التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:03:07 غرينتش


تاريخ الإضافة : 03.11.2009 15:27:30

إسلاميو موريتانيا وأبعاد التحالف الجديد مع الحزب الحاكم

فتح التحالف الانتخابي الجديد بين الإسلاميين الموريتانيين والحزب الحاكم والأول من نوعه في مسار الحياة السياسية الباب واسعا أمام العديد من التساؤلات المشروعة، عن مضامين هذا التحالف وأبعاده ودلالاته، وتوقيته بالذات، وذهب العديد من المتابعين إلى القول بحدوث انقلاب جذري في سياسة إسلاميي موريتانيا ونظرتهم إلى القصر الرمادي، يقوم على أساس المهادنة أو ما يسميها هم بالمعارضة الناصحة، بدل تلك "الناطحة" والتي أمضى فيها الإسلاميون زهرة شبابهم وعطائهم الفكري والسياسي..

المنشأ والجذور

ظهرت الحركة الإسلامية في موريتانيا بداية الثمانينات بشكل علني تجسد في الجمعية الثقافية الإسلامية الموريتانية التي أخذت آنذاك لبوسا "دعويا" وقادها محمد المختار كاكيه ومحمد فاضل ولد محمد الأمين وغيرهما، وذاع صيتها في مختلف أنحاء البلاد عبر الدروس والندوات التي تحتضنا المساجد، وقد استفادت الجمعية من هامش الحرية الذي منحه لها الرئيس الأسبق محمد خونه ولد هيداله وخلفه ولد الطائع فيما بعد، ونشطت الحركة بشكل ملفت، قبل أن يتقلص أداؤها لاحقا، لتختفي تماما تاركة المجال للتيار الإسلامي أواخر الثمانينات وبداية التسعينات، ويقول مناهضو الإسلاميين إن الجمعية الثقافية ما كانت إلا معبرا للدخول إلى الساحة وأن نشاطها وفروعها في الداخل مهدت بشكل جيد لظهور خلفها الجديد..

الإسلاميون وعصا ولد الطائع
شكل تنامي التيار الإسلامي في الساحة ومحاولته تحقيق مكاسب سياسية في عهد الرئيس ولد الطائع قلقا كبيرا لدى الرجل الذي لم يخف امتعاضه من نشاط الإسلاميين وطموحهم الذي لا حدود له، فقام بعد رئاسيات 1992 بمحاولة الإجهاز عليهم، عبر سلسلة من الاعتقالات العشوائية طالت العديد من رموز وأنصار التيار الإسلامي وأسفرت عن إغلاق جمعيات أهلية منها "نادي مصعب ابن عمير" و"نادي عائشة" وبعض المكتبات الصوتية في العاصمة نواكشوط، وتم تجييش الإعلام الرسمي لخوض حرب ضروس ضد الإسلاميين، ترجمتها "أسئلة موجهة إلى الشباب".
آنذاك عرض النظام ما قال إنها أدلة دامغة ضد المعتقلين تدينهم بالارتباط بتنظيمات خارجية وتلقي أموال بهدف زعزعة استقرار البلاد، وطبعا لم تفلح آلة النظام الدعائية في إقناع الرأي العام الوطني والدولي بصحة دعواه، كما لم ينجح إسلاميو النظام المؤيدين له في تشويه صورة رفاقهم السابقين.
وكانت تلك أولى الواجهات الجادة مع التيار الإسلامي، وقد خرج منها هذا الأخير بمكاسب سياسية كبيرة، حيث نجح الإسلاميون في عهد ولد الطائع في الدخول إلى المجالس البلدية والجمعية الوطنية، وصاروا شوكة في حلق النظام آنذاك، وربما ساهم هو من حيث لا يدري في تنامي هذا التيار عبر سياسة التطبيع مع العدو الصهيوني التي أظهرت الإسلاميين كقوة مناهضة لهذا الخيار، واستطاعت باستغلالها لتعاطف الرأي العام الوطني مع القضية الفلسطينية أن تمثل قوى شعبية مناهضة للاختراق الصهيوني..
وفي آخر سنوات ولد الطائع قام الرجل عقب المحاولة الانقلابية 2003 بحملة شرسة ضد قيادة الإسلاميين في موريتانيا حيث امتلأت بهم السجون، وخضعوا لعمليات متابعة دقيقة داخل وخارج البلاد، ولعل الجميع يتذكر سلسلة الاعتقالات التي شملت الشيخ ولد الددو وجميل منصور وولد محمد موسى والنووي، وغيرهم ممن لم تشفع لهم إداناتهم الصريحة لأعمال العنف (لمغيطي مثلا)، ولا موقفهم الواضح من الحركات التكفيرية الجهادية..

ولد محمد فال على خطى سلفه
وعندما جاء انقلاب الـ3 أغسطس الذي أطاح بالرئيس ولد الطائع كانت السجون تعج بالعشرات من الإسلاميين بشقيهم السلفي والإخواني، وقد بادرت السلطات الجديدة بقيادة العقيد اعلي ولد محمد فال بإصدار عفو عام وشامل عن جميع الموقوفين وهو العفو الذي استفاد منه الإسلاميون وقادة تنظيم فرسان التغيير.
لكن الحاكم الجديد سار على خطى سلفه فرفض الترخيص لهؤلاء عندما تقدموا إليه بمشروع حزب سياسي، وذهب أبعد من ذالك حينما ساوى بينهم وبين السلفيين الجهاديين في إحدى خطبه الشهيرة..
وظلت العلاقة معهم على نفس الوتيرة التي كانت عليها في عهد ولد الطائع مع استثناء واحد وهو عدم التعرض لهم بالسجن أو الاعتقال التعسفي..
وقرروا في عهده الانخراط في العملية السياسية فحققوا مكاسب معتبرة في الجمعية الوطنية ودفعوا بصالح ولد حنن إلى سدة الرئاسيات 2007 وتحصلوا حينها على نتائج متواضعة نسبيا، إلا أنهم خرجوا من السباق أكثر قوة من ذي قبل بفضل تواجدهم في غرفتي البرلمان وعدد من البلديات الهامة، فضلا عن الترخيص لهم دستوريا بالممارسة السياسية بعد حصولهم على وصل اعتراف رسمي بحزب التجمع الوطني من أجل الإصلاح والتنمية "تواصل" الذي أبصر النور ثلاثة أشهر فقط عقب تنصيب ولد الشيخ عبد الله رئيسا للبلاد.

مناهضة الانقلاب
صبيحة السادس أغسطس 2008 تفاجأ الجميع بانقلاب عسكري يقوده الجنرال محمد ولد عبد العزيز ضد الرئيس ولد الشيخ عبد الله الذي لم يكمل بعد سنتين في السلطة.. هنا اصطف الإسلاميون إلى جانب القوى الرافضة للتغيير الجديد، وعادت العلاقة بينهم وبين النظام إلى سابق عهدها، لكن الحاكم الجديد انتهج سياسية مغايرة لأسلافه فلم يودع أيا من معارضيه السجن بتهمة "المعارضة" على الرغم من حدوث صدامات ومناوشات بين قوى الأمن والمتظاهرين المناوئين للانقلاب بمن فيهم التيار الإسلامي..
لكن الإسلاميين على ما يبدو اكتشفوا متأخرين أن السير في ركب القوى الممانعة قد لا يكون الأسلم في هذه المرحلة، وترددت أنباء عن تلقيهم نصائح وإرشادات من الحركات الإسلامية في الأردن ومصر والسودان بضرورة مراجعة الموقف، والاستفادة من التجربة القاسية للحركة في تونس والجزائر، حيث تم اجتثاثها من جذورها حينما اتخذت سياسية لي الأذرع مع النظام سبيلا لها، في حين حققت الحركة مكاسب كبيرة في مصر والأردن بفضل استغلالها لهامش الحرية المتاح هناك، وانتهاجها سياسية مهادنة أو لا مبالية إن صح التعبير، فدخلت البرلمان وأسست الصحف والإذاعات المرئية وتمكنت في غفلة من العسس من نشر خطابها الأيديولوجي على أوسع نطاق..


انقلاب في المواقف
ربما أخذ إسلاميو موريتانيا بهذه النصيحة فعلا، فقد قرروا الانسلاخ من الجبهة والمعارضة بطريقة ذكية جدا، حين أعلنوا ترشيح ولد منصور لرئاسة البلاد، في وقت كانت اجتماعات الجبهة متواصلة لاختيار مرشح موحد وكانت رئاستها آنذاك لحزب "تواصل"، الذي رفض أيضا التوقيع على مشروع اتفاق يقضي بدعم أي من مرشحي المعارضة الذاهب إلى الشوط الثاني..
هنا وعند هذه النقطة ذهب عدد من المراقبين إلى القول بحدوث انقلاب جذري في موقف حزب "تواصل" وهو ما تأكد لاحقا بعد نتائج الانتخابات الرئاسية التي لم يتجاوز فيها الإسلاميون عتبة الـ5% ومع ذالك كانوا سباقين إلى الاعتراف بهذه النتيجة المتواضعة جدا، في حين رفض بعض المرشحين النتائج من أساسها..
وبدأت الهوة بين النظام والإسلاميين تضيق إلى أن جاء التحالف الجديد في التجديد الجزئي لمجلس الشيوخ، الذي وصفه رئيس حزبهم بأنه "سلوك سياسي جديد أختار الحزب أن ينتهجه بعد أن اكتملت المؤسسات الدستورية ومن الله بشيء من العافية والاستقرار.
وأعتبر ولد منصور أن "منطق الحوار والبعد عن الصراعات الحدية والحوار الهادئ أمور تحتاجها البلاد في المرحلة الراهنة من أجل إطلاق قطار التنمية لإعادة الاعتبار للمواطن المحتاج متمنيا أن تنتقل الشراكة إلي مستوي أوسع ومع أطراف سياسية جديدة تؤمن بالحوار وبأهمية البناء وحاجة الشعب لتغيير حقيقي وبناء." وهو تضمين ذكي لشعار ولد عبد العزيز في الرئاسيات الماضية (التغيير البناء).
هذا التحالف الجديد ليس له ما يبرره بالنظر إلى أن الحزب الحاكم ولد حديثا بعد الانتخابات البلدية وهو من الناحية النظرية ليس لديه ما يعطيه لمرشحي الإسلاميين لمجلس الشيوخ، والذين يتوفرون على عدد لا بأس به من المستشارين البلديين في أنحاء البلاد المختلفة، وهم يتقاسمون بلديات العاصمة مع حزبي التكتل والتحالف.. وإذا كان من تفسير لهذا التقارب الجديد والأول من نوعه في تاريخ البلاد فهو أن التيار الإسلامي في موريتانيا قرر أخيرا تبني خيار المعارضة الناصحة" عوضا عن تلك "الناطحة" والتي دفع ثمنها غاليا وفي حقب متتالية.

سيدي محمد ولد أبه
كاتب صحفي


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!