التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:05:43 غرينتش


تاريخ الإضافة : 21.09.2009 18:33:52

رؤية لواقع البلديات (استنتاجات واقتراحات)

د\عبدي ولد محمد فال \ أمين عام بلدية الرياض

إذا كانت اللامركزية الإدارية قد غدت الأسلوب الأمثل لتحقيق أهداف الدولة المعاصرة سواء تعلق الأمر بالتنمية الاقتصادية أو الاجتماعية أو الإدارية أو الثقافية ...أو تعلق الأمر بتحقيق الديمقراطية والحرية على المستويين المحلي والوطني، فإن تحقيق هذا المطلب يقتضي لامركزية سليمة تتوافر فيها الشروط والمقومات الضرورية لممارسة وظائفها المحددة قانونا على الوجه المطلوب وطبقا للأهداف المرسومة والمأمول الوصول إليها، ومن مقومات اللامركزية الإدارية:
أولا: التحقق من وجود مصالح محلية متميزة تقتضي تقريب إدارة مباشرة .
ثانيا: استقلال مالي وإداري لممارسة الصلاحيات الموكلة للوحدة المحلية
ثالثا: هيئة منتخبة محليا من بين سكان الوحدة المحلية مسؤولة عن تسيير شؤون الهيئة المحلية
رابعا: رقابة من طرف أجهزة الدولة ضمانا لسلامة تسيير الشؤون المحلية من الانحراف
هذه إذن هي أهم أركان اللامركزية وبدون تحقيقها كاملة يظل عملها ناقصا ومن ثمة تبقي عاجزة عن الوصول لأهدافها التي يمكن حصرها في: التنمية من أجل الرفاه لكل المواطنين.
وبالرجوع إلى واقع تجربتنا في مجال اللامركزية الإدارية نجد أنها أسست لمرحلة جديدة في سياق تطور الدولة الموريتانية وخاصة في المجال الإداري فبالإضافة إلى أهمية اللامركزية في توزيع الوظائف الإدارية بين الدولة والوحدات المحلية (البلديات) مما يخفف من عبء المسؤوليات على المركز ويشرك سكان الوحدة المحلية في تسيير شؤونها الخاصة ويكسب القرار الإداري المتخذ على أرض البلدية مصداقية أكبر لكونه نابعا ممن هم أدرى بحقيقة واقع البلدية وبالتالي هم من يستطيعون التعبير عن مشاكلها وأولوياتها، - بالإضافة إلى هذه المزايا فإن اللامركزية الإدارية مجسدة في البلديات ساهمت في خلق نوع من الوعي لدي الجماهير تجلى في الاهتمام والفهم المتزايدين لدور المواطن في التنمية وطموحه للمشاركة في إدارة الشؤون العامة من خلال الترشح للانتخابات وتأسيس الجمعيات الأهلية ذات الأهداف التنموية فضلا عن استيعابه أكثر لمفهوم الدولة وعلاقة الدولة بالمجتمع وعلاقة المجتمع بالدولة (الحقوق والواجبات)، ورغم الإيجابيات المشار إليها آنفا فإن الأهداف الحقيقية التي سعي إليها المشرع الموريتاني من إحداث وحدات لا مركزية تبدو بعيدة المنال وليس هناك أفق على المدى المتوسط لتحقيقها، ويعود ذلك في نظري إلى أسباب متعددة قانونية ومادية وبشرية وسياسية.
الأسباب القانونية:
- يعد القانون المؤطر للبلديات هو الأمر القانوني رقم 87 \289 الصادر بتاريخ 20 أكتوبر 1987 وقد أجريت عليه تعديلات طفيفة لم تمس جوهره وما يلاحظ على هذا القانون أنه لم يعتمد في التقسيم الإداري للبلديات كما هو شأن قانون 242\ 68 الخاص بتنظيم الإدارة الإقليمية على معايير موضوعية ومحددة لهذا التقسيم، وبالتالي كانت النتيجة وجود بلديات لا تملك أي مقومات تؤهلها لتصبح إدارة مسؤولة عن تسيير شؤون سكان محليين.
- لا يشير قانون البلديات على مستوي تعليمي بالنسبة للمترشحين لمنصب العمدة مما يتيح الفرصة لبعض الأميين أن يصلوا إلى هذا المنصب الذي يستدعي أن يكون صاحبه على قدر من الكفاءة تساعده على القيام بواجبه.

لا يفرق قانون 04 – 90 الخاص بالجباية البلدية بين ضرائب البلديات الحضرية والبلديات الريفية وبالتالي حرم البلديات الريفية من موارد جبائية لميزانياتها.
الأسباب المادية:
إذا كانت المادة 1 من قانون البلديات نصت على الاستقلال المالي للبلديات فإن هذا الاستقلال لم يتم تجسيده عمليا فالواقع أنه منذ إنشاء البلديات وهي تعيش تبعية مالية تعسفية لسلطة الوصاية من خلال مساعدات الصندوق الجهوي للتنمية وبالتالي اقتصر جل عمل البلديات على تسيير محتشم لبعض الأمور الإدارية العادية، أما الجانب الاستثماري فكان هامشيا وقليلا في البلديات الحضرية ومنعدم في البلديات الريفية إلا ما كان في إطار مساعدات أو تبرعات مقدمة من طرف بعض الهيئات أو المنظمات الأجنبية المهتمة بالقضايا المحلية.
الأسباب البشرية:
يشكل المورد البشري العنصر المحوري في عملية التنمية التي تنشدها الوحدات المحلية، إذ يمكن القول أنه الفاعل الحقيقي والمحرك الأساس لأي سياسة تنموية، فوضع الإستراتيجيات التنموية وتنفيذها يتوقف على وجود الكادر البشري ذي المهارات والكفاءات اللازمة والواقع أن جل المحليات يفتقر إلى الطاقم البشري الضروري لعملها وإن وجد فهو عديم المهارات قليل الكفاءات لا يغطي المناصب المسموح بها قانونا أو لا يوزع عليها توزيعا سليما، والسمة الغالبة على البلديات هو عدم اهتماماها بموضوع التكوين الذي ثبتت نجاعته كآلية لتطوير القدرات وتحسين مستوى المهارات بالنسبة لأي مؤسسة تريد أن تصنع من مواردها البشرية مصدرا للتنمية الذاتية، وإنما تعول في ذلك على جهات خارجية وأجنبية ولعل السبب في ذلك هو عدم إدراك المسئولين في البلديات لأهمية التكوين بالإضافة إلى ضعف الميزانيات المحلية.
الأسباب السياسية
عملت الأحكام السابقة على توجيه البلديات نحو العمل السياسي الذي يحتم على الجهاز التنفيذي وأغلبيته الذين نجحوا في الانتخابات بفضل ولائهم لحزب الدولة الانخراط في تعبئة المواطنين وكسب ولائهم لصالح حزب كذا ... ولا يمكن لأي بلدية أن تستفيد من مساعدات الدولة إلا إذا كانت تدين بالولاء للحزب الحاكم وفي المقابل كانت الميزانيات البلدية عبارة عن أجر يتقاضاه العمدة نظير جهوده التي يقوم بها لصالح حزب الرئيس.
أما الحديث عن التنمية فلم يتبلور إلا منذ انتخابات 2006 إلا ما كان منه لاستهلاك الرأي العام الوطني وبالتالي يتضح أن أهداف اللامركزية تم تحويل وجهتها منذ البداية من أهداف التنمية على المستوي المحلي إلى أهداف لضبط الناخبين والسيطرة عليهم بواسطة لوبيات تم انتخابها قسرا والنتيجة هي أن البلديات ظلت امتدادا لدوائر الإدارة الإقليمية التابعة لوزارة الداخلية.
وصفوة القول أن تحقيق اللامركزية لأهدافها يقتضي من الدولة العمل على إيجاد الوسائل (القانونية، المادية، البشرية) اللازمة والتي تسمح للوحدات المحلية بممارسة وظائفها وتمكينها والانفتاح في ظل دولة القانون التي يتساوي فيها الحاكم والمحكوم أمام القانون.
وتبقي فاعلية الوسائل المذكورة أعلاه رهينة بمدي إيماننا جميعا بالمواطنة التي هي سلوك حضاري يتجلي في احترام القانون والتفاني في الدفاع عن الأمة(الدولة ) والعمل الدؤوب من أجل الرقي بها نحو التقدم والرفاه.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!