التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:21:34 غرينتش


تاريخ الإضافة : 18.02.2008 12:24:30

حتى لا نخدم التطرف

  wadiaa@maktoob.com  أحمدو ولد الوديعة

[email protected] أحمدو ولد الوديعة

أسيل الكثير من الحبر عن موريتانيا والإرهاب خلال الشهرين الماضيين حمل بعضه إدانة مستحقة لتلك الأعمال الإرهابية التى أزهقت أرواحا بريئة ، وحاول بعضه أن يقدم قراءة تحليليلة للظاهرة الكونية التي كان البعض يظن أن موريتانيا يمكن أن تظل بمنأي عنها، ودخل البعض فى البحث
عن علاقة " ممكنة" لأحداث العنف هاته بتفاعلات الوضع الداخلي الخارج من مرحلة مجمع على دكتاتوريتها، والداخل فى أخرى مختلف فى تقويم ما حققته من وعود " التغييرالهادئ".
للموضوع إغراء كبير بالكتابة وفيه بكل تأكيد ما يقال ويبحث عنه وتوضع أمامه علامات الاستفهام ونقاط التعجب وكل أحرف و كلامات الاستنكار والإدانة لكن عددا ممن تناولوه بالكتابة والتحقيق – موريتانيين وأجانب – ذهبوا فيه مذاهب تخدم التطرف وتوشك إن اخذ بها صناع القرار أن
تقدم هدية غالية للمتطرفين الذين تدل كل المعطيات المتوفرة عنهم حتى الآن أنهم أقلية معزولة فاقدة للشرعية والرؤية والغطاء، وفيما يلى نماذج من المقاربات التى هيمنت على تعاطي البعض مع هذه الأحداث.
- حصاد الديمقراطية : تلك هي المقاربة التى ركنت لها عدد من وسائل الإعلام الفرنسية ولخصتها بلغة مباشرة صحيفة لوفيغارو اليمينية الفرنسية فى تقرير مطول حمل عنوان " دمقرطة موريتانيا خدمت المتطرفين" خلصت فيه إلى أن الانفتاح الديمقراطي فى البلد بما سمح به من ترخيص حزب إسلامي وإطلاق سراح عدد من رموز التيار السلفي بعد محاكمة لم تتدخل فيها السلطة التنفيذية كانت بمثابة " خدمة للتطرف في موريتانيا" إن هذه المقاربة تمثل قلبا كاملا للحقيقة فالذى يخدم التطرف في العالم كله – وموريتانيا ليست استثناء- هو
الديكتاتورية والقهر وإغلاق الأبواب أمام الراغبين في المشاركة السياسية، والتجربة الموريتانية ذاتها شاهدة على ذلك فالذي أوجد الإرهاب في موريتانيا لأول مرة هو نظام ولد الطايع الذى كان يتبنى سياسة تنقيب عن "الإرهاب" لا تقل حيوية عن سياسة التنقيب عن النفط فالاثنان بالنسبة للرجل كانا عاملي بقاء ضرورين لمواجهة شعب ساخط، بما يتيحه أولهما من رخاء، وما يتيحه الثاني من غطاء من قوى الإرهاب الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية.
إن الإرهاب الذي تواجهه موريتانيا – وهو مدان أيا تكن أسباب وجوده – ليس سوى جزء من فاتورة أخطاء الماضي وخطاياه ، مثلها مثل انتشار الفساد، واتساع الهوة بين مكونات المجتمع، واستمرار رفرفة علم الصهاينة الغاصبين في سماء نواكشوط، إنها فاتورة صعبة يتعين على الجميع أن
يبذل جهدا مضاعفا من أجل تخليص موريتانيا منها، وهو ما لا يمكن أن يتم إلا من خلال مصالحة وطنية تقتضى الموضوعية الاعتراف أن خطوات مهمة قطعت على طريقها لكن خطوات أكثر ما تزال " معلقة" وحتى تلك المقطوعة تواجه صعوبات أعظمها أن قاطعيها - في غالبيتهم - " غير أوفياء" لها.
- الخلط القاتل أما المقاربة الثانية فهي قائمة على أن أصل الإرهاب هو
التدين – بل الدين أحيانا – وأن كل الإسلاميين " ملة واحدة "من هنا وجدنا " متخصصين"يتطوعون بتقديم معطيات عن تطور بدا لهم مذهلا فى تعداد المساجد في البلد، وعن ازدياد ملحوظ لعدد المصلين في الجماعة، وعن سيطرة الإسلاميين على أحياء بكاملها في العاصمة كما شاهدنا وسائل إعلام غربية لا ترى في كل ما عرفه البلد خلال السنة
الماضية من تطورات ايجابية وسلبية غير إعادة العطلة للجمعة وصلاة الرئيس فيها، وبناء مسجد في محيط القصر الرئاسي.
إن أصحاب هذه المقاربة - وهم في الغالب حملة رؤية معادية للمشروع الإسلامي – يقدمون خدمة كبيرة للتطرف وأي خدمة أكبر من تصوير كل المصلين في المساجد، وكل المحتفين بعودة العطلة للجمعة وكل المصوتين للإصلاح والتغيير في الانتخابات الماضية كما لو كانوا اتباعا لهؤلاء الشباب الحاملين لرؤى متطرفة تعتبر – بالمناسبة -كل ما سواها كفرا وضلالا ولا فرق عندها فى النهاية بين "الكفار الجدد" و"الكفار القدماء"، وتجارب هذه الجماعات في الجزائر والعراق وفى كل مكان شاهدة على هذه الحقيقة. لقد كان التيار الإسلامي الموريتاني الوسطي من أول
القوة السياسية الوطنية التى أدنت هذه الأعمال الإرهابية وهو إذ يفعل ذلك لا يحابي أحدا ولا يخطب ود احد ولكنه ينسجم مع قناعات شرعية وفكرية راسخة آمن بها منذ القدم و برهن عليها تاريخه السياسي خلال العقود الماضية.
التطرف إذا خطر جدي يواجه موريتانيا – لا يجوز تهويله ولا التخفيف منه – والطريق الأسلم لمواجهته هو في ترسيخ الديمقراطية، وتشجيع قوى الاعتدال، وتوطيد استقلالية القضاء، وتدعيم الهوية الإسلامية للبلد الضامن الوحيد لتحقيق الوحدة الوطنية أما مقاربات " الإقصاء" وتشجيع الديكتاتورية، والتنكر للهوية فهي تمثل بامتياز أحسن الوصفات " لتنمية الإرهاب.
_______________________
*صحفي موؤيتاني


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!