التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:06:31 غرينتش


تاريخ الإضافة : 06.10.2009 13:00:03

قراءة في ديوان "الأنات الصامتة" للشاعر النبهاني ولد المحبوبي

 

قراءة: أحمد مولود ولداكاه

[email protected]

غلاف ديوان "الأنات الصامتة" للشاعر النبهاني ولد المحبوبي (الصورة من موقع اتحاد الكتاب والأدباء الموريتانيين)

غلاف ديوان "الأنات الصامتة" للشاعر النبهاني ولد المحبوبي (الصورة من موقع اتحاد الكتاب والأدباء الموريتانيين)

الشاعر النبهاني ولد المحبوبي قامة شعرية فارعة بين قامات الشعراء الموريتانيين الذين يرابطون في الساحة الثقافية وهم عاضون على الثقافة والإبداع بالنواجذ ، هو طائر وديع يغني في أماسي الشعر ، وهو الوتر الذي ترقِّصه أصابع الغيرة وحب الخلاص فتطرب به النفوس وتأنس له الأسماع.

من بين أناته الصاخبة (وليست الصامتة ) وحركاته المسرحية يتولد الشعر الطري ويستعيد وادي عبقر شيئا من ملامحه الضائعة ، ديناميكية الكلمة وسينفونية الحرف أبتا إلا أن تصوغا شخصيته وتحددا هويته فكان فتى أحس بعتمة القاع الذي بنى فيه أهله خيمتهم بعيدا عن (renaissance) وأبعد عن الحياة الطبيعية خارج خارطة الضيم ومساحات السقوط .

النبهاني انتبه وتنبه إلى فارق شاسع من ناحية الوجود الإنساني بين عربي مسلم سجنت خصائصه الإنسانية وسجن هو قبلها:



.. "ما باله ذاهل العينين مكتئبا هل ناله من خطوب الدهر تكديم
الناس من حوله لاهون في فرح لكــنـما هـــو بالأتـراح مكـعـوم

وبين آخر هو الذي حاول أن يقضي على قوانين السماء ويحرقها بعد أن اغتال " أطهر البشر" واحد في الأبراج .. والآخر في "الجب".

ديوان "الأنات الصامتة " هو "نشيد ضياع" و "تلاوة على سمع الدجى".. أخرج الشاعر فيه أكواما من الأحاسيس والمشاعر ألهبت وجدانه فقبض عليها بيده ورفعها للناس حتى يعريَها لهم "في يوم الزينة" وحين يحشر الناس ضحى - وأي يوم زينة- ،

ديوان النبهاني واحة تتوزعها سبع وأربعون شجرة كل شجرة هي قصيدة عصماء ومنها الأشجار الطويلة الممعنة في الطول مثل " أحزان في الغربة " التي يبلغ عدد أبياتها اثنين وسبعين بيتا ، وهي معلقة لا تكاد تنتهي، ابتدأها الشاعر غريبا وأنهاها غريبا فطوبى للغرباء:

"كثير غرامي من سواك قليل وأدناه إن إياك كان جميل

"أحزان في الغربة" بكائية من الطراز الأول تألم فيها الشاعر وبكى بكاء شديدا وندب قومه وتذكر " صدام حسين " فسالت دموعه أكثر:
أصدام يا خل المثنى وطارق وسعد وذكر الفاتحين يطول

وقد اختط النبهاني من خلال هذه المعلقة منهجا شعريا صريحا يعلن الثورة التامة على مقولة "الفن للفن" وكان يصرخ إن الفن للناس وللقيم من خلال مضامين القصيدة التي بناها على رؤية فنية يسمونها في النقد الحديث " الإستيطاقيا" تترك الشاعر يسعى إلى أن يجعل المتلقي يشاركه أحاسيسه كما هي ويكون ذلك هو غاية العمل الأدبي ، تتضافر قوانينه الداخلية وملامحه الشكلانية وتعمد إلى التأثير (effect) في المتلقي كأسمى غاياتها وفيها ظلَّ الشاعر يتغزل بالقصيدة:

أمرثاة أفراحي لعل أخا الأســـى يغنـــي تغني فالدمــــوع سيـــول
تغني فريب الدهر مزق منيـــتي وصبري على جرح الزمان جميل

ومن أشجار حقل الديوان أشجار متوسطة الطول مثل "الخطيبة المطلقة" ويعنى بها أمته التي لم يجد النصر إليها سبيلا، ويعني بها الأرض الثاكلة التي نسيت صوت الحمحمات.

مالها دائما بدت في انزواء تصفع الخد صفعة التعساء
حلمها ذابل تشظى شظايا وذبول الأحــلام بدء شــقاء

ومن أشجاره شجرة جميلة في غاية الجمال هي "جرشوم على وادي النمل" ويمكن أن تعتبر على أنها أحسن قصيدة في الديوان فيها صور رائعة:

ربطوا شفتي بين شوك القتاد
نسجوا مهجتي فرشا من حرير
فكرتي بينهم كغرابْ
كسرابْ
وشعوري قبورْ
تحت رجل التراب تثور

إنها صور رائعة في الحقيقة وقد أفعم الشاعر القصيدة بالآديولوجيا كأنه كان يسمع الناقد الغربي "رونال بارت" يقول: "إن النص محتاج إلي ظله وظله هو قليل من الآيديولوجيا"

لكن الشاعر بنى القصيدة على كثير من الآيديولوجيا بل بنى الديوان كلا على الآيديولوجيا ، فالديوان " فكروي" تحتل الفكرة فيه الصدارة ، وفيه قصيدة جميلة هي عبارة عن رسالة يرسلها الشاعر إلى قيس ابن الملوح ويقول فيها وكأن كبده تتشظى:

ذبحوا كندة وعـــبد مــــــناف وقريشا وحمـيرا ونـــــزارا
يا شهيد الضمير ما ذا فعلنا هل رسمنا للثأر عنك مسارا
إن الشاعر في كل الديوان يكرر مسألة واحدة وهي أن قومه قد ضاعوا وأنه يعاني من "الهبوط الحضاري" هذا هو التصريح الذي يصرح به الشاعر في كل موضع من الديوان، وفي كل مرحلة من مراحل الديوان يبدو الشاعر خائبا وحائرا إلا في مواضع قليلة فإنه يحاول أن يجمع قواه وأن يركز النظر ببطولة ليكتشف الحقيقة من دون ضعف ولا تسليم محاولا أن يوقظ الضمائر ويلفت الانتباه إلى أن الذل ليس حتما على قومه:

بيدينا صناعة النصر لكن كيف نرجو من الهوان انتصارا
بعضنا لليهـــود عبد ذليل وعميل والبعض عبد النصارى


خصائص الديوان

لديوان "الأنات الصامتة" جملة من الخصائص تميزه سواء في طبيعته الأدبية أو في الناحية الفنية التي خرج بها وهي :
- طغيان الآيديولوجيا و الفكروية على طابع النص المضموني.
- طول القصائد (بعض القصائد تقترب من الثمانين بيتا) .
- البكائية المفرطة ( كل قصائده ذات موضوع واحد: وجدانية قومية، وفي قصيدة واحدة طرق موضوع الرثاء عبر مرثية للشهيد أحمد ياسين وهو استثناء يؤكد القاعدة كما خلا الديوان من توزعه نحو المواضيع الكلاسيكية كالنسيب الصرف والمدح والوصف و....)
- خلو قصائده من السريالية
- استيفاؤه للشروط التي تجعله ديوانا حقيقيا من عنصر الكثرة في القصائد... إلخ
- تميزه بهوامش تشرح ما يحتاج إلى شرحه مما ورد في النص وهي موجودة دائما في كل نص


خصائص الشاعر

تتميز التجربة الشعرية عند النبهاني بجملة خصائص تجعل من الوارد التطرق لتعداد جملة من هذه الخصائص ، ومنها مثلا:
- تبنيه لقضايا الأمة بحماسة
- سعة ثقافته الزاخرة هو يستخدم ( نقفور ، هرقل قيصر ، كسرى ، إسحاق الموصلي ، معبد المغني ، هرقل ، الدمستق ، ذي قار ، زرادشت ، ذو نواس ، الغريض عبد الملك المغني ، زرياب ، خالد بن الوليد ، رستم ، شيرين زوجة أحد ملوك الفرس ، كيلوبترا ، بلقيس ، قوم موسي ، أورفيوس شاعر غنائى من شعراء ملحمة هوميوس ، بوران بنت برويز تولت عرش فارس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، السلحين ، جرشوم ابن موسى ، كنعان ابن نوح ، أصحاب الأخدود ، يوم الزينة ، شعيب ، دفيانوس امبراطور روماني ، مهيار الديلمي ، أبوبكر ابن عامر اللمتوني ، يوسف ابن تاشفين ، عبد الله بن ياسيبن ..) وكل هذا يبين عن ثقافة واسعة
- أصالة لغته : هو يستخدم "مرثاة" "شط المزار" "ذحول" " يا لحا الله "

شكرا للنبهاني ابن محمد سالم ولد المحبوبي الشاعر الشاب على هذا التميز وهذا الديوان ولا غرو ...!


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!