التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:05:51 غرينتش


تاريخ الإضافة : 12.10.2009 16:56:44

الخيار بين الاحتلال والإرهاب... هما خطتا خسف

محمد الأمين ولد سيدي مولود     Ouldsidimaouloud@yahoo.fr

محمد الأمين ولد سيدي مولود [email protected]

"من يكن الأجنبي ولي نعمته يصعب أن يتمرد عليه"
صدام حسين

هنالك نوع من التشابك يصل أحيانا كثيرا حد التماثل بين ما يسمى "الإرهاب" والتدخل الأجنبي، إذ لا يوجد أحدهما إلا وجد الآخر، بل قد يصطنع أحدهما ( الإرهاب غالبا) من أجل تبرير وجود الآخر (التدخل الأجنبي)، تلك معادلة يرغمنا الكبار في عالمنا العربي والإسلامي على تجرع مرارتها من حين لآخر: الخيار بين الإرهاب والتدخل الأجنبي... وحل المعادلة دائما الاكتواء بناريهما!!

معادلة تراعى فيها العوامل السياسية وربما الاقتصادية أكثر بكثير من الأمنية، وخطورة الموقف أن تلك العوامل السياسية أو الاقتصادية ذات الأولوية غالبا ما تكون لصالح حكم معين أو فرد معين أو جهة سياسية معينة، (مثلا انقلاب يبحث عن شرعية أو رجل أعمال يبحث عن صفقات مربحة)، وليست لصالح البلد ككل أو الشعب كمستفيد!!.

موريتانيا تجسد النموذج اليوم، فبعد اكتوائنا بنار إرهاب متطرفين أستحي أن أصفهم "بمتدينين" حيث غدروا بعشرات من جنودنا ومثلوا بهم حتى في أقدس المواسم الدينية (شهر رمضان المبارك)، ها نحن نرتمي في أحضان كبار جنرالات المستعمر الفرنسي الذي لم يرفع يده عنا يوما، وإن تنوعت وصايته وتعددت بين الحكم من خلال لوبيات مترجميه "إمالزن" وعملائه العسكريين "كوميات"، إلى تخطيط ودعم الانقلابات حتى مع فجر "ديمقراطية"، طالما تبجحت فرنسا نفسها برعايتها في إفريقيا.

جنرالات فرنسا اليوم حليف استراتيجي ـ على ما يبدوـ في الحرب "المقدسة" ضد من يقال أنهم موريتانيون أو من بينهم موريتانيون مسلمون... هذا أسوأ ما جره لنا الإرهاب أن نتحالف مع الأجانب المستعمرين ضد من يدينون بديننا وينتمون لأوطاننا ويتكلمون لغتنا...

لكن هل الإرهاب وحده المسؤول؟ ليست المسألة من البساطة بمكان يجعل الأحكام جاهزة بهذه البساطة، لكن ثمة أسئلة يمكن للبسطاء أن يطرحوها وببساطة:

هل الجيوش الموريتانية والجزائرية والمالية وحتى النيجرية قادرة إذا نسقت وتحالفت بوصفها المتضرر الأول من القاعدة أن تواجه مئات المسلحين ممن تتحكم هذه الدول حتى في قوتهم اليومي وتعرف أين يتمركزون وكم عددهم وعدتهم ؟

لماذا مآت المقاتلين يستدعي قتالهم تدخل دول عظمى ذات أطماع توسعية تليدة؟ هل غض الطرف عن الجماعات المسلحة خلال السنوات الماضية من قبل الدول المعنية وجيوشها واستخباراتها لحاجة في نفس يعقوب أقرب تفسير لها أن يحين الوقت المناسب للتدخل الغربي؟!

ألم يتكلم الكثير من المهتمين بالإرهاب عن علاقات وطيدة بينه وبين المخابرات الغربية فائدتها البديهية أن تتدخل هذه الدول الغربية في الوقت الذي تريد وبالطريقة التي تريد؟ ألم تستخدم المخابرات الغربية الجماعات المسلحة ـ ولو من حيث لا تدري هذه الجماعات ـ للعب أدوار تخدم النفوذ الغربي أو تمهد له الطريق؟
ألا يفهم من السباق الفرنسي الأمريكي أن القاعدة مجرد حصان طروادة يدخل من خلاله الأكثر حظا أو الأشد نفوذا للتمركز العسكري الأبدي؟.

وبالنسبة لموريتانيا ـ التي يبدو أنها مع الأسف تتجه أكثر لدخول صراع إقليمي طرفاه الرئيسيان الجزائر والمغرب ودولي بعد ذلك قطباه فرنسا وأمريكاـ أليس من الأقرب والأنسب أن تتحالف مع دول مسلمة وجارة كالجزائر والمغرب ومالي والنيجر ضد مقاتلي القاعدة بدل التحالف مع الجيش الفرنسي ومع فرنسا قائدة الحروب الصليبية الطاحنة أو خوض حرب بالنيابة عنها؟ أحرى فرنسا ساركوزي حيث العنصرية والتمييز حتى ضد طالبات الجامعات من المسلمات بل وضد سود المهاجرين!!.

من الممكن أن نستفيد من تكنولوجيا الغرب وحتى من التعاون الاقتصادي معه بل والعسكري، لكن على ألا يجعلنا كل ذلك ننسى من نحن؟ ومن هو؟ وسر التقارب وأسباب التباعد؟.

هنالك ملاحظة جد مهمة يجب أن لا تغيب عن أذهان من يخططون للحرب على الإرهاب مهما تجاهل هؤلاء للتباعد الحقيقي المفترض بين جيوشنا وجيوش المستعمر، ومهما قفزوا عليه من طبيعة الصراع الحضاري وجذور الأزمة وسنضرب لهذه الملاحظة المثال التالي (مجرد افتراض):

ماذا لو عرض موقع تابع للقاعدة قائد القوات الفرنسية ومعاونيه (أحفاد نابليون ورني كاييه وكبولاني) محاطين بكبار الضباط الموريتانيين تحت إمرة قائدهم قائد الأركان (أحفاد عقبة بن نافع و يوسف بن تاشفين وسيدي ولد ملاي الزين)، وهم يتمايلون طربا أثناء حفلة "فنية" في "نادي الضباط" وسط انواكشوط، ثم عرضوا مقاطع من تنظيمات القاعدة نفسها وهم يقرؤون القرآن ويستشهدون بدروس السيرة ونماذج من تضحيات الصحابة وتابعيهم من كبار الفاتحين؟!.

لنفترض أن هذا حدث فما هو موقف الشباب المتدين المتحمس من الصورتين؟ وما هو موقف جمهور العوام بوصفه مجرد متفرج على المعركة؟.

تلك هي الملاحظة، فالتمكين للدعوات الباطلة من خلال الدعاة المهرة خدع الكثير، وطمس دعوات الحق بسبب سوء أسلوب وسلوك دعاتها أضاع الكثير.

ربما يتذكر الكثير منا سهرات كبار الضباط العرب الماجنة ولياليهم الحمراء قبل معاركهم مع إسرائيل تلك السهرات التي تشفع بهزائم نكراء ومبكرة.

إنه لمن الخطأ الكبير التوهم أن التدخل الفرنسي ووجود القواعد الفرنسية أو الأمريكية والاعتماد الصريح والسافر على الضباط الغربيين والتحيز لهم يقضي على الإرهاب، بل إنها عوامل تذكي الإرهاب والعنف والحماس لدى هؤلاء المسلحين وتمنحهم ذريعة لتجنيد المزيد لما سيصفونه أنه معركة حق ضد "الصليبيين" و"أعوانهم".


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!