التاريخ: 20.09.2024  التوقيت:16:36 غرينتش


تاريخ الإضافة : 27.10.2009 20:44:30

المصطفى ولد مولود يتحدث للأخبار عن ديون القرض الزراعي ومشاكل الزراعة والأحواض الناضبة

وزير التنمية الريفية والبيئة الأسبق المصطفى ولد مولود (تصوير الأخبار)

وزير التنمية الريفية والبيئة الأسبق المصطفى ولد مولود (تصوير الأخبار)

قال وزير التنمية الريفية الأسبق المصطفى ولد مولود إن "الأرقام التي أعطيت على أنها ديون على المزارعين مضخمة كثيرا لأن 60 أو 70 % في المائة منها فوائد في غير محلها".

ورأى ولد مولود في مقابلة مع وكالة أنباء الأخبار المستقلة أن على الدولة الموريتانية "أن تجد حلا للمشكل الذي يعرفه القرض الزراعي، لأنه لا يمكنها أن تتخلى عن قطاع حيوي بدون أن تجد له حلا، ولا يمكن أن تنتظر إلى ما لا نهاية لأن الحياة لا تتوقف".

كما تحدث عن مشاكل القطاع الزراعي مؤكدا أن الزراعة في موريتانيا بدأ بانعدام البذور، ومرورا بمشاكل استصلاح الأراضي، إضافة لارتفاع نسبة الفوائد المفروضة على المزارعين مقارنة بنظرائهم في الدول المجاورة والمماثلة، وعدم وجود اليد العاملة المتدربة، وقلة الآلات الزراعية، وضعف عملية التسويق".


كما رأى أن الجيش الموريتاني لا يمكن أن يشارك في عملية الزراعة المروية تظرا لعدم معرفته بها، ولا يمكن قياسه على الجيوش الأخرى التي عرف أغلب أفرادها الزراعة عند أسرهم قبل أن يلتحقوا بالجيش.

وتحدث في المقابلة عن الأحواض الناضبة قائلا "المشروع السنغالي كان يهدف إلى توجيه المياه من الأعالي إلى هذه الأحواض أي قبل وصولها إلى مجرى النهر، وهو ما يؤثر على تدفق المياه، خصوصا خارج موسم الأمطار".

وأضاف "وفي هذا النطاق فإن السنغال قد تراجعت فعلا عن هذا المشروع في نطاق اتفاقيات قد تم توقيعها من طرف وزراء الدول الثلاث (مالي وموريتانيا والسنغال) المكلفون بمنظمة استثمار نهر السنغال في باماكو سنة 2002".

إلى غير ذلك من المواضيع الموجودة في المقابلة فإلى نصها:


الأخبار: بداية كيف تشخصون المشكلة التي يواجهها مشروع "القرض الزراعي"؟

المصطفى ولد مولود: القرض الزراعي هو أولا مؤسسة شبه خصوصية أي تعاونية للمزارعين، وطبعا هي المؤسسة الوحيدة التي تهتم بتمويل الزراعة المروية سواء منها الجانب التجاري مثل المزارع الكبرى وعلى مستوى التعاونيات الصغار، هذا كله تمويله من القرض الزراعي، وكان من المفروض أن تواكب الزراعة المروية التطور الذي جاء مع القرض الزراعي، لأن القرض الزراعي يمول المدخلات عند كل موسم زراعي ثم يردون إليه المبالغ المقترضة مع الفوائد بعد كل حصاد ليأخذ مرة أخرى لتتحقق الديمومة.
وإذا لم يتم إعادة القروض للمؤسسة المقترضة فان ذلك سيؤول بها حتما إلى الإفلاس وهذا للأسف هو حال القرض الزراعي اليوم.

وبما أن المنتجين الزراعيين في منافسة دائمة مع الأرز المستورد، ولكي يكون أرزنا منافسا، لابد من حل سلسلة من الإشكاليات المتعلة بالدورة الإنتاجية منها ما قبل البذر (كاستصلاح الأراضي وتهيئتها مما يتطلب توفر الآليات الزراعية بأسعار معقولة وتوفر البذور المحسنة في الوقت المناسب...) ومنها ما يصاحب العملية الزراعية مثل ( توفير الأسمدة ومبيدات الأعشاب، وقيام مؤسسات الدولة بواجبها تجاه مكافحة الآفات الزراعية وتويفر المياه في النهر والروافد...) ومنها ما بعد اكتمال العملية الإنتاجية (التي من أبسطها توفير الحاويات لتعليب الأرز الخام فضلا عن عملية التسويق والسهر على جودة المنتوج بتوفير آليات رقابة تسهر على احترام معايير المنتوج حتى يكون قادرا على المنافسة...).

نظرا لدقة عملية الإنتاج كما ذكرنا آنفا فإن الدولة الموريتانية باشرت حتى الآن للتعاطي مع هذا القطاع بارتجالية وهذا ما سبب المشاكل المتراكمة التي لازال يتخبط فيها هذا القطاع الناشئ .

ونظرا لعدم توفير التمويلات الخاصة باستصلاح الأراضي فان المزارع كان يستغل كل وسائله في استصلاحها، مما يثقل كاهله (أكثر من مليون أوقية للهكتار الواحد).

وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاقيات الموقعة مع ممولي سدي "ادياما" و"مانانتالي" تلزم الدول الثلاثة (موريتانيا والسنغال ومالي) باستصلاح ستة الاف هكتار سنويا لضمان جدوائية استغلال السدين.

ومنها استصلاح حوالي 2500 هكتارسنويا في موريتانيا ونظرا لعجز الشركة الوطنية للتنمية الزراعية (صونادير) عن القيام بمهمة الاستصلاح هذه، فإن المزارعين الخصوصيين تولوا –تلقائيا- حل هذه الإشكالية للدولة، ودون مقابل.

إن القرض الذي يمنحه صندوق "القرض الزراعي" هو عبارة فقط عن تمويل موسمي للمدخلات، يتحمل بمقتضاه المزارع 30% في المائة و70% في المائة هي التي يمنحها القرض، وأغلب الأحيان تكون نسبة 70% لا تغطي التكاليف الحقيقية، فيلزم المزارع أكثر من المبلغ المحدد وهو 30% في المائة، لأن المبلغ لم يكن مبنيا على دراسة حقيقية وإنما يعطونه حسب تقديرات جزافية.

والزراعة دائمة مهددة بالآفات مثل الطيور و الأعشاب، وكذلك الأسمدة، لا يجدون الكمية المناسبة منها و لا يجدونها المتوفر منها في الوقت المناسب، وهذا كله له تأثير على الإنتاج ويزداد الأمر سوء إذا لم نجد ماكنات القطع عند أوان الحصاد، لأن كل تأخر فيها يؤدي إلى نقص في المادة المنتجة (إنتاج الهكتار)، ثم يذهب المزارع إلى السوق والدولة لم تنظم بعد عملية الشراء، وتكون المنافسة بينه وبين أصحاب الماكنات الصغار، وتتراكم عليه هو تكاليف باهظة بمقتضاها يبيع إنتاجه بخسارة كبيرة لتسديد الديون المترتبة عليه، وبالتالي يعجز عن تسديد ديونه، هذا إذا لم يتعرض لما يفسد زراعته كالفيضانات أو الآفات الزراعية المختلفة وخاصة الطيور.

هذه بعض الأسباب التي أدت إلى وجود تراكم في ملف القرض الزراعي ولا كنها تراكمات موجودة كثير من قطاعات الدولة.

نأخذ مثلا البنوك كانت ملكا للدولة فكان التجار والصيادون والصناعيون يقترضون منها وتحملت الدولة مئات الملايير من الديون بسبب هذه القطاعات الاقتصادية، وكانت الدولة ملزمة بذلك لأنها إذا لم تتحمل ذلك سيفسد القطاع الاقتصادي كله، فمثلا أمريكا عندما أخذ "مادوف" وغيره في الأزمة التي أصابت نظامهم المصرفاتي ضاعت فيها مئات الملايير من الدولار، لزم الدولة أن تتدخل وتأخذ من أموال المواطنين لإنقاذ هذا القطاع وهي تعرف أن "مادوف" مثلا ذهب ب 60 مليار دولار وهو فرد واحد.

معنى هذا أن الدولة لا يمكنها أن تتخلى عن أي قطاع حيوي بدون أن تجد له حلا، ولا يمكن أن تنتظر إلى ما لا نهاية لأن الحياة لا تتوقف.

- وأيضا هذه الأرقام التي أعطيت على أنها ديون على المزارعين مضخمة كثيرا لأن 60 أو 70 % في المائة منها فوائد في غير محلها.
- ومعلوم أن الدولة الموريتانية لم تتدخل أية مرة لتعويض المزارعين جراء الكوارث التي تتعرض هذا القطاعات، وفي سنوات عديدة عمَت الفيضانات كل المزارع ولم تعوض الدولة أيا من المزارعين، كما أن أسراب الطيور غزت المزارع وأتلفت المحاصيل كذلك ولم تتدخل الدولة.
- وهذه الديون المطالب بها اليوم فيها البعض من تلك الفترة إن لم يكن معظمها.

إذا هذا كله يجعلنا ننظر مسألة القرض هذه ولكن علينا أن ننظرها أولا: بمصلحة هذا القطاع.
وثانيا: ننظر فيها على أن هذا القطاع حيوي وضروري في حياة هذا البلد، لأن "أي أمة لا تنتج ما تأكل لا يمكن أن تكون لها حرية ولا وجود".

ثالثا: العالم مهدد بالمجاعة اليوم وغدا لأن عدد السكان يتضاعف بشكل مذهل، والمساحات المزروعة والإنتاج الزراعي محدود، إذا ستجيء فترة لا نجد الأرز لـ"وجبة الغداء". لأن الدول المنتجة ستبقي إنتاجها للاستهلاك الداخلي خصوصا أن معظمها تعرض هذه السنة للفيضانات كالهند و فيتنام وهما من أكبر المنتجين و الفلبين وأندنوسيا وهما من أكبر المستهلكين، يعني هذا أن موريتانيا مهددة في مستقبلها.

- المصطفى ولد مولود. 1950 تجكجة.
- مهندس في المعادن السائلة (الاتحاد السوفيتي سابقا) 1977.
الوظائف:
- موظف في منظمة استثمار نهر السنغال وتدرج حتى وظيفة مدير في المنظمة من 1978 حتى 1985.
- مديرا المياه 1985- 1989.
- مدير عاما لصونادير 1989-1990.
- مستشارا لوزير المياه (مكلف بملف منظمة استثمار نهر السنغال) 1990-2001.
- وزيرا للتنمية الريفية والبيئة 2001- 2002.
- رئيس مكتب استشاري 2002- حتى اليوم.


الأخبار: ما هو الحل إذا؟

المصطفى ولد مولود: الحل هو أن تعي موريتانيا أنها مهددة في حياتها المستقبلية إذا لم تولي أهمية خاصة لتنمية القطاع الزراعي، وإنتاج المواد التي يستهلك المواطنين مثل: القمح- الدخن –الذرة (الزرع ومكه)، هذا لابد له من عناية وينبغي أن نعلم أن الإنتاج الواسع لا يمكن أن يحصل بزراعة صغار المزارعين وحدهم، بل لابد من زراعة المساحات الواسعة آلاف الهكتارات، ولا ينبغي أن نقول دفعنا للمزارعين ورجال الأعمال، فإن الدول الكبرى التي تمارس الزراعة مثل تايلاند والولايات المتحدة الأمريكية تدعم المزارعين.

وينبغي كذالك دعم المزارعين الصغار لأن الواحد منهم يحصل اكتفاء ذاتيا لنفسه، ويساهم أيضا في تحقيق الاكتفاء الذاتي بدرجة ما، مع التأكيد على أن ما يحقق الاكتفاء، وقد يوفر في مرحلة لاحقة فائضا، هو زراعة المساحات الكبيرة.

إذا حله -لا يمكن أن يكون في إلغاء الموسم الزراعي- بل حله في التعامل معه، فيه مشكلة فعلا، نحن نعترف بأن الدولة لا يمكن أن تظل في كل سنة تقدم قرضا زراعيا ولا يعاد إليها، أو كما يقول المثل الحساني "حاس بلا قعر"، كل عام تدفع قروضا ولا تستعاد، هذا مستحيل، لأن أي مشروع لابد له مما يضمن ديمومته، ولضمان ديمومة القرض الزراعي لابد من أن يستفيد المزارعون مما تحت أيدي القرض الزراعي من الوسائل ثم يعيدوها بعد ذلك، ويتطلب ذلك من الدولة تنظيم القطاع والسهر عليه بأن يسيره أناس أكفاء، لتكون هناك ديمومة لعملية الإنتاج والتمويل، وتحل العقبات الفنية كلها، سواء منها ما تعلق بمرحلة الإنتاج أو ما قبلها وما بعدها، وإذا اهتمت الدولة بإحدى هذه المراحل الثلاث وتركت غيرها فإن ما دفعته من التمويل سيضيع، وبدون ضمانها سيكون القرض الزراعي على حساب المزارع البسيط.

الأخبار : حتى الآن العمليات التي تمت في السنوات الماضية بما أنها لم تشمل المراحل الثلاثة كانت على حساب المزارع البسيط؟

المصطفى ولد مولود: كانت على حساب المزارع، القرض الزراعي كان مفتوحا، كل أحد يجيء ويقول أنا مزارع وأملك الأرض الزراعية كذا وكذا، وأنت تعرف الموريتانيين فيهم الكثير من المغالطات، لا أقول بأن المزارعين كلهم نزهاء يجب على الجهات المسؤولة أن تدرس الحالات، كما يدرس البنوك حالات من طلب منهم القرض، فلا يعطون قرضا إلا بضمان يضمن أن صاحبه سيرجع لهم أموالهم، وهل هناك تلاعب ببعض الوثائق تظهر أن أحدا مزارعا وهو في الحقيقة غير مزارع، ونتيجة هذا حصل هذا التراكم، طبعا المزارعين فيهم دين كثير ولكن ذلك كان لأسباب موضوعية.

من جهة أخرى لا يمكن علاج مشكلة قطاع الزراعة بمنأى عما يحدث في المنطقة، بجوارنا السنغال، والتي تعطي أولوية قصوى للزراعة، وتدعمها في كل مراحلها؛ تدعم الإنتاج والمدخلات، وتضمن المراحل أو تتدخل فيها.

كم من مرة ألغى السنغال فيها ديون المزارعين من سبع إلى عشر مرات، وهو الشيء الذي لم يحصل في موريتانيا أبدا، ولو لمرة واحدة، وهذا غير منطقي، فالدول الفقيرة تطلب من المقترضين في العالم من بنوك وغيرها أن تلغي عنها المديونية بحجة أنها تنتج مواد أولية خام وتباع بأسعار تتأثر بالسوق، وهي حجج مقنعة تتقبلها الدول المتقدمة وتلغي ديون هذه الدول المقدرة بمئات المليارات من الدولار، نفس هذا المنطق ينبغي أن نتحلى نحن به، طبعا عند إلغاء الديون هناك مسطرة من الشروط ينبغي عليهم القيام بها، وهو نفس الشيء الذي علينا نحن فعله بالنسبة لمزارعينا.

الأخبار: ماذا عن برنامج "ابيديام" ولماذا لم تطله التحقيقات الجارية في إطار القرض الزراعي ؟

المصطفى ولد مولود: لا أعرف في الحقيقة، أنا الآن لست في الدولة.

الأخبار: هل مجال عمله ومجال عمل القرض الزراعي واحد أم لا؟

المصطفى ولد مولود: عموما مجالهما ليس واحدا، فمشروع "ابيديام" ممول من طرف البنك الدولي، وله أهداف محددة، لا أعرف هل وصل إلى تلك الأهداف أم لم يصل إليها، المفروض أن البنك الدولي يرسل بعثات دورية لتعرف هل حقق أهدافه أم لم يحققها، وتكتب تقارير ترسل للدولة الموريتانية والوزارات المعنية.

بينما القرض الزراعي يختلف عن "مشروع ابيديام" فالقرض الزراعي مؤسسة أنشأت لتقرض المزارعين في الحملات، ولضمان تحققها وديمومتها طبعا ينبغي أن يرد المزارعون المبالغ التي أخذوها، إذا كانت الظروف عادية، فهو مثل أي إنسان يعمل في قطاع إنتاجي، لأن أي قطاع لا ربح فيه لن تتجه إليه الناس، إذا الزراعة لا يمكن أن تنجح إذا لم يجد المنتج -أي المزارع- الربح، وهذا هو ما لم تفهمه الدولة حتى الآن.

وما جعل هذه المشاكل كلها تحدث هو أن الدولة لم تفهم هذا المبدأ، لأنه من أجل أن نحصل على تنمية زراعية لابد أن نضمن لصاحبها- المزارع- الربح . وبالتالي تبقى الزراعة دائما في تتطور.


الأخبار : هل لديكم معلومات عن حجم الديون المعادة؟

المصفى ولد مولود: لا ليس عندي، أعرف أنه في سنة 2008 وزع القرض الزراعي الكثير من التمويلات على المزارعين، وأعرف أنه بصفة عامة -والحق يقال– أن الأسعار التي ضمنت الدولة كانت معقولة تضمن إلى حد ما للمزارع عدم الخسارة، وأعرف أنه قد يكون بعض المزارعين فاتته تلك الفرصة لبيع منتجاته، وأعرف أن الدولة قد قطعت على نفسها بعض الالتزامات التي لم تف بها حيال المزارعين، وقد يكون هذا هو السبب وراء عدم تأدية بعض المزارعين بالنسبة لسنة 2008، وأعرف أنه في هذه السنة 2009 القرض الزراعي لم يتدخل بأي شيء، وهؤلاء المزارعين الذين يزرعون اليوم يزرعون على حسابهم الخاص، وهذا يظهر أنهم مزارعون حقيقيون، وليس معنى هذا أنهم لا يطلبون القرض الزراعي، وإذا لم يشترى من عندهم ما أنتجوه وتحل هذه المشكلة سيتركون الزراعة.

الأخبار: كنتم وزيرا للتنمية الريفية والبئية خلال العامين 2001-2002، كيف تشخصون مشاكل القطاع الزراعي من منطلق الإطلاع عن قرب؟

المصطفى ولد مولود: كما قلت لك القطاع الزراعي في موريتانيا ثلاثة أنواع:

أولا: الزراعة المطرية وزراعة ما وراء السدود: هذه الزراعة تمكن المواطنين من البقاء في أماكنهم الأصلية دون أن يزيدوا المدن الكبرى ازدحاما، لكن إنتاجهم يبقى محدودا يمكن أن يوصف بأنه إنتاج من أجل الشخص، أي حاجة أسرة واحدة سنويا.

ثانيا: القطاع الاجتماعي أي زراعة السهول (فم لكليته- كوركل – مقامه – بوكي – امبوري...) والتي صرفت فيها الدولة مئات الملايير، وهذه يقوم عليها صغار المزارعين، هذا القطاع إنتاجه أيضا محدود وخاص بأهله، وينبغي أن يدعم أيضا وهو ما تؤطره الآن "صونادير".

ثالثا: القطاع التجاري: أي القطاع الذي فيه كبار المزارعين وهو والذي قبله هما المستفيدان من القرض الزراعي، وإذا نظرنا إلى مشاكلهم نجد أن القطاع الذي تؤطره "صونادير" يواجه مشاكل في التأطير والتنظيم، ولابد له من مجهود كبير ليتم حله لأن الدولة صرفت فيه مبالغ طائلة لا يمكن أن تقارن بما صرف في القطاع التجاري، القطاع التابع لـ"صونادير" صرفت فيه مئات المليارات، والثاني أي التجاري- لم تصرف فيه إلا حوالي خمسة إلى ستة مليارات وكانت قروضا.

وإذا نظرنا إلى إنتاجهم اليوم وجدنا الفرق شاسعا، فالقطاع التجاري هو الذي ينتج 70% تقريبا من إنتاج البلاد من الأرز الخام، بينما القطاع الأول الذي صرفت فيه مئات الملايير لا ينتج إلا 30%.

وهذا ما يستدعي من الدولة أن تنظر فيهما، وتتعامل معهما واضعة في الحسبان الفرق بينهما، مع مراعاة طبيعة الأشخاص العاملين في كلا القطاعين، إذ يعمل في القطاع الاجتماعي الفقراء الذين ينبغي على الدولة مساعدتهم، بينما يعمل في القطاع التجاري رجال أعمال، لكن كل هذا ينبغي فعله عن وعي، ولا يقال هذا "القطاع الزراعي" ومديونيته واحدة والتعامل معه واحد، من الضروري النظر فيه بدقة، مشاكل الزراعة كثيرة وخاصة القطاع الذي عليه الاعتماد –القطاع التجاري- الذي ينتج كميات كبيرة.

ومن المشاكل التي يواجهها القطاع أيضا:

أولا: أن بلدنا إنتاجه للبذور لا وجود له، أو ضعيف جدا وغير منظم ولا يمكن أنت تجد إنتاجية ومردودية للقطاع الزراعي إلا إذا توفرت له البذور.

ثانيا : إذا لم تستصلح الأراضي بصفة جيدة حسب المعايير الفنية، فإن ذلك سينعكس ذلك على إنتاجها، وليس لديها تمويل بفوائد معقولة لاستصلاح الأراضي، هؤلاء المزارعين الآن الذين يقترضون من القرض الزراعي وتوضع عليهم فوائد بنسبة 15% أو تزيد، وإذا قارناها بالفوائد التي تؤخذ من المزارعين المغاربة أو الجزائريين أو التونسيين أو المصريين نجد أنه لا مجال للمقارنة، فأقصى ما يؤخذ من المزارع في هذه البلاد 5- إلى 6 % كفوائد، أما نحن فمع أن زراعتنا ناشئة ترتفع نسبة الفوائد إلى 15%، لا بد أن نتعامل معها معاملتنا مع الصبي، فالصبي لا بد أن يعتني به أهله حتى يكبر، والزراعة في موريتانيا لم تقف بعد على أرجلها، ولم تعتمد على أساس صحيح، وما زالت في مرحلة الطفولة، ولا يمكن معاملتها كما تعامل في دول عرفت الزراعة فيها تطورا كبيرا ولها فيها تجربة طويلة (تمارس الزراعة منذ قرون) مثل مصر.

ثالثا: عدم وجود اليد العامل المتدربة والعارفة وكذا عدم توفر الآليات الكافية.

رابعا: ضعف عملية التسويق: لابد من إنشاء سوق حتى نضمن تسويق المنتج، ويلزم كذلك التحسين من الإنتاجية، خاصة مسألة تقشير الأرز، فلا يمكن أن يقال "أرز موريتانيا أحسن منه أرز كذا" لأنه هو نفس الأرز الذي نستورد الفرق فقط في مسألة التقشير.


الأخبار: من المراقبين للقطاع الزراعي من يقترح توجيه الجيش الموريتاني للزراعة، استفادة –ربما- من تجارب بعض الدول في هذا المجال ؟

المصطفى ولد مولود: الجيش لا يستطيع أن يتوجه للزراعة المروية لأنه ببساطة لا يعرفها، فلا يمكن قياسه على الجيش الصيني –مثلا- إذ أن الجنود في الصين أبناء مزارعين، ومارسوا الزراعة المروية قبل التحاقهم بالجيش، أما في موريتانيا فجنودنا كانوا في المدن في نواكشوط و نواذيبو والمدن الكبرى الداخلية، ولم يتربوا في بيئة زراعية، والزراعة مهنة مهنية يفسدها ممارسة غير المهنيين لها.

الأخبار : لو رجعنا إلى ملف "القرض الزراعي" يقال إن 12 مليار أوقية ذهبت في الديون، وأن لجنة شكلت لغرض دارسة المقترحات التي يمكن أن تحل ملف المديونية المتراكمة، كما يقال إن توجها أو مقترحا من نقابة مقربة من رجال الأعمال، وتقترح "حلا" يسقط المترتب عليهم أو يقلل منه، في حين تبقي ديون فقراء المزارعين كما هي ؟

المصطفى ولد مولود: هذا غير صحيح بهذه الصفة، المديونية على الناس كلهم كل المزارعين صغارا وكبارا، لأنه منذ بدأ القرض الزراع والديون تتراكم على المزارعين بسبب الأسباب التي ذكرت سابقا، وهذه ليست مسئولية المزارعين فحسب، فالدولة تتحمل جزءا من المسؤولية.

ومن يريد معالجة المديونية عليه أن يعالجها بالنسبة للجميع، طبعا يأخذ بعين الاعتبار المزارعين الفقراء الذين لا يستطيعون تسديد ديونهم، وكذا الذين قامت الدولة باستصلاح أراضيهم وكلفتها عشرات المليارات، طبعا الدولة من أجل استمرار هذه المنشآت ينبغي أن تدعم أصحابها حتى يصلوا مرحلة الاستغناء عن الدعم، ومع ذلك ينبغي أن تضع لهم برنامجا وتدرسه معهم لكي يعرفوا أنهم إذا أخذوا بعد هذا قرضا سيعيدوه.

فيما يتعلق بالآخرين سواء كبار المزارعين أو وسطاءهم فكلهم اقترض من صندوق القرض الزراعي، والفيضانات لم تفرق بين القوي والضعيف والغني والفقير بل عمت على المزارع كلها وكذلك بقية الآفات لا تفرق بين المزارعين كالطيور والحشرات الضارة...

القرض الزراعي –أيضا- يوزع التمويل حسب الهكتار والاستفادة منه واحدة، فعلا لا يستوي من عنده هكتار واحد ومن عنده مئات الهكتارات، فديونهم غير متساوية، لكنهم لا يختلفون في الخسارة فصاحب الهكتارات يخسر أكثر مما يخسر صاحب الهكتار الواحد.

الأخبار: بعض المراقبين لديه تخوف من تسييس ملف "القرض الزراعي" هل فعلا هناك تخوفات من ذلك؟

المصطفى ولد مولود: ما كنت أريد قوله هو: أن هذا الملف لا ينبغي أن يسيس، فليست هناك مصلحة لأي أحد في تسييسه، تصور كم من البشر اليوم يعيش من الزراعة، عندما تأخذ عشرين هكتارا وتصرف فيها أربعة ملايين سوف يعمل فيها 15 شخصا إلى 20 كلهم سيستفيد، وعندما تحصد ستستفيد منها جميع القرى التي بجوارها، لن تأتي امرأة من القرى المجاورة إلا وعادت بخنشة أرز مجانا، من دون أن تبذل فيها أي مجهود، ويكون حشيش ذلك الزرع علفا للحيوانات في مناطق أخرى، مثل نواكشوط.

والتضخيم في المديونية لا يجدي لأنه مخالف للحقيقة، فإذا نزعنا الفوائد من هذه 12 مليار ستبقى ست مليارات أو على الأكثر سبع مليارات، وهذا قليل لأننا إذا نظرنا إلى أي قطاع من قطاعات الدولة وجمعنا مديونيته منذ عشرين سنة فسنجدها لا محالة أضعاف هذا المبلغ.

ينبغي ألا نضخم هذا الموضوع أكثر من اللازم، وعلينا أن نتركه بحجمه العادي، ونعلم أنه مسالة مهمة، القطاع الوحيد الذي يمكن لإفريقيا أن تتجاوز الكوارث وتتطور إذا حافظت عليه هو القطاع الزراعي، وقد وجهت له هذه السنة تمويلات هائلة من المنظمات الدولية وخصوصا البنك الدولي، فعلى موريتانيا أن تستفيد من هذه التمويلات، وأن تعلم أن الطريقة التي تعالج بها الموضوع ليست هي الطريقة الأنجع، الذي يوصلنا للطريق السليمة هو أن لا نسيس القضية، فالدولة عندما تفاوض المزارعين عليها مراعاة أوضاعهم، وعلى المزارعين أن لا يطلبوا من الدولة ما ليس معقولا.

ينبغي أن تحسم المسألة بسرعة، ويبدأ الإنتاج وتحل مشكلة التسويق، ويبدأ الاستعداد من الآن للحملة المقبلة ليكون عندنا قطاع زراعي يشارك في تنمية البلد، فالبلد محتاج له أشد الاحتياج.

الأخبار: شهدت الآونة الأخير حديثا إعلاميا متزايدا عن الأحواض الناضبة، وعن سعي سنغالي لإحياء مشروعها، ما هي الأحواض الناضبة ؟ وما هو المشروع السنغالي المتعلق بها؟

المصطفى ولد مولود: لست متابعا للملف منذ العام 2002، وبالنسبة للأحواض الناضبة هي مجاري قديمة للمياه كانت متفرعة عن النهر، لكنها نضبت منذ مئات إن لم تكن آلاف السنين، مثلها في ذلك مثل أحواض أخرى موجودة في موريتانيا كحوض إنشيري وحوض آفطوط، وحوض بحيرة ألاك والركيز...


وكلما أعرفه عن هذا الملف أنه منذ العام 1998 كان هناك جدل كبير داخل منظمة استثمار نهر السنغال متعلق بـ"مشروع السنغال المعروف بمشروع الأحواض الناضبة"، وقد اكشفت موريتانيا آنذاك أن السنغال بدأ فعليا في تنفيذ ذلك المشروع على الرغم من أن الاتفاق الموقع بين دول استثمار نهر السنغال والخاص بالنهر ينص من بين أمور أخرى على أنه "لا يحق لأي دولة أن تنفذ أي مشروع مهما كان حجمه يستغل مياه النهر دون موافقة الأطراف الأخرى".

والمشروع السنغالي كان يهدف إلى توجيه المياه من الأعالي إلى هذه الأحواض أي قبل وصولها إلى مجرى النهر، وهو ما يؤثر على تدفق المياه، خصوصا خارج موسم الأمطار.

وفي هذا النطاق فإن السنغال قد تراجعت فعلا عن هذا المشروع في نطاق اتفاقيات قد تم توقيعها من طرف وزراء الدول الثلاث (مالي وموريتانيا والسنغال) المكلفون بمنظمة استثمار نهر السنغال في باماكو سنة 2002.

وقد نص ذلك الاتفاق على إغلاق كل الممرات المائية التي أنجزت في نطاق مشروع الأحواض الناضبة السنغالي.

أما ما يتم عنه الحديث الآن فقد اطلعت عليه فقط في وسائل الإعلام ولا أستطيع الحكم عليه.


الأخبار:شكرا جزيلا.
المصطفى ولد مولود: شكرا جزيلا لكم.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!