التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:06:41 غرينتش


تاريخ الإضافة : 24.09.2009 09:41:46

قراءة في كتاب: حروب التوغل الفرنسي ومقاومتها في أرض البيضان

مراجعة: المختار بن نافع

يقدم الباحث والكاتب سيد محمد ولد جعفر في دراسته عن "حروب التوغل الفرنسي ومقاومتها في أرض البيضان" مقاربة لتاريخ الغزو الفرنسي لموريتانيا والمواقف التي اتخذتها النخبة السياسية والدينية منه انطلاقا من رؤية الكاتب أن تاريخ المقاومة الوطنية تعرض إلى عملية تغييب، والكتاب الصادر عن مطبعة الدستور بنواكشوط 2009 يقع في 187 صفحة من الحجم الصغير يتناول في الفصل الأول مواقف النخبة من "ظاهرة الاستعمار" وتأثير الخلفيات التاريخية والجهوية في ذلك، أما في الفصلين الثاني والثالث فيستعرض المقاومة العسكرية التي واجهها المستعمر قبل سيطرته النهائية ثم "النضال السياسي" بعد اكتمال السيطرة الاستعمارية.

النخبة البيضانية وظاهرة الاستعمار:

يعقد المؤلف فصله الأول لمواقف النخبة البيضانية من ظاهرة الاستعمار من خلال استعراض مواقف" شخصيات مرحبة" و"شخصيات رافضة" لكنه يقدم قبل هذا
الاستعراض جملة محاور تأطيرية يراها مفيدة في فهم السياق التاريخي والاجتماعي والجغرافي للاحتلال.

أ- غياب ثقافة المواطنة

يقول المؤلف: " الآن وقد ذوت أو خفت أو ابتعدت زمانيا ثقافة إيمالزن التي كانت تسيطر على الحكم والسياسات والمناهج هل أصبح من المشروع لنا الوقوف والتساؤل عن جدوائية تلك الأسطر المدرسية التي تظهر عمل المقاومة هامشيا جدا... أم أن الذين أشرفوا على عملية كتابة التاريخ المدرسي تلك كانوا أكثر ارتباطا بأولئك الذين - إن أحسنا بهم الظن في تعاملهم مع المستعمر - قلنا إنهم (اجتهدوا وأخطئوا)"

بل إن المؤلف يرى أن هناك من أنكر وجود المقاومة "مشيرين في الغالب إلى انعدام عنصر الوعي الوطني ومفاهيم الأمة في فعلها" و"هؤلاء أحسن ما يقال عنهم إنهم لا ينظرون إلى الذين حملوا السلاح من منظور واقعهم ... وما ينبغي عليهم فعله لحماية وطنهم (بل) كما نفكر نحن نيابة عنهم"

أما المحور الثاني فيتعلق بالأصول العرقية للموريتانيين وتمازجها من الروافد الصنهاجية والحسانية بالأساس وبعض الروافد الثانوية (البافور والآزير) ودور هذه "العجينة العرقية" كما سماها الباحث في إنتاج حالة الثقافة العالمة في الواقع البدوي الموريتاني استثناء من المجتمعات البدوية وهذه الخصوصية هي التي تفسر الشعور بالتفوق على الأجناس المجاورة وتضخيم الذات وعدم الانصياع للغرباء.

ب-  الشرق والكبلة.. منطقتا الثقل والاستقطاب:


وفي المحور الثالث يعرض المؤلف لمكانة المنطقتين الشرقية والجنوبية في الواقع الموريتاني حيث يعتبرهما منطقتي ثقل لأسباب ديمغرافية (كثافة السكان) ومناخية (خصوبة المرعى)، وذلك بهدف رسم صورة لخصوصية المنطقتين وواقعهما السسيوسياسي إبان تحركت الاستعمار تعين على معرفة "المفكر فيه" في عموم فعلي التوغل والمقاومة في المنطقتين حسب ما يحدد المؤلف.

هذه الخصوصيات السياسية والاجتماعية لدى المنطقتين يراها المؤلف متمثلة كالتالي:

أولا :منطقة القبلة تعيش استقرارا سياسيا على مستوى الجماعات القبلية(بفعل حرب شرببه) وليس على مستوى الطبقات الحاكمة.

و ثانيا: أن هذه المنطقة يعود احتكاك أهلها بالغربيين إلى نهاية النصف الثاني من القرن الخامس عشر وكان زعماؤها يبرمون اتفاقيات التبادل التجاري على السواحل.

و ثالثا: أن الزعماء الدينيين فيها دخلوا على الخط بترويج ثقافة قبول الوافد الاستعماري ويعيد المؤلف دوافع هذا التعامل إلى أسباب منها العامل المادي والأموال التي يدفعها الاستعمار، وعامل الشعور بالغبن من احتكار المجموعة العربية للسيادة.

وينفي المؤلف أن يكون اعتماد الفرنسيين على هذه الزعامات عائدا إلى كونها قادرة على حسم موضوع الاحتلال لأنهم يعرفون أن قرار السلم والحرب بيد الأمراء لا الفقهاء المؤيدين وأن النفوذ الروحي ليس بتلك الدرجة التي تصاغ عنهم الآن .

أما في الجهة الشرقية فيرى المؤلف أن الوضع مختلف حيث لا توجد عقد الصراع المسلح بين قبائل الزوايا والعرب، والفرق الثاني يتجلى في الفوضى التي كان الشرق غارقا فيها بسبب الصراع على السلطة في أكثر من مكان، مما يفسر تعدد الجهات التي تعاملت السلطات الفرنسية معها واعتمدت عليها وهي جهات حسب المؤلف تمثلها في الغالب شخصيات لا تتمتع بزخم يضمن تمرير المشروع الاستعماري.

ويعدد المؤلف من آثار هذه "الفوضى" عدم وجود قبيلة رائدة تستطيع حمل السلاح بصورة مؤثرة في وجه الاستعمار بعد سقوط أولاد امبارك وبالمقابل عدم وجود زعامة دينية متنفذة وقادرة على حشد التأييد للفرنسيين في صفوف الزوايا كما هو الحال في الكبلة.

شخصيات دينية مرحبة ومتحالفة مع الاستعمار:

يعرض المؤلف تحت هذا العنوان لدور كل من الشيخ سعدبوه و باب ولد الشيخ سيديا في دخول الفرنسيين إلى موريتانيا، مفسرا سبب اعتماد فرنسا عليهما بخبرتها الطويلة في الصراع مع المسلمين منذ الحروب الصليبية التي علمتها دور العلماء في التعبئة والتحريض على الجهاد وحمل مشعل الجهاد، كما أن معرفتها بموريتانيا من خلال طول مجاورتها لها علمتها "كيف تخترق بعض الحصون التي كان يفترض فيها الصمود" .

ويبدأ المؤلف في عرض تفصيلي لموقف الشيخ سعد بوه وعلاقاته بالفرنسيين والتي يعيد المؤلف سببها إلى الصراع على النفوذ مع بابه ولد الشيخ سيديا كما عرض لها الشيخ سعدبوه في كتابه "المحرش" وكذلك مجمل صراعه مع زوايا القبلة الذين وفد عليهم من منشأه بالشرق.


ويستعرض المؤلف تطور علاقات الشيخ سعد بوه والفرنسيين كما عرضها هو في كتابه بدءا من أول لقاء بناء على إلحاح من تلميذه الحاج أبو المقداد ثم إنقاذه لبعثة ابلانشي التي اعتقلت في آدرار إلى تبلور موقفه في كتابه النصيحة العامة والخاصة.

وبالنسبة لبابة ولد الشيخ سيديا فإن المؤلف يعيد موقفه من الفرنسيين لجملة أسباب تتعلق كلها بالبحث عن الحلفاء والتكتيت السياسي في حروبه مع اجيجبه والصراع بينه وبين الشيخ سعدبوه مدعما فرضيته هذه بكلام للشيخ سعدبوه يقول فيه إن منتقديه قالوا له: "إن ما دفع بابه لمحالفة النصارى هي الحرب وأنت لا تحارب أحدا فما هي دوافعك في أن تكون مع النصارى".

ويضيف المؤلف بعدا آخر لموقف بابه متعلقا بموقفه من زعماء صوفية زمانه حيث كان مجاهرا برفض مسلكيات الصوفية.

والملفت في موقف بابه كما يرى المؤلف هو كونه ابنا لرجلين كانا من أوائل من استشعر الخطر "المسيحي" فشحذ والده الشيخ سيدي محمد العزائم الجهادية بقصائده وحزب جده الشيخ سيديا الأحزاب وبذل ما في وسعه كي يوحد كلمة الأمراء في وجه الخطر الداهم.

وينقل المؤلف من وثائق ولد حرمه (كذا) معلومات حول وساطة الحاكم الفرنسي مونتي الذي خلف كبلاني بين بابه والشيخ سعدبوه "بحيث يحتفظ الشيخ سعدبوه بالنفوذ في المناطق المتاخمة للنهر وسكانه عموما من الزنوج المستقرين بينما يحتفظ الشيخ سيديا بنفوذه في مناطق الساحل والترارزة ولبراكنه" .

كما ينقل من تقارير إفريقيا الفرنسية أن بابه وفر لأول أسقف رسولي زيارة قبور المسيحيين في موريتانيا.

كما أن هذين الشيخين كما ينقل المؤلف من مصادره نددوا بدخول تركيا للحرب العالمية ضد فرنسا ومما ذكروه أن السلطان العثماني وحكومته يخونون الإسلام بتعريضه للخطر في هذا الصراع.

ويختم المؤلف هذا العرض بتبيين الموقف الصريح لفرنسا من الإسلام في هذه البلاد لكشف خداع كبلاني لحلفائه برفع شعار عدم تعرض فرنسا لمعتقدات الناس الدينية.

شخصيات دينية رافضة للاستعمار:

يرى المؤلف أن العامل الديني الأكثر حضورا في دوافع المقاومة تعرض لتغييب في الكتابة عنها؛ حيث يرى أن البيضان يعتبرون أنفسهم امتدادا لحركة المرابطين الإصلاحية وأنهم من خلال ثقافتهم العالمة يستحضرون فكرة "ذروة سنام الإسلام" (الجهاد) التي تمثل قمة التماهي مع أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم خاصة مع تعرض وطنهم لأطماع محتلين متأصلي العداوة فكل هذه العوامل هي التي شكلت أبعاد المقاومة.

ومن هنا يرفض المؤلف الفكرة المتداولة التي مفادها أن الأمراء قاوموا من أجل ريع تجارة الصمغ.

و يعزز كون هذه العوامل هي الدافع للمقاومة ذلك التوجس من المستعمر الذي ظل يسيطر على النخب الدينية والسياسية في المجتمع منذ متاخمته لحدود الوطن، ويعطي أمثلة على ذلك من مراسلات محمد يحي الولاتي لأعلام المنطقة ودعوة الشيخ سيديا لمؤتمر تندوجة فضلا عن الأشعار التحريضية لابنه الشيخ سيد محمد.

 أ- الشيخ ماء العينين:


يرى المؤلف أن الكتابات المعاصرة عن الشيخ ماء العينين لم تقدمه إلا بصورة باهتة مفسرا ذلك بالانتماء المزدوج له بين موريتانيا والمغرب واستغلال هذه الأخيرة لذلك في تأكيد مغربية موريتانيا مما جعل الموريتانيين يعرضون عنه أو يقدمونه كصحراوي حتى لا يكون امتدادا لأرض المغرب رغم ورود اسمه في فقرات شحيحة من كتيبات التعليم الأساسي.


وهنا يناقش المؤلف علاقة الشيخ ماء العينين بسلاطين المغرب قائلا إنها كانت قبل دخول المستعمر في حدود أدبيات علاقة السلاطين والعلماء، أما بعده فقد فرض التوسع الفرنسي نوعا من التعاون والانسجام بين الطرفين قبل أن يغير من ذلك خضوع العرش المغربي للحماية الفرنسية.

ب- العلامة محمد المختار ولد امباله:


يورد المؤلف عددا من فتاوى هذا العلامة المتعلقة ببعض الظواهر الناتجة عن الاستعمار كإفتائه بعدم أكل ذكاة المجندين المحليين من المسلمين (كوميات) بتهمة الردة، وإفتائه بأن مهر المسلمة المتزوجة من أحد المحتلين النصارى هو مهر بغي، وموقفه الأهم المتعلق بوجوب الهجرة من هذه الأرض التي احتلت رغم أن جل بلاد المسلمين أو كلها كانت تحت الاحتلال الغربي في زمانه.

بلاد البيضان: ساحة حرب مفتوحة


في الفصل الثاني تحت عنوان: (المعارك المسلحة: بلاد البيضان ساحة حرب مفتوحة) يستعرض المؤلف أحداث المواجهة بين المستعمر والمقاومة الوطنية على النحو التالي:

أ‌-      احتلال الترارزة (1901-1903) :


كان موقف الأميرين المتنازعين على الإمارة إذاك (أحمد سالم ولد اعلي الملقب بياده ومحمد فال بن سيدي) من المستعمر مختلفا؛ فقبل بهم الأول أما محمد فال فقد أعلن الجهاد ضدهم متحالفا مع إيدوعيش رغم كونه تلميذا لبابه ولد الشيخ سيديا.

وشهدت بداية سنة 1902 هدوءا نسبيا بعد قبول الإمارة وخاصة جناح محمد فال القوي مبدأ الحماية الفرنسية مما مكنهم من اتخاذ مكان إقامة في الترارزة، لكن أحمد سالم غير موقفه وهدد بتدمير البئر الذي يوجد في مكان الإقامة ورد الفرنسيون بمهاجمة مخيم الأمير لكنه تمكن من الفرار وتحالف مع أمراء آدرار وتكانت المعادين للمستعمر بل إنه تمكن من المصالحة مع ابن عمه ومنافسه محمد فال ولد سيدي ودخلا في صراع مع المستعمرين من جديد.

ب-      جبهة لبراكنه: 

حاول كبلاني استمالة الأمير البركني أحمدو(ولد اعلي الكوري) بناء على عرض سابق منه إلا أنه رفض هذه المرة ودخل في حلف إيدوعيش المناوئ بل إنه احتجز رسل كبلاني وهاجم معسكر ألاك التابع للفرنسيين الذين ردوا بمهاجمة مخيم الأمير عند شكار فلجأ إلى بكار في "مال" حيث تعرضا الاثنين لهجوم آخر.

وقد كانت مواقف بعض قبائل لبراكنه المحاربة متذبذة تبعا لقوة كل من الطرفين، ومن ناحية أخرى سعى كبلاني لتفكيك الحلف القائم ضده فنجح في استمالة أحد أبناء عائلة الإمارة (سيد اعلي) وكذلك بعض فروع القبيلة.

ج- الهجوم على تكانت واستشهاد بكار:


(تحركت الحملة من بوتلميت ووضعت اللمسات الأخيرة لتحركاتها وتنظيمها في ألاك من 22 يناير إلى 1 فبراير 1905 ووصلت بكامل عدتها إلى مال بتاريخ 3 فبراير وفيه بدأت الكثير من المناورات والاتصالات... وفي يوم 12 فبراير تحركت الحملة نحو هدفها وفي 16 منه تقابلت جميع القوات الغازية عند كيمي، وعمد المجاهدون للتمركز عند مداخل تكانت لانتظار الحملة، وخاصة عند أكثر المضايق مناسبة وهو مضيق فم البطحاء غير أن خطة الفرنسيين تغيرت فحولوا وجهة الحملة التي سارت على شكل متسللين عبر ممر دركل الوعر... واجتازت بنجاح.)

بعد ذلك قام القائد الاستعماري افرير جاه بعملية مباغتة لحي الأمير بكار ودارت معركة شرسة جدا استشهد خلالها الأمير وتحققت له أمنية الشهادة التي كان يتمناها دائما، وكانت معركة بوكادوم 1 ابريل هزيمة كاملة لإيدوعيش وعلى وجه التحديد فرع أبكاك فتنفس الفرنسيون الصعداء لأن القبيلة الشرسة فقدت قائدها وخيرة محاربيها.

ردت المقاومة بالخطة المحكمة التي أدت إلى مقتل كبلاني ثم حصار تجكجة في 3 يونيو 1905 مما أدى إلى بروز طروحات فرنسية تدعو لمراجعة قرار الاحتلال و"إنهاء مغامرة كبلاني" وكادت هذه الطروحات تنجح لولا دخول عناصر جديدة منها وصول مولاي إدريس أحد أقارب ملك المغرب ومنها عدم استغلال المقاومة لهذه الفرصة في تكثيف هجماتهم.

د- الحملة على آدرار


بدأت الحملة على آدرار كما يسرد المؤلف بتعيين الجنرال غورو مفوضا عاما لموريتانيا وهو الصليبي المتعصب الذي وقف على قبر صلاح الدين قائلا: "ها نحن عدنا يا صلاح الدين" كما أنه هو الذي اعتقل المجاهد الإفريقي الكبير ساموري توري في ساحل العاج وقاد جيوش فرنسا في تشاد المسلمة.

ولتحقيق الهدف الأكبر لتعيينه وهو احتلال آدرار سافر غورو إلى بتلميت في فبراير 1907 والتقى بابه ولد الشيخ سيديا، ثم قام بجولة في تكانت مع قائد الجيوش الفرنسية في غرب إفريقيا الذي كان في زيارة لموريتانيا، وواصل تحركاته التي قادته أيضا إلى مسارح العمليات السابقة كإينملان والتقى بأمير آدرار المعزول على خلفية مساعدته لبعثة بلانشي المختار ولد عيده.

ولم تكن المقاومة في موقف المتفرج فخلال تجواله في تكانت قتل الكابتين ريبو قائد موقع اكجوجت الأمامي على جبهة آدرار في 16 مارس 1908 في معركة يقال أن الأمير ولد عيدة قادها بنفسه، كما أن قوة تابعة للشيخ حسنا بن الشيخ ماء العينين دمرت قافلة قادمة من بتلميت و قتلت ضابطي صف، وفي نفس الوقت عاد وفد المقاومة ثانية من المغرب محملا بالأسلحة بعد تولي مولاي عبد الحفيظ للعرش، كما تجددت المعارك على جبهة اترارزه بقيادة الأمير أجمد ولد الديد الذي قاد معركة لكويشيشي التي قتل فيها الملازم ربوت واثنا عشر من جنوده ووسعت المقاومة في هذه الجبهة هجماتها لتشمل منطقة بوتلميت وهاجمت نواذيبو في 20 يوليو 1908.


أما الفرنسيون فبدؤوا الزحف إلى آدرار عمليا يوم 6 ديسمبر من المجرية واستطاعوا مفاجأة الأمير بالوصول إلى حاس الملح يوم 17 من نفس الشهر لكن المقاومة هاجمتهم في يوم 30 عند آماتيل وبدأت المعارك لكن المحتلين استطاعوا دخول أطار في 9 يناير 1909 بعد أن هزموا رجال حسنا في معركة عنيفة عند ممر حمدون.

لم تخمد المقاومة تلقائيا كما يعرض المؤلف بل استعرت في مناطق كثيرة من الجنوب والشرق وبصفة أخص الشمال وقتل قادة استعماريين كبار بينهم مساعد غورو النقيب بابلون لكن تغير موقف المغرب من دعم الشيخ ماء العينين ثم وفاته وزيارة بابه ولد الشيخ سيديا لأطار حاضا على إلقاء للسلاح أمور أضعفت المقاومة، وقد حدثت هذ التطورات عقب اعتقال المحتل لأمير آدرار في منطقة تيشيت في 21 يناير 1912 ووضعه تحت الإقامة الجبرية قبل أن يعود للمقاومة، التي تجددت مع بداية العشرينات.

هـ- المقاومة في الحوض:


يرى المؤلف أن المناطق الشرقية إن لم تكن هي السباقة للمقاومة فإنها لم تتأخر إلى التاريخ الذي تقدمها به المناهج المدرسية (مقاومة أهل عبدوك) فقد اندلعت في هذه المنطقة أعمال عنف مسلحة ضد المستعمرين منذ نهاية القرن التاسع عشر رغم محاولة تقارير الإدارة الاستعمارية تصنيفها على أنها موجهة ضد السكان المحتمين به.

ورغم أن عامل الفوضى في هذه المنطقة ساعد على عدم ضخامتها مقارنة مع مثيلاتها في الترارزه وتكانت وآدرار فمرد ذلك إلى عدم وجود أمراء متنفذين قادرين على جمع المقاتلين وتزويدهم بالسلاح والإعداد للحرب بشكل أكثر تنظيما.

ومع ذلك فقد واجه الفرنسيون مقاومة شرسة في الحوض ، خاصة مع رئيس قبيلة أولاد علوش الداوديين؛ الشيخ ولد سيدي الذي ظل يهاجم الفرنسيين ويناورهم ويؤلب القبائل البيضانية والطوارقية والفلانية ضدهم حتى وفاته واستمر الأمر مع ولده سيدي الذي قاد القبيلة من بعده.

ويقدم المؤلف نموذجا على ذلك حين احتل الفرنسيون قرية باسكنو ورد أولاد داود بهجوم على قريتي تندراويين وتكوبي الموجودتين تحت حماية الفرنسيين كما ينقل المؤلف عن بول مارتي.

بعد أولاد داود جاء دور قبيلة أولاد سيد المشظوفية بقيادة أهل عبدوك والتي خاضت المقاومة في مساحات شاسعة امتدت من ضفاف نهر النيجر شرقا وحتى هضاب النعمة في الحوض غربا وصحاري تكانت وفي منطقة آدافر، وكانت بداية مقاومتهم عندما قتل الشيخ ولد عبدوك حرسيين يوم 12 فبراير 1912 عند مكان شرق النعمة يسمى الفرفرات وتبع ذلك عدة وقائع بين الطرفين، كما لجأ أهل عبدوك لأسلوب الهجمات على قوافل التموين القادمة من السودان الفرنسي( مالي).

وكانت العامة من الناس مؤيدين لأهل عبدوك يمدونهم بالسلاح والغذاء والدواب ويضمنون لهم اللجوء في أحيائهم بل ويخبرونهم بتحركات المستعمرين كما تعترف الوثائق الفرنسية، كما أن ذكريات حملة القمع التي تعرضوا لها ما تزال على الألسنة كما يوق المؤلف ومن تلك الذكريات قيام الاحتلال بقطع رأسي شخصين عند أحد الأحساء المشهورة في منطقة عدل بكرو "مبروك يداس" بعد أن نفيا معرفتهما بمكان وجود أهل عبدوك.

النضال السلمي ومشروع الدولة


تحت هذا العنوان يعرض المؤلف في فصل ثالث وبشكل موجز الجهد السياسي الساعي للاستقلال بعد تصدع المقاومة وسيطرة فرنسا عل كامل بلاد البيضان، حيث لم يكد عقد الأربعينات من القرن العشرين يتصرم حتى كان أبناء جزء من هذه الصحراء يدشنون مرحلة جديدة من النضال هذه المرة بوسائل مغايرة لتلك السابقة وإن كانت امتدادا لها كما يقول المؤلف.

ولم يكن بعض هؤلاء المناضلين –حال النهضة مثلا- يسقط اللجوء إلى خيار التصادم " إن نحن ناقشنا فكرهم بعيدا عن مواقف معارضيه الذين صارت لهم الغلبة وتولوا زمام أمور الأمة بعد نشوء الدولة" .

ويذكر المؤلف في هذا الصدد انتخاب أحمدو بن حرمه بن ببانه - كأول مواطن موريتاني - نائبا في البرلمان الفرنسي عن الاشتراكية العالمية، وكذلك تشكل حزب الوفاق ثم جمعية الشباب (1955) وهو حزب منفصل عن أول حزب موريتاني (حزب الاتحاد التقدمي 1948) من أجل المطالبة بالاستقلال السريع ورحيل فرنسا الكامل، وبعد بروز جناح فيه يطالب بالتنسيق مع الحزب التقدمي يقوده محمد بن الشيخ في مؤتمره الثاني 1958 قام تيار ثان يقوده الأمير التروزي محمد فال بن عمير وبوياكي بن عابدين ومحمد أحمد بن التقي وأحمد بابه بن أحمد مسكة وقد عملوا على تأسيس حزب النهضة.

ملاحظات ختامية:


سعى المؤلف إلى تقديم رواية المقاومة ورؤيتها لمواجهتها مع المستعمر وجهدها لإيقاف توغله، ويمكن القول إن هذا المسعى ظل هو الحاكم عبر ثنايا الكتاب وفي ختام هذه القراءة نقدم الملاحظات التالية:

1- الكتاب يحتوي مادة واسعة وبالأسماء والأرقام والتواريخ عن كثير من جوانب الموضوع و يمتاح معلوماته من مصادر موثوقة.

2- كما أنه يتخذ موقفا واضحا إلى جانب المقاومة ويكشف كثيرا من أمجادها بصورة موثقة ويعرض مواقف لمخالفيها إلى جانب المستعمر ليست متداولة.

3- سعى المؤلف إلى الخروج عن إسار الانتماءات في معالجة الموضوع، وهو أمر تحقق إلا في النزر اليسير وبصورة غير مقصود

4- لم يعرض المؤلف لتوغل المستعمر والمقاومة الوطنية في منطقة الضفة، ومع أنه قصد تخصيص الدراسة لمواقف النخبة البيضانية لأسباب منهجية لا إيديولوجية كم قال إلا أن ذلك ينفي التقصير من طرف المؤلف لكنه لا ينفي القصور عن التأليف.

5- لم يتطرق المؤلف أيضا للمقاومة من طرف الحمويين وصراعهم الطويل والمرير مع المستعمر ولا حضورهم في منطقة لعيون وأفله(الحوض الغربي) .

6- أطال المؤلف في استطراد بعض المواضيع التي يجره إليها الحديث عن جوانب البحث، ومثال ذلك المحور عن إمارة أولاد امبارك التي خصص لها عدة صفحات رغم أن ذكره جاء استطرادا قاد له الحديث عن عدم وجود قبيلة رائدة في الشرق عند دخول الاحتلال.

7- وقع المؤلف في بعض التأثر بأسلوب الكتابات الصحفية في التفقير والعنونة فقد يكون مضمون بعض المحاور لا يعكس قوة العنوان، كما أن الفقرات وترقيمها أقرب للأسلوب الصحفي، وهو أمر قد يكون عن قصد كما قال المؤلف.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!