التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:05:39 غرينتش


تاريخ الإضافة : 17.09.2009 15:08:26

زيارة ليبرمان لإفريقيا... الدلالات والمحطات و الحصيلة

تقديم :

سيدي ولد عبد المالك  (*) sidimalik@maktoob.com

سيدي ولد عبد المالك (*) [email protected]

أنهي وزير الخارجية اسرائيلي افيغدور لبيرمان مؤخرا زيارة قادته لخمس دول إفريقية هي إثيوبيا، غانا، أوغندا، كينيا، ونيجريا،و مع أن كل دول برنامج الزيارة تعد محطات تقليدية لإسرائيل، يبقي اللافت في الجولة توقيتها و ظرفيتها. فالزيارة تأتي بعد سنوات من القطيعة للمسؤولين الرسميين الإسرائليين الكبار مع القارة السمراء. كما تأتي عقب جولة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري إكيلنتون للمنطقة، جولة سبقتها بقليل زيارة سيد البيت الأبيض لغانا.

علي صعيد آخر فإن إسرائيل التي تجمعها كفة مصالح واحدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، باتت تستشعر النفوذ المتعاظم لإيران و الصين في القارة السمراء، التي تمثل عمقا استراتيجيا لا يستهان به، و سوقا استهلاكية ضخمة. و ما قد يكون لها النفوذ من تأثير سلبي علي مصالحها و مصالح ربيبتها الولايات المتحدة الأمريكية.

و بالإضافة إلى التخوف من الدور الإيراني في إفريقيا، فإن هناك دافعا آخر للجولة و هو تصحيح صورة حكام تلابيب و علي وجه الخصوص اليمين المتطرف الحاكم حاليا في إسرائيل، و ذلك مع بدء انكشاف حقيقية إسرائيل الدموية صاحبة الصورة القبيحة و السيئة و السجل الأسود في الجرائم الإنسانية ضد الشعب الفلسطيني، لبعض المنخدعين بتزييفها، و المضللين بالإعلام التابع و المساير لها.

شيء من التاريخ:

كان مؤتمر باندونغ سنة 1955 -الذي أذن بميلاد تحالف دولي جديد ضد الإمبريالية -،المحفز وراء الاهتمام الإسرائيلي بإفريقيا. فمؤتمر باندونغ تمخض عن دعم واضح للقضية الفلسطينية، حيث طالب بيانه الختامي بمساندة الشعب العربي الفلسطيني و دعم نضاله المشروع و قضيته العادلة حتي ينال حقوقه كاملة غير منقوصة.

إسرائيل رأت في باندونغ نجاحا باهرا للمحور العربي و خلقا لدور جيوسياسي لمصر التي كانت تتصدر رأس حربة العرب في الصراع العربي الإسرائيلي. وبحثا عن تحقيق اختراق علي مستوي القارة السمراء يحقق توازنا في التحالفات قررت إسرائيل دخول إفريقيا لاستقطاب أصدقاء لها، معتبرة أن ذلك قد يساهم في كسر حاجز العزلة المفروض عليها في باندونغ .

وتعتبر كولدا مائير أول مهندسة للعلاقات الإسرائيلية - الإفريقية، فقد حرصت مائير أثناء إدارتها لدفة وزارة الخارجية الإسرائيلية علي أن تكون بلادها حاضرة في المناسبات الإفريقية و بتمثيل رسمي كبير، وأخذت العلاقات في زمن مائير منحا تصاعديا مضطردا، و في عهدها تم إنشاء إدارة مكلفة بالتعاون مع إفريقيا علي مستوي وزارة الخارجية سنة 1958، و في سنة 1960 تم إنشاء قسم خاص للمساعدات الخارجية لإفريقيا علي مستوي نفس الوزارة.

و قد تعددت الأساليب الإسرائيلية لإيجاد موطئ قدم لها في إفريقيا، فلعبت إسرائيل علي وتر الإنتماء للملة الواحدة (يهود أثيوبيا)، كما ركزت علي البروستانتيين الأفارقة المقربين من الإنجليين، واستفادت من علاقات التيارات و الأحزاب اليسارية الإسرائيلية ذات الصلة باليسار الأممي. ولا ينسي فضل القوي الاستعمارية القديمة (بريطانيا، فرنسا، بلجيكا) لإفريقيا علي إسرائيل، فقد ساعدت هذه القوي مجتمعة و منفردة في إقناع بعض العواصم الإفريقية بجدوائية التطبيع مع إسرائيل. وبعد المقاطعة الإفريقية لإسرائيل بسب حرب 1973، تكفلت هذه الدول بحماية المصالح الإسرائيلية بإفريقيا. هذا بالإضافة إلى الدور الكبير لأمريكا راعية إسرائيل علي كافة الصعد، فقد سخرت الولايات المتحدة كل جهودها لفتح قنوات لإسرائيل في إفريقيا، وقد سربت وثيقة عن البيت الأبيض في مايو1967 أظهرت أن الولايات المتحدة الأمركية تساهم في جزء من ميزانية إسرائيل المخصصة لدعم التعاون مع إفريقيا.

و نتوقف هنا بإيجاز لرصد العلاقات التاريخية الخاصة لإسرائيل مع محطات الوزير الإسرائيلي:

1-أثيوبيا: كانت أول بلد إفريقي يحتضن ممثلية دبلوماسية (قنصلية) لإسرائيل سنة 1957، وتعد أثيوبيا من أقوي وأقدم الدول الإفريقية علاقات بإسرائيل، ويعد اعتبار أثيوبيا أرضا لليهود الفلاشا سرا لهذه العلاقة الحميمية.

2-نيجيريا: تسللت إسرائيل إلى هذا البلد ذي الأغلبية المسلمة، عشية استقلاله، واستطاعت أن تنجح في إقامة منشآت اقتصادية مهمة وكانت تمتلك شركة ضخمة للإنشاء و التعمير اسمها "نيوجيرسال". كما كانت إسرائيل داعما سخيا للانفصاليين النيجيريين في حرب ابيافرا الأهلية لعام 1967. كما ترتكز في نيجيريا جالية إسرائيلية كبيرة و ذات نفوذ إقتصادي ضخم.
وكانت نيجيريا قد وقعت مع إسرائيل صفقة للسلاح بقيمة 500 مليون دولار في السنوات الأخيرة.

3-غانا: ساهم حضور كولدا مائير لفاعليات تخليد الاستقلال في غانا سنة 1957 في تطوير العلاقات بين البلدين، لكن العنصر البارز في تحسن العلاقات يرجع من جهة إلى الخلفية الدينية للزعيم الأفريقي الكبير، و الأب المؤسس لغانا أكوام أنكروما. فأكروما تربي على يد الإرساليات البروستانيية التي تؤمن بالعودة المزعومة لليهود إلى فلسطين، و من جهة أخرى إلى تأثر أنكروما و إعجابه بالجاميكي ماركوس كارفي المناصر لإسرائيل.

4-كينيا: اعترفت كينيا سنة استقلالها 1963 بإسرائيل، وتعد كينيا شريكا مهما لإسرائيل كما كانت في طليعة الدول التي طبعت مع إسرائيل سنة 1988، بعد قرار الدول الإفريقية سنة 1973 قطع علاقاتها مع إسرائيل. و قد تعززت العلاقات بشكل أكثر في الجوانب الأمنية عام 2002 بعد تفجيرات راح ضحيتها 18 سائحا من بينهم إسرائليين بفندق في مدينة مامباسا.

5-أوغندا: كانت أوغندا من ضمن الخيارات المقترحة "كأرض ميعاد" لليهود فترة شتاتهم، وذلك لما تتمتع به من موارد طبيعية. وظلت أفئدة اليهود تهوي إلى هذا البلد الإفريقي حتى بعد اغتصابهم لفلسطين بمباركة بريطانية. فأوغندا كانت في طليعة الدول المطبعة مع إسرائيل، ولم تتوتر علاقات الطرفين إلا سنة 1976 علي خلفية تحرير كوماندوز إسرائيلي لرهائن مختطفين من طرف فدائيين فلسطينيين في مطار أنتبي ،حيث أسفرت العملية عن مقتل منفذي العملية إضافة إلي جنود أوغنديين، وقد أثارت العملية استياء أوغندا من التصرف الإسرائيلي دون الرجوع إليها.

ملفات علي الطاولة:

الاقتصاد و الأمن وحث الدول افريقية علي لعب دور إيجابي لصالح إسرائيل في المنظمات الدولية و الإقليمية كمنظمة المؤتمر الإسلامي و الإتحاد الإفريقي، كانت أبرز ما حملته جعبة الوزير الإسرائيلي.

فمن أثيوبيا التي كانت المحطة الأولي لليبرمان، اختار الوزير الإسرائيلي أن يرد ضمنيا علي الزعيم الليبي معمر القذافي، وذلك بدعوته الدول الإفريقية للمساهمة في دعم جهود ما سماه بالاعتدال و المصالحة بالشرق الوسط، مؤكدا أن هذه الدول بإمكانها ذلك إن أرادت، كما طلب ليبرمان الدول الإفريقية بعدم القبول بالتسيير الأحادي للاتحاد الإفريقي في إشارة إلى هجوم القذافي الأخير علي إسرائيل بمناسبة عيد الفاتح من سبتمبر. والذي طالب فيه بإغلاق السفارات الإسرائيلية بإفريقيا، محذرا الأفارقة من الوقوع في شراك إسرائيل، التي لن تجلب لإفريقيا إلا الفتن و تأجيج النزاعات.

حديث ليبرمان عن السياسية، خاصة ما يصفه بالاعتدال و التطرف في الشرق الأوسط كان أكثر إسهابا في نيجيريا، ربما لأمر فرضته من جهة كون غالبية السكان من المسلمين، و من جهة أخري اللعب علي وتر المواجهات الأخيرة بين جماعة بوكو- حرام و السلطات الفدرالية. ليبرمان حاول في أبوجا تحميل حركات المقاومة الإسلامية و بالتحديد حماس و الجهاد الإسلامي و حزب الله مسؤولية تدهور الأوضاع في الشرق الأوسط، مقسما جناحي الصراع إلي طرفين وفق التقسمة التقليدية (الاعتدال و التطرف) المنتجة باشتراك صهيوني –أمريكي.

وفي أوغندا اعتبرت مشاركة الوزير الإسرائيلي في مناسبة ذكري الجنود الذين سقطوا في قضية أنتبي 1976 اعتذارا ضمنيا من إسرائيل عن تلك الحادثة.

تصدر إسرائيل سنويا ما قيمته 3 بليون دولارمن البضائع و الخدمات إلى إفريقيا و لذا فلا غرابة أن يكون الملف الاقتصادي الأبرز في زيارة ليبرمان المرفوق بوفد من رجالات الأعمال الإسرائليين تجاوز العشرين.

الجانب الاقتصادي لعب عليه المسؤول الإسرائيلي كثيرا كما أراد أن يجعل منه وسيلة لتحقيق تغلغل اقتصادي في إفريقيا و ذلك بتوقيعه لاتفاق تعاون مع المنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا التي حرص المسؤول الإسرائيلي أن تكون البوابة لها الدول الأعضاء الأنكلوفونية (غانا و نيجيريا).

فقد أفتتح ليبرمان في أديس- أبابا منتدى اقتصاديا أثيوبيا-إسرائيليا لتعميق التعاون في كافة المجالات الاقتصادية بين الجانبين.

و في غانا كان التعاون الاقتصادي في صدارة جدول أعمال ليبرمان، حيث أكد أن بلاده ستعمل علي نقل تجاربها في مجالي الزراعة و الري حتي تتمكن غانا من تطوير محاصيلها الزراعية، وذلك بعد توقيع الطرفين لاتفاقية في التعاون الزراعي.

محطة أبوجا و إن ركزت علي السياسية فإنها لم تهمل الاقتصاد و التجارة فقد تم افتتاح القمة التجارية الاقتصادية الدولية النيجيرية- الإسرائيلية، كما توقع المسؤول الإسرائيلي بعد توقيع إتفاقيات للتعاون التجاري و الاقتصادي بين الطرفين أن يصل حجم التبادلات في العام المقبل إلي 500 مليار دولار أمريكي.

خاتمة:

الزيارة علي ما أحيطت به من صخب إعلامي لا تحقق إختراقا جديدا لإسرائيل في إفريقيا، فسقوط محطة أنغولا الشريك الاقتصادي المعتبر لإسرائيل (حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 400 مليون دولار سنة 2006) و التي كانت مدرجة علي جدول الزيارة دون تقديم مبررات موضوعية للإلغاء، وعجز إسرائيل عن استقطاب بلد بحجم و مكانة جنوب إفريقيا، التي يتجاوز عدد سكانها من اليهود 80 ألف نسمة وفق إحصائيات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي لعام 2000، وغياب محطة أريتيريا التي غالبا ما تستخدمها إسرائيل كمطية لتحقيق بعض أهدافها العدوانية في القرن الإفريقي، كل هذه الملاحظات تعزز الوصف الذي أعطته صحيفة هآرتس الإسرائيلية للزيارة علي أنها: "مهمة صغيرة".

(*) كاتب موريتاني مهتم بالشؤون الإفريقية


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!