التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:21:36 غرينتش


تاريخ الإضافة : 13.02.2008 15:27:22

واقع الأحزاب السياسية في الوطن العربي ( سماتها العامة وأهم أزماتها الراهنة )

*بقلم ألب ولد معلوم Albou20@hotmail.com

*بقلم ألب ولد معلوم [email protected]

تعود البداية الفعلية لظهور أول حزب سياسي في الوطن العربي إلى فجر القرن العشرين إلا أن المقدمات والظروف التي مهدت لقيام هذه الظاهرة قد سبقت ذلك بكثير ( يرجعها البعض إلى بدايات القرن التاسع عشر ) .
وانطلاقا من أهمية التعرف على واقع التجربة الحزبية في الوطن العربي وتقيمها فإننا سنحاول البحث في السمات العامة للأحزاب العربية و ابرز ما تعانيه من مشكلات وأزمات عديدة
أولاً - السمات العامة للأحزاب العربية :
إذا كانت الأحزاب في الغرب نشأت كاستجابة للواقع الاجتماعي والسياسي في تلك المجتمعات إذ ارتبطت بنمو الديموقراطية والحياة البرلمانية ،إلا أنَّ الظاهرة الحزبية العربية اختلفت في ظروف نشأتها عن الحالة الغربية. ويرى الدكتور" فارس أبي صعب" أنًّ هناك ثلاث مسائل اختلفت بها هذه النشأة عن الحالة الغربية .
الأولى : إن التجارب الحزبية العربية كانت محكومة بردّ الفعل أكثر منه بالفعل .
الثانية : إن العامل التاريخي كان العامل الأهم في قيام معظم الأحزاب العربية دون إلغاء وجود أرضية خصبة لبروز الأحزاب في الوطن العربي .
الثالثة : أن الأحزاب العربية لم تولد من رحم الديموقراطية ولا كانت الديموقراطية بدورها تمثل محور اهتمامات وتحديات وأهداف تلك الأحزاب، " على الرغم من احتلال مسألة بناء الدولة الحديثة وفق أفكار عصر التنوير الأوربي حيَزاً مهماً في أدبيات رواد عصر النهضة العربية الذين ساهموا في مجيء المرحلة الجمعياتية التي مثلت بدورها المرحلة الجنينية للأحزاب العربية الحديثة " ، أما فيما يتعلق بالسمات العامة للأحزاب العربية ، فيمكن إجمالها بما يلي :
1- شيوع ظاهرة التحزُّب على حساب ظاهرة الحزبية، فأغلب منتسبي الأحزاب العربية لا تجذبهم البرامج الحزبية، وإنما الولاء لشخص لديه تأثير معين، وبخلاف ذلك نجد الحالة الغربية تعبِّر فيها الأحزاب عن روح التكامل من خلال الاتفاق على تقسيم العمل السياسي بين أحزاب حاكمة وأخرى تلعب دور المعارضة " ومثل هذا التصور للعمل الحزبي قد افترض بداية الانطلاق من فكرة القبول بوجود الآخر وهي فكرة غير مُتَجذِّرة في الممارسة السياسية العربية " . ويرى بعض الباحثين أنَّ ارتباط النشأة الحزبية العربية بفترة الخضوع للاستعمار جعل هذا الأخير ينجح في استثمار هذه الخاصية لضرب القوى الوطنية بعضها ببعض ونشر الشكوك والاتهامات بينها عن طريق تصنيف الأحزاب القائمة إلى معتدلة وأخرى متطرفة حسب قربها منه .
" ومع بدء ظهور الأحزاب الإيديولوجية (كالقومية والشيوعية والإسلامية) تعمقت الظاهرة بصورة أكثر، وتحوّل مفهوم العمل الحزبي من الإقرار بمبدأ تبادل الأدوار إلى الاجتهاد في نفي وجود الأخر المغاير في التوجه السياسي " .
2- ارتباط نشأة الحزب واستمراره بشخص مؤسِّسه، وهذا ما يمكن أن يطلق عليه شخصنة الأحزاب العربية، وينجم ذلك عادةً عن غياب الديموقراطية داخل الأحزاب فلا توجد انتخابات داخلية لتجديد القيادة والتداول السلمي للسلطة ، ومثال ذلك ارتباط نشأة حزب الكتائب اللبناني بشخص "بيار الجميل" في عام/1936/ والتقدمي الاشتراكي بمؤسِّسه "كمال جنبلاط" في عام/1949/، وحزب الوطنيين الأحرار "بكميل شمعون "/1958/. وفي المغرب ، ارتبطت نشأة حزب الاستقلال بمؤسِّسه "علال الفاسي" /1943/ ، وحزب الإصلاح الوطني بمؤسِّسه "عبد الخالق طويس" وحزب الوحدة المغربية بمؤسِّسه "المكي الناصري" و الحزب الاجتماعي القومي السوري بمؤسِّسه "انطون سعادة "عام/1932/ ، وحزب الحركة الاشتراكية الوحدوي بمؤسِّسه "سامي صوفان" وفي مصر، ارتبط الحزب الوطني بمؤسِّسه "مصطفى كامل " عام/1907/ ، وحزب الوفد بمؤسِّسه "سعد زغلول " /1918/ ، وحزب الأحرار الدستوريين بشخصية مؤسِّسه" عدلي يكن "عام/1922/، وحزب الكتلة الوفدية في عام/1941/ بشخص مكرم .
3- التشرذم والانشقاق :
فالواقع يثبت أن تاريخ الأحزاب السياسية العربية هو تاريخ تشظي وانشقاقات، ويعود ذلك إلى أسباب سياسية وشخصية وطائفية . " وتُعَدُّ الحالة السورية بالغة الدلالة على تداخل العديد من العوامل المُسَببة لظاهرة الانشقاقات الحزبية فالخلاف بين أكرم الحوراني من جهة ، وميشيل عفلق وصلاح البيطار من جهة أخرى ، حول قضية الوحدة مع مصر أدَّى إلى انسلاخ الأول و عودته الى حزبه السابق ، كما أن الصراع بين القيادة الشرعية للبعث و"سامي صوفان" حول القضية ذاتها أدَّى إلى تكوين الحركة الاشتراكية الوحدوية . هذا بخلاف قائمة طويلة من الصراعات بين أمين الحافظ ومحمد عمران ثم أمين الحافظ وصلاح جديد " . وفي المغرب انشّق حزب الاتحاد الوطني للقوى الشعبية عن حزب الاستقلال ، وعن هذا الأخير انشقت حركة /23/ مارس التي لم تسلم أيضاً من الانقسام ، حيث عاد بعض المنشقين إلى الاتحاد الوطني من جديد. ومن الاتحاد الوطني للقوى الشعبية انشَّق الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية . وفي عام/1957/ , تأسَّس حزب الحركة الشعبية الذي انشّق عن حزب الحركة الشعبية الديمقراطية والدستورية في عام/1967/. وفي الجزائر, تنازع نحو /16/ حزباً تمثل التيار الإسلامي في بداية التسعينات, ومن أهمها حركة حماس والنهضة وحزب الحركة من أجل الديمقراطية . وفي موريتانيا تعرَّض حزب اتحاد القوى الديمقراطية الذي كان يمثل الحاضن الرئيس للمعارضة , إلى انشقاقات وانقسامات كبيرة أدَّت إلى خروج أكثر من أربعة أحزاب من رحمه, أبرزها: حزب العمل من أجل التغيير ، اتحاد قوى التقدم ، تكتل القوى الديموقراطية.
4- ضعف التعبئة الجماهيرية :
ويعود ذلك إلى عدم الثقة الجماهيرية في برامج الأحزاب وعدم قدرتها على تحقيق مطالب الشعوب. فالأحزاب العربية تحرص على المصالح الشخصية للقيادات ولا يهمها في كثير من الأحيان مصالح ومطالب الجماهير, إضافة إلى أنَّ هذه الأحزاب أثبتت أنها لا تجيد فن وآليات التواصل مع الجماهير, وبالتالي تحريك هذه الجماهير للضغط على الحكومات من أجل الإصلاح والتغيير المنشود .
5- إنَّ الأحزاب العربية هي أحزاب موسمية, بمعنى أنها تظهر فقط أيام الحملات الانتخابية أو المناسبات المعينة ثم تختفي بعد ذلك .
6- في الدول العربية التي تعرف نوعاً من التعددية الحزبية, تجري الانتخابات, ليس على أسس البرامج الحزبية, وإنما استناداً إلى قضايا وتوازنات أخرى لاعلاقة لها بالبرامج الانتخابية. ويمكن إرجاع ذلك إلى عجز الأحزاب العربية عن خلق ثقافة سياسية مدنية ووعي سياسي, ما يعني أنَّ الأحزاب العربية لمَّا تنضج بعد ,الأمر الذي يفتح المجال للتشكلات والانتماءات الأخرى مثل العائلة والطائفية .
7- معظم الأحزاب العربية لا تملك قواعد شعبية تمتد إلى كل أنحاء البلد, فهي تكتفي بوجود مكاتب لها في العواصم والمدن الكبرى وهذا يبين مدى الانقطاع بين الأحزاب وقواعدها الشعبية " إنها ليست أحزاب توحيد وصهر ودمج إن معظمها يوجه كل عنايته للمثقفين أو فئة منهم " .
8- معظم الأحزاب العربية تعاني طلاقاً بين المبادئ والأفعال, فأغلبها لا تلتزم بمبادئها وقراراتها, ولذلك نجد في الغالب " هوة سحيقة بين المبادئ البرَّاقة التي تعلنها وبين التصرفات السياسية التي تصدر عنها " .
9- " إنَّ الوصولية والانتهازية من أمراضنا الحزبية " ، فالهم الوحيد لأغلب الأحزاب العربية هو الوصول إلى السلطة لتحقيق منافع شخصية, ولا يهمها كثيراً إقناع الرأي العام بمبادئها .
10-لا تمتلك أغلب الأحزاب العربية برامج عملية علمية صالحة للتنفيذ إذا ما وصلت إلى سدة الحكم, فهذه الأحزاب تكتفي فقط برفع شعارات وتدوين مبادئ عامة وحشو بياناتها بأحدث الأفكار والنظريات المستوردة, والتي قد لا تكون صالحة لمجتمعنا أو نابعة من واقعنا الخاص .
11- هشاشة التنظيم :
تَّتسم الأحزاب العربية, كغيرها من أحزاب العالم النامي بهشاشة بنائها التنظيمي الداخلي ويعود ذلك إلى :
أ- حداثة النشأة بالمقارنة مع نظيراتها بالدول الصناعية المتقدمة .
ب - التعرض للترهيب المستمر والقمع والملاحقة والحلَّ من قبل الأنظمة التسَّلطية .
ج - هيمنة الثقافة الأبوية في العمل السياسي لدى المجتمعات العربية

ثانياً - المشاكل والأزمات الراهنة للأحزاب العربية :
لا يمكن الحديث عن المشكلات والأزمات الراهنة للأحزاب العربية قبل الإطلاع أولاًً على واقع الحياة الحزبية في البلدان العربية.
إنَّ واقع الحياة الحزبية يبَّين أنَّ هناك مجموعة من البلدان العربية تتمتع بحياة حزبية, مثل السودان والأردن ولبنان ومصر والمغرب وتونس وموريتانيا واليمن وسورية كلُّ هذه الدول تسمح بالعمل الحزبي بشكل عام مع تفاوت بينهما في ذلك .بينما ما تزال الأحزاب محظورة في بلدان عربية أخرى هي : السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات وعُمان وليبيا. وتمثل العراق قبل الغزو الأمريكي - البريطاني دولة الحزب الواحد. وتبدو السودان أكثر نضجاً في الحياة الحزبية, فقد تنافس فيها كلُّ من حزب الأمة وحزب الاتحاد مرات عدة من عام/1956/ وحتى /1989/ , كما انضم إلى حلبة التنافس حزب الجبهة الإسلامية ومع ما تم من انقلابات عسكرية, إلا أنَّ هذه الأحزاب ظلت قائمة وتعمل بحُّرية نسبية . ومع توفر قدر ما من الحرية للعمل الحزبي في عدة دول عربية, فإنَّ هذه الأحزاب مازالت لمَّا تتمكن من فرصة المشاركة الحقيقية في السلطة انطلاقاً من التنافس والتداول السلمي لها بسبب احتكارها من طرف الأنظمة العربية ، " وتواجه الأحزاب السياسية حالة تشريعية ( قوانين الانتخابات البرلمانية ) وكأنها مصممة لمنع وصول الأحزاب السياسية إلى الأغلبية البرلمانية أو إمكانية التحالف والإتلاف فيما بينها لتنسيق الانتخابات " .
ونظراً لما نعتقده من أهمية القوانين والتشريعات, إما في تقدُّم الحياة الحزبية وازدهارها, أو في منعها والتضييق عليها فإننا سنوليها بعض الاهتمام لا سيما بعد إطلاعنا على مدى العوائق التي تعترض العمل الحزبي في الوطن العربي من جرَّاء القوانين والتشريعات وقد اكتفينا بتناول نماذج من الدول العربية هي لبنان والأردن ومصر .
1- لبنان :
رغم عراقة الظاهرة الحزبية في لبنان, والتي تعود إلى فترة الانتداب الفرنسي, إلا أنَّ هذا الحضور الحزبي لم يواكبه فيما يبدو نظام قانوني يحميه ويشرعن وجوده . ونتيجة غياب قانون لأحزاب في لبنان, فإنَّ الأحزاب السياسية اللبنانية ما زالت تخضع لقانون الجمعيات العثماني الصادر بتاريخ 3 آب/ أغسطس 1909 . كما أنَّ الدستور اللبناني لم يتطرَّق إلى موضوع الأحزاب السياسية بالرغم من إقراره بمبدأ حرية الرأي والاجتماع وتأليف الجمعيات
ويرى أستاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية" شوكت أشتي" أنَّ "هذا الوضع جعل حرية النشاط الحزبي وعمله وتأليفه خاضعاً لأهواء السلطات المتعاقبة, وهَمًّش بالتالي الاتجاه الليبرالي الذي نصت عليه المادة /13/ من الدستور " .
وهكذا خضعت الأحزاب اللبنانية لمزاجية السلطات المتعاقبة في لبنان, ويبيِّن الدكتور "شوكت أشتي" أنَّ ذلك أثَّر في مسار العملية الديموقراطية في لبنان, وترك بصمات سلبية على الحضور الحزبي في بلاده ،كما يقدِّم عرضاً مفصلاً لتاريخ حل الأحزاب السياسية قبل الاستقلال وبعده بسبب غياب قانون الأحزاب, ومن ذلك على سبيل المثال حلِّ حزب الكتائب عام/1937/, والحزب التقدمي الاشتراكي في عهد كميل شمعون, إضافة لصدور قرار بمنع حزب القوات اللبنانية عام/1994/ .

2- الأردن :
مثَّلت فترة أواسط الخمسينات أول بداية لظهور التشريعات والقوانين التي تحكم الحياة الحزبية في الأردن بعد أن كان يحكمها قانون الجمعيات العثماني والأردني في فترة لاحقة . لكن قانون عام 1992, وإن كان بمثابة خطوة هامة في سبيل تطور الحياة الحزبية في الأردن, إلا أنه تضمَّن العديد من التعقيدات والضوابط المبالغ فيها, والتي تعكس الخوف والتوجُّس لدى النظام من الأحزاب," كما لم يوضِّح المركز القانوني للأحزاب السياسية والتداول السلمي للسلطة " كما أنه لا يمكن فصل الروح العامة لقانون الأحزاب عن الثقافة السياسية السائدة في الأردن, فما زالت هذه الثقافة تعبِّر عن الشك, بل والعداء, للأحزاب, وترى الحكومات المتعاقبة فيها مصدراً للخطر على الاستقرار والأمن في البلاد" .

وهذا يبيِّن أنَّ العلاقة التي تربط الدولة الأردنية بالأحزاب تتَّسم بعدم الثقة المتبادلة إلى حدٍّ كبير ، فالدولة تُشَكِّك في ولاء الأحزاب, وتَّتهمها بالارتباط بالخارج وعدم إعطائها أولوية للمصلحة الوطنية. والأحزاب من جهتها تَّتهم الحكومات المتعاقبة بقمع الحريات العامة, وتنفيذ سياسات عامة ضد مصلحة البلاد إضافة إلى عمل ما بوسعها لإضعاف الأحزاب وتجاهل مطالبها وآرائها حول القضايا العامة .

وبإلقاء نظرة سريعة على واقع الأحزاب الأردنية داخل المجتمع, فسنجد أنَّ علاقة الطرفين ليست أفضل من تلك التي تربط السلطة بالأحزاب ، وقد لعبت الظروف التاريخية لمسيرة تطور النظام السياسي والمشاركة السياسية دوراً كبيراً في علاقة الأحزاب بالمجتمع الأردني .
ويمكن القول أنَّ الطريقة التي تطوَّرت بها علاقة النظام السياسي بالمجتمع تُّؤثر بصورة مباشرة في علاقة الأحزاب بالمجتمع ، فكلٌّ من الدولة والمجتمع آثر التعامل المباشر مع الآخر دون المرور بواسطة القنوات الحزبية, وقد استفادت الدولة في هذا الجانب من ميزة كونها السابقة على الأحزاب الأمر الذي مكنها من اختيار الأسلوب الذي تراه مناسباً في التعامل معه ، وهذا الوضع قد جعل دور الأحزاب غير ضروري للوصول إلى السلطة و لتقديم الخدمات وحل المشكلات. وهكذا ,يمكن القول إنَّ كلاً من الدولة والمجتمع لم يكن بحاجة إلى الأحزاب السياسية في علاقتهما وتحقيق مصالحهما المشتركة ، يضاف إلى هذا أنَّ ميراث العمل الحزبي السِّري والقمع والملاحقة خلق نظرة سلبية للأحزاب والخوف من الانتماء إليها . وتشير استطلاعات الرأي إلى تدني الانتماء الحزبي في الأردن, حيث لا يتجاوز /0.8%/ في عام/2002/, مسجلاً تراجعاً عن /4.1%/ عام/1993/ ، وهذا الواقع انعكس سلبياً على الأداء الحزبي, بحيث لم تستطع هذه الأحزاب إيصال أعضائها الحزبيين إلى قبة البرلمان, وبالتالي فإنَّ أغلبية أعضاء البرلمان تأتي من خلفيات عشائرية ومستقلَّة, وقد عبرت انتخابات /2003/ عن مدى التراجع الواضح للأحزاب وإن بدرجات متفاوتة .

3- مصر :
تعتبر ثورة /1952/ بقيادة الزعيم حمال عبد الناصر تحولاً هاماً في الحياة السياسية المصرية كان لها الأثر البالغ في الحياة الحزبية المصرية على وجه الخصوص ، فقد أقدم النظام الذي تكرس بعد الثورة على حل الأحزاب السياسية في 16/1/1953,حيث لم ير فيها سوى مجرد تجسيد للاحتلال الأجنبي والموالاة للقصر الفاسد . وهكذا استمر العمل بنظام الحزب الواحد إلى فترة وصول السادات للحكم, حيث سمح بنوع من التعددية الحزبية, لا سيما بعد تعديله لقانون الأحزاب, بحيث يُسمَح للجنة شؤون الأحزاب المنشأة عام/1977/ بالبت في طلبات تأسيس أحزاب جديدة ,غير أنَّ هذه اللجنة لم تسمح بالموافقة على تأسيس أي حزب سياسي من بين /70/ طلباً من أجل الترخيص باستثناء ثلاثة أحزاب هي : الوفاق القومي, وحزب الغد والحزب الدستوري, ولم تخلُّ هذه الموافقات من كثير من التضييق والتجميد أحياناً, وهو ما يبيِّن مدى الصعوبات والعراقيل التي تواجه محاولة التعددية الحزبية الحقيقية في مصر ومدى الانسداد السياسي, وهذا ما جعل البعض يتساءل عن ما إذا كان دور هذه اللجنة " هو دور تنظيمي وتنسيقي لتسهيل عملية خروج الأحزاب للمشروعية القانونية ؟؟ أم هو دور تعويقي في الأساس هدف منه النظام المصري أن يكون المسمار الذي يدقُّ في جسد أي كيان سياسي ؟ " .
ولم تكتفِّ هذه اللجنة بمنع الترخيص فقط بل قامت بتجميد بعض الأحزاب القائمة, وكان المبرر الوحيد عدم استيفاء الشروط المطلوبة ، ومع تنامي الدعوات والأصوات المطالبة بإلغائها, اضطرَّ الحزب الحاكم إلى إعادة تشكيل اللجنة لتضم عدداً أكبر من المستقلين من القضاة السابقين ، وهو ما لن يكون له أثر كبير في اعتقادنا .
ولا بُّد من الإشارة في هذا الصدد إلى أنَّ التضييق والمنع من جانب السلطة المصرية تجاه الأحزاب ليس المشكلة الوحيدة الذي تعانيه الأحزاب المصرية, بل ما هو إلا واحداً من جملة أمور وأزمات كثيرة انعكست على أداء وفاعلية هذه الأحزاب, ومن بين تلك المشكلات والأزمات الذاتية للأحزاب المصرية .أزمة القيادة التي تتجسَّد في غياب الديموقراطية الداخلية و تؤدي إلى تفرد شخص واحد في الغالب بالقيادة الحزبية طوال حياته فمنذ إقرار التعددية الحزبية عام/1967/ لم تتغير أغلب قيادات الأحزاب . وقد أدت هذه الظاهرة إلى وجود قيادات طاعنة في السن وما يعنيه ذلك من جمود فكري وإقصاء لجيل الشباب .
إنَّ هذه الشخصنة الحزبية أدَّت إلى ما تشهده الأحزاب المصرية من الصراع المستمر والعنيف, والمثال الأبرز ما حدث عام/1998/ لحزب الأحرار بعيد رحيل مصطفى كمال مراد حيث انفجر صراع مسلح " ووصل عدد المتنازعين على رئاسة الحزب ما يقرب من/9/ رئاسات و/9/ جمعيات عمومية تمارس كل منها رئاسة الحزب على الورق فقط ، وكان أهم المتنازعين على الرئاسة" رجب هلال" و"على سالم" و"طلعت السادات" و"سليم عزوز" و"محمد فريد زكريا" و"الحمزة دعبس" الذي تمكن من توجيه دفة الصراع لصالحه إلى أن توفي فانفجرت الأوضاع مرة أخرى ووصلت إلى الاشتباك بالمسدسات " . كما عصف الصراع والانشقاقات بحزب العمل منذ أن تبَّنى في مؤتمره الخامس /1989/ الاتجاه الإسلامي, والشيء ذاته حصل مع حزب الخضر في عام/1994/ ويشهد حزب مصر العربي الاشتراكي صراعاً على القيادة منذ عام/1996/ ,كما أدت الصراعات والانشقاقات التي شهدها حزب مصر الفتاة إلى تجميد الحزب وإغلاق مقراته .وهذه مجرد أمثلة قليلة تسمح لنا بالقول أنَّ سمة الصراع على القيادة ,وما يصاحبه من عنف أحياناً وتشرذم, يكاد يكون السمة البارزة الملازمة للحياة الحزبية المصرية, يضاف إلها مسألة الحضور العائلي في الأحزاب المصرية.
فحزب الوفد وهو من أعرق الأحزاب السياسية المصرية يعتمد على العائلات الكبيرة مثل عائلة سراج الدين وعائلة أباظة وعائلة فجري عبد النور وعائلة براواوي, والشيء ذاته ينطبق على حزب العمل, وتبدو الصورة جلية تماماً مع حزب الأمة الذي تسيطر عليه عائلة الصباحي إذ يتولى رئاسة الحزب أحمد الصباحي, ومنصب نائب الرئيس يتولاه أحمد الصباحي ,إلى جانب العديد من الأقارب الموجودين في التشكيلة الحزبية, دون أن ننسى حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تزعمه" إبراهيم الترك" خلفاً لوالده . ويتضح مما سبق مدى تعدُّد وتنوع مشكلات الأحزاب العربية وأزماتها, والتي يمكن إعادتها إلى الأسباب التالية :
1- مشكلات لها علاقة بالمجتمعات العربية :فما زالت مجتمعاتنا العربية تتمسك بالبنى العشائرية والولاءات القبلية أكثر من ميلها نحو الإنتماء الحزبي, ما يعني أنَّ هذه المجتمعات تتحكَّم بها ثقافة سياسية يمكن وصفها بالتقليدية أو المتخلِّفة تعيق التقدم بهذا الاتجاه .
2- مشكلات لها علاقة بطبيعة الأحزاب السياسية ذاتها :حيث لم تتمكَّن هذه الأحزاب من إحداث تأثير يذكر, والقيام بدورها في التثقيف والوعي والمشاركة السياسية, بسبب الشخصنة الحزبية الطاغية, وغياب الديمقراطية الداخلية, والعجز عن تقديم برامج سياسية قابلة للتنفيذ وقادرة على إقناع الرأي العام, وهذا ولَّد اتساع الفجوة بين هذه الأحزاب وقواعدها الشعبية .
3- مشاكل لها علاقة بطبيعة الأنظمة السياسية : فقد وجدنا أنَّ الأحزاب مازالت محظورة في بعض البلدان العربية, وفي البعض الأخر تُسَنُّ تشريعات تعيق تطور الأحزاب وقيامها, إضافة إلى الهامش المحدود من جانب الحكومات للمشاركة الحزبية .

ولا بَّد من الإشارة إلى أنه لم يغب عن ذهننا فيما تناولناه مدى التركيز, إن لم نقل قصر السمات الحزبية العامة في الوطن العربي في جانبها السلبي فقط ، ويعود ذلك في جزء منه إلى عمق القصور والثغرات التي رافقت هذه التجربة حديثة النشأة نسبياً, وهو أمر يجعل المظاهر السلبية غالباً أكثر حضوراً ,كما أنَّ إظهار جوانب القصور تلك قد تشجع على تلافيها في المستقبل, ولذلك أهميته الخاصة بلا شك .

** الهوامش **

1) عمل جماعي " الأحزاب السياسية في العالم العربي " المركز اللبناني للدراسات ،/2006/ ص/21/ .
2) د . علي الدين هلال و د . نيفين مسعد " النظم السياسية العربية قضايا الاستمرار والتغيير " مرجع سابق ص/177/
3) المرجع السابق ، ص /176/ .
4) المرجع السابق ، ص /176/
5) المرجع السابق ، ص /176/
6) المرجع السابق ، ص /177/
7) المرجع السابق ، ص /178/
8)عمل جماعي " الديمقراطية والتنمية الديمقراطية في الوطن العربي " ، مركز دراسات الوحدة العربية ، ص/236/
9) د . طارق المجذوب " الإدارة العامة "" كلية الحقوق جامعة بيروت العربية منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت /2003/ ، ص/636/ .
10 ) المرجع السابق ص/637/
11) المرجع السابق ص/637/
12) المرجع السابق ص/637/
13) مجلة السوداني ، العدد/493/ ، 27/3/2007 ، www.alsudani.info
14) " الأحزاب السياسية في الوطن العربي ،/2001/ ، www. Aljazeera.net
15) المرجع السابق
16) عمل جماعي " الأحزاب السياسية في العالم العربي " ، مرجع سابق ، ص/51/ .
17) المرجع السابق ، ص /53/
18) المرجع السابق ، ص /125/
19) المرجع السابق ، ص /124/
20) المرجع السابق ، ص /126/
21) المرجع السابق ، ص /126/
22) أسامة الهيتين " التعددية السياسية في مصر فخ إسكات المعارضة " ، 12/3/2004 ، www.alarabnews.com
23) المرجع السابق
24) المرجع السابق
25) " طمس وجوه الأحزاب السياسية في مصر " ، www.gxptiangreews.com
26) المرجع السابق
27) المرجع السابق
28) المرجع السابق
------------
*باحث موريتاني - دمشق


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!