التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:13:14 غرينتش


تاريخ الإضافة : 08.09.2009 03:15:31

مرضى السرطان الموريتانيون بالمغرب: عجز الداخل وإكراهات الغربة

يلوح جالو بجوازه للتعريف بهويته بعد أن أخرسه سرطان الحنجره (تصوير الأخبار)

يلوح جالو بجوازه للتعريف بهويته بعد أن أخرسه سرطان الحنجره (تصوير الأخبار)

"الأخبار" - خاص:

لا يستطيع عبد الرحمن عبدول جالو أن يعرف باسمه ومكان ميلاده إلا بشق النفس، وللإعراب عن هويته يكتفي بالتلويح بجوازه الموريتاني الأخضر. يعاني جالو، وهو ستيني منحدر من منطقة كوروجل في سيليبابي جنوب موريتانيا، من حالة متقدمة من سرطان الحنجرة. أخرسه المرض، ولم يعد باستطاعته الأكل أو الشرب إلا بصعوبة بالغة.

يشكل جالو حالة صارخة للوضع الصعب الذي يعيشه مئات المرضى الموريتانيين بمختلف أنواع السرطان يتعالجون في المشافي المغربية بالرباط والدار البيضاء.

يتوزع المرضى ما بين المركز الوطني للأنكولوجيا ومستشفى الشيخ زايد ومستشفى ابن سينا فضلا عن مصحات أخرى في الرباط والدار البيضاء.

ويعاني مرضى السرطان ممن يتم توجيههم إلى المغرب من قبل مصالح الصحة في موريتانيا دون تأمين من مصاعب جمة. فلكون أغلبهم ليسوا من موظفي الدولة فإن الأخيرة لا تتحمل غير تكلفة السفر والسرير. وهكذا يكون على المرضى اقتناء أدوية معروفة بغلائها عالميا فضلا عن إكراهات العيش في الغربة حيث غلاء الحياة خاصة بالنسبة لموريتانيين فقراء أغلبهم قدم من داخل البلاد.


تشخيص متأخر


ولد محمد: نحن أحوج إلى دعم مالي (تصوير الأخبار)

ولد محمد: نحن أحوج إلى دعم مالي (تصوير الأخبار)

ويعبر عبد العزيز ولد محمد (1972- ولاته) عن رفضه للوضع الذي يرزح تحته المرضى التابعون للحماية الاجتماعية في موريتانيا. "هذا وضع ظالم. لا نحصل إلا على التذاكر والحال أننا جميعا من غير الموظفين. ونحن، بالتالي، أحوج إلى مساعدات مالية" حسب قوله.

ويشرح عبد العزيز، وهو عامل بناء بسيط يتابع علاجا لسرطان الفك في الرباط، كيف ضاعت أربع سنين من عمره في محاولات العلاج في موريتانيا ليتم أخيرا فقط تشخيص حالته بعد أن تأخر الوقت كثيرا.

ويبدي ولد محمد استغرابه من التأكيدات التي يستمع إليها المرضى من مسؤولي الصحة في موريتانيا من أنهم سيلقون كل العناية بينما نلاحظ أنه حتى السفارة لا تتعاون معنا.

وبسخرية يعرب ولد محمد، الذي باشر للتو العلاج الكيميائي، عن شكره للحكومة الموريتانية. "حين جرت الانتخابات سجلنا في الآجال العادية لكي نتمكن من التصويت بيد أن السفارة ألغت أسماءنا بطريقة غير بريئة. هذه هي أهم مساعدة حصلنا عليها منها!" كما يقول.


تكاليف رهيبة


يؤدي تأخر تشخيص المرض إلى تعقيد الموقف بالنسبة للمريض وعائلته كما يرى ولد المختار (تصوير الأخبار)

يؤدي تأخر تشخيص المرض إلى تعقيد الموقف بالنسبة للمريض وعائلته كما يرى ولد المختار (تصوير الأخبار)

وعلى غرار ولد محمد ينتقد أحمد ولد المختار (1963 – المذرذره)، والذي يرافق شقيقته التي تعاني تلفا في صمام القلب، بطء تشخيص المرض في موريتانيا. "لقد تفاقمت حالة شقيقتي وهذا ضاعف التكاليف المادية علينا بشكل رهيب".

ويعرب ولد المختار عن خيبة أمله إزاء موقف مصالح السفارة الموريتانية بالرباط. "صرحوا لنا بأنهم لا يتحملون اتجاهنا أي مسؤولية" كما يشرح الرجل الأربعيني الذي يحتاج إلى خمسة وسبعين ألف درهم (2.5 مليون أوقية) لإجراء عملية جراحية لأخته.

التوسعة التي أقامها المرضى للمنزل ويظهر أحد النزلاء (تصوير الأخبار)

التوسعة التي أقامها المرضى للمنزل ويظهر أحد النزلاء (تصوير الأخبار)

"أنتم هنا على مسؤوليتكم الخاصة" هكذا أبلغوا من قبل السفارة كما يقول ولد المختار الذي حصل بصعوبة على سرير لشقيقته وينتظر، دون أفق واضح، الحصول على ثمن العلاج. في انتظار ذلك يقيم مع ما يناهز الثلاثين مريضا موريتانيا، أغلبهم يعانون السرطان، في منزل ضيق بحي السويسي في الرباط.

تعود ملكية المنزل إلى سياسي مغربي من أصول موريتانية يضعه تحت تصرف المرضى الموريتانيين. يتكون المنزل من غرفة واحدة تجمع الجميع، رجالا ونساء. خلف الغرفة الوحيدة، أقاموا توسعة من القش والعيدان اعتمادا على شجرة في المنزل وأسمال بالية وحصائر وصفائح خشبية.


عالقون بسبب الديون


يظل مالك ولد موسى عالقا بلا جواز وقد تتدهور حالته من جديد بسبب عجزه المالي (تصوير الأخبار)

يظل مالك ولد موسى عالقا بلا جواز وقد تتدهور حالته من جديد بسبب عجزه المالي (تصوير الأخبار)

يقوم من يصادف وجودهم في المنزل بتسديد فواتير الكهرباء والماء. يدفع كل حسب قدرته لكي يتجنبوا انقطاع الخدمة.

يهتم مالك ولد موسى (1954-مال)، وهو من أسن مرضى السرطان القاطنين في المنزل، بالفواتير التي يحتفظ بأوصال تسديدها في ملف خاص رغم أنه أحوج إلى تسديد سبعة وعشرين ألف درهم (تسعمائة ألف أوقية) تحتجز إحدى الصيدليات بالرباط جواز سفره ضمانا مقابلها.

يتابع ولد موسى علاجا كيمياويا لسرطان الدم. أكمل المرحلة الأولى وهي عبارة عن تسع جرعات تمكن من تسديد ثمن سبع منها غير أنه عجز عن تسديد ثمن الأخيرتين واضطر إلى استدانتهما. تحسنت حال ولد موسى ولديه عطلة 3 أشهر غير أنه يظل عالقا لأنه لا يتوفر على جواز وقد تتبخر تماما أحلامه في الشفاء أمام عجزه عن التكاليف المالية التي تجاوزت طاقة تحمل عائلته في موريتانيا.

ولد أخيارهم: لا أثر للسفارة هنا (تصوير الأخبار)

ولد أخيارهم: لا أثر للسفارة هنا (تصوير الأخبار)

طرح ولد موسى مشكلته على السفارة الموريتانية بالرباط إلا أنها لم تتعاون معه كما يقول، بيد أن المسؤولين فيها عاتبوه بشأن رهن جواز سفره. "ما الذي بوسعي أن أفعله؟ لا أريد أن أقطع العلاج وسأفعل كل شيء لأحصل عليه. لم أسلم جوازي اختيارا" يتساءل ولد موسى.

وإلى جانب المرضى السابقين، تقطن في ذات المنزل إنجيه بنت اسغير (المجرية) وخيته بنت أعمر ولد بلال. تعاني الاثنتان من مضاعفات تقطع العلاج بسبب العجز المالي فيما يحتجز جواز بنت أعمر مقابل أدوية اقترضتها.

محفوظة بنت الخير ليست أفضل حالا فبعد أن خضعت لجراحة في الثدي في نواكشوط لم تؤت العملية النتائج المرجوة ليتقرر توجيهها إلى المغرب وهي لا زالت في بداية الإجراءات وتعرب عن قلقها البالغ بسبب ما يتحدث به المرضى من غلاء في أسعار العلاجات وطول الإجراءات.

أما الداه ولد أخيارهم (1977-روصو) فخضع لعملية استئصال كامل لفكه الذي كان يعاني من سرطان يتطلب الجراحة. أزيل فكه وتم توجيهه إلى العلاج بالأشعة. ورغم تحسن وضعه فإن ولد أخيارهم يعاني آلاما مبرحة ويظل عاجزا عن اقتناء بعض أدويته. "لا أثر للسفارة هنا. وليس هنا من يمثل بلدي" كما يقول، بصعوبة، ولد أخيارهم الذي يكاد يفقد القدرة على الكلام.


جهد متواضع


"لا أحد يساعدنا باستثناء الطلاب" عبارة رددها أكثر من مريض. في الواقع، تمثل الجالية الطلابية أهم معين لهؤلاء رغم تواضع مستوى دخل الطلبة وضعف إمكاناتهم.

وتشرح النجاح بنت سيدي أحمد، وهي ناشطة في صفوف الجالية الطلابية الموريتانية في الرباط تقود مبادرة بين زميلاتها لدعم المرضى، كيف أن هذه الشريحة من المرضى التي لا تتوفر على تأمين تعتبر الأكثر هشاشة.

وبينما تعتبر وضعية المرضى المؤمنين من قبل الصندوق الوطني للضمان الصحي أقل سوءا حيث تتكلف تلك الجهة ثمن العلاج والسفر فإن غير المؤمّنين من المرضى، كما تشرح بنت سيدي أحمد، يتكلفون كل شيء باستثناء ثمن السرير (ثمن الحجز في المستشفى) والحال أن اغلبهم من ذوي الدخل المحدود.

وتدعو النجاح بنت سيدي أحمد إلى دعم حقيقي لهذه الشريحة من المرضى. "تحاول الطالبات –كما توضح- دعمهم بمواد غذائية وملابس ويقدمن لهم أحيانا مساعدات عينية. لكنه جهد يظل متواضعا ومتقطعا. إنهم بحاجة حقيقية إلى مبالغ، تكون طائلة أحيانا، لدفع أقساط العلاج".

وترى بنت سيدي أحمد ضرورة التفاتة جادة من قبل الجمعيات الخيرية الموريتانية إلى هذه الفئة من المرضى الذين لا يجدون في بلدهم بنى صحية لاستقبالهم ولا يتوفرون على القدرات المادية التي تمكنهم من الاستشفاء خارج البلاد، كما تقول.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!