فلفرنسا قاعدة عسكرية في حدود الألف جندي، كما تربطها اتفاقيات عسكرية بالبلاد تمنحها حق التدخل لحماية النظام من أي مخاطر محلية أو خارجية تهدده.

وبموجب هذا النفوذ الأمني و العسكري و الاقتصادي، كانت فرنسا في ظل حكم بونغو الأب حاضرة في كل حيثيات القرار السياسي بالغابون، كما استأثرت منشآتها الاقتصادية بنصيب الأسد من الصفقات، فمن بين 18 شركة محلية و أجنبية عاملة في مجال التنقيب و التصدير النفطي تحتكر شركة توتال الفرنسية لوحدها 30.55% من إنتاج النفط الغابوني، كما تمتلك عقودا استثمارية طويلة الأمد، يصل بعضها لغاية سنة 2032.

وقد تدخلت القوات الفرنسية في النزاعات السياسية المحلية كطرف منحاز للنظام عدة مرات كان آخرها سنة 1991 عندما طلب بونغو من ميتران إعطاء الضوء الأخضر لكتيبة مشاة البحرية الفرنسية المرابطة بالغابون من أجل بسط الأمن في العاصمة الاقتصادية بور جانتيل، وذلك علي خلفية الاحتجاجات الطلابية التي كانت تطالب بتبني الديمقراطية و التعددية السياسية.

ومع أن علاقات البلدين كانت ممتازة، إلا أنها لم تخل في النادرمن فترات شد وجذب، كانت سرعان ما يتم احتوائها، فالشد و الجذب بين الطرفين كان في الغالب مفتعلا، يبدأ بابتزاز فرنسي، وينتهي بمكاسب خيالية لفرنسا أيضا.

و مع أن السنوات الأخيرة توصف بأسوأ فترات العلاقة بين الطرفين، فإن الأمر لم يمنع الأليزيه برأي معارضي افرانس أفريك من المساهمة في وضع ترتيبات و سيناريوهات المشهد السياسي للغابون ما بعد بونغو الأب.
و يذهب مؤيدو هذا الطرح إلى أن صفقة التوريث قد تمت علي شكل طبخة نفذت بالإليزيه العام الماضي بعد الزيارة التي قام بها علي بن بونغو.
و مع أن الرئيس ساركوزي أعلن إبان الحملة الإنتخابية لرئاسيات الغابون، أن فرنسا ليس لها مرشح في الانتخابات الغابونبية،و أنها لا تميل لطرف لصالح آخر، إلا أن المعارضة تري أن تصريحات سركوزي ليست سوي تقية سياسية يراد منها حماية المصالح الفرنسية، إذ أنه ليس في مواقف فرنسا إجراءات ملموسة تؤكد حيادها من العملة الانتخابية، وتجد المعارضة في تغطية الاعلام الرسمي الفرنسي للانتخابات الغابونية، وفي المجاهرة العلنية لسمسار أفرانس أفريك، ومستشار ساركوزي روبر بورجي في دعم علي بن بونغو أدلة مادية قوية في انحياز فرنسا لبن بونغو.
و لذا يفهم استهداف مصالح الفرنسيين علي أنه يدخل في حالة الجفاء و العداء القديمة و المتجددة بين المعارضة الغابونية و الأنظمة المتعاقبة علي حكم فرنسا، المتهمة من قبل شرائح سياسية واسعة في البلدين بتبني نظام بونغو الأب، و تسهيل انتقال السلطة لبنغو الإبن.

نختم فنقول بأن عالي بن عمر بونغو ليس أول زعيم أفريقي يحكم بعد أبيه، فقد حكم الكونغو الديمقراطية كبيلا الإبن بعد الرحيل المفاجئ لكابيلا الأب سنة 2001، في بلد لا يقارن حجم تعقيداته السياسية و الأمنية بالغابون، إلا أن حصر المقارنة في هذه النقطة لوحدها لا يكفي، فالمطلوب من الرئيس الجديد تحيقيق وعوده الإنتخابية لناخبيه ومواطنيه، ومطلوب منه قبل ذلك تبني توجه جديد يميل إلى الانفتاح و توسيع حق المشاركة، حتي يتمكن من جسر الهوة مع معارضيه فيمنح بذلك لنفسه علي المستوي الداخلي شرعية قوية ومحصنة لا مطعن فيها.

(*) كاتب موريتاني مهتم بالشؤون الإفريقية


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!