التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:02:38 غرينتش


تاريخ الإضافة : 03.11.2009 22:55:34

جاك شيراك و نداء كوتونو :تجميل للصورة أم تكفير عن الماضي؟

سيدي ولد عبد المالك     باحث في الشؤون الافريقية

سيدي ولد عبد المالك باحث في الشؤون الافريقية

بعد غياب طويل عن الواجهة ظهر الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك قبل أزيد من أسبوعين في حفل رسمي فخم يعيد إلى الأذهان أيام الرجل في السلطة.من كوتونو العاصمة البنينية أختار الرئيس شيراك أن يطلق نداءا إلى العالم للمساهمة في جهود مؤسسته الخيرية التي تسعى لمحاربة الاتجار و تداول الأدوية الفاسدة في إفريقيا.النداء الذي حمل اسم نداء كوتونو أثار الكثير من اللغط و الجدل حول مدي صدقية و جدية الرئيس الفرنسي السابق في خدمة القارة السمراء .فكم هو جميل أن يحمل زعيم غربي لواء المساهمة في التخفيف من معاناة الأفارقة ، لكن أن تأتي المبادرة من رئيس سابق لفرنسا الاستعمارية ،رئيس هو نفسه مدرج علي قائمة تيار أفرا نس أفريك الذي يعد البديل الناعم عن الاستعمار بوجهه التقليدي فإن الأمر يتطلب تريثا لفهم مسوغات و مقاصد النداء .
صحيح أن إفريقيا تعتبر حقل تجارب للأدوية الفاسدة التي تحصد سنويا قرابة 100000 شخص ،و صحيح أيضا أن هذه الأدوية تلقي رواجا كبيرا بسبب ضعف بنية الرعاية الصحية و تدني القدرة الشرائية للمواطن و غياب رقابة الدولة. فوفق آخر إحصائيات لمنظمة الصحة العالمية تمثل الأدوية الفاسدة المتداولة في إفريقيا 30% من الحجم الإجمالي العالمي لهذا العلاج القاتل ، و تصل مداخليها السنوية إلى45 مليار أفرنك افريقي و تنشط في هذه العملية شبكات منظمة .لكن مقابل انتشار هذه الأدوية و مع اتساع نطاق تعاطيها هناك ظواهر أخري بيئية و صحية لا تقل في حجم ضررها و خطورتها عن الأدوية الفاسدة و تتسبب في موت المئات سنويا بإفريقيا و إلحاق الأمراض المزمنة بالآلاف. و تقف خلف هذه الظواهر الغريبة و الخطيرة و المتمثلة في إلغاء النفايات النفطية و الإشعائية بالمناطق الحيوية و إقامة المنشآت ذات النشاط الإشعائي المكثف بالقرب من التجمعات السكانية دون مراعاة الضوابط العلمية ناهيك عن الوازع الإنساني أو الأخلاقي الشركات الغربية المتعددة الجنسيات .و هذه الظواهر التي تمارس من قبل مؤسسات معروفة لا تكاد تجد شخصية رسمية غربية يتحدث عنها و لا عن مخاطرها و ضرورة القضاء عليها حتى ولو كان من المنتسبين لأحزاب الخضر عبدة البيئية في أروبا و الغرب أو ممن يصلون إلى السلطة بأصواتهم و لعل التأثيرات الخطيرة لمؤسستين غربيتين في هذا الصدد مدعاة للعرض و التأمل:
1-أريفا: أريفا شركة فرنسية تحتكر استغلال مادة اليورانيوم في إفريقيا و تتسبب أنشطتها الإشعائية في الكثير من الكوارث البشرية و البيئية ،فقد أعدت بلدية مدينة مونانا الغابونية التي ينشط فيه فرع من فروع الشركة منذ سنتين تقريرا كانت نتائجه في غاية الخطورة فمئات الأطفال مابين 0-5 سنوات يصابون بتشوهات خلقية و أمراض متعلقة بالرئة و الجهاز التنفسي ،و الأمراض الجلدية وفق التقرير. كما أن 6000 عامل سابق بالشركة مصابون بأمراض متعلقة بالشرايين و القلب بسبب النفايات الملوثة و الرواسب الإشعائية .وفي النيجر التي توجد بها أكبر ثروة إفريقية من مادة اليورانيوم فإن شركة أريفا تتمتع بسجل أسود علي في مجال التلوث البيئي و السلامة الصحية حسب تقارير المنظمات المدافعة عن البيئة .
2- فضيحة ترافيغيرا في ساحل العاج:في أغسطس (آب)من عام 2006 قامت شركة ترافيغيرا البريطانية بإلغاء 500 طن من النفايات السامة بميناء أبيدجان و ذلك بعد عجز الشركة عن معالجة هذه الرواسب النفطية الناتجة عن النفايات في هولندا مما تسبب في وفاة 18 شخصا و تسمم و إصابة 100000 شخص بأمراض جلدية ،و تعد فضيحة ترافيغيرا حلقة جديد ة في مسلسل الفضائح الطويلة للشركة (تهريب النفط أثناء الحصار على العراق و التورط في فساد مالي من خلال صفقة نفطية في جاميكا ...الخ ).
إن التستر على ممارسات هذه المؤسسات الغربية ،و إبقائها خارج دائرة المعاقبة و المحاسبة و الانتقاد من طرف الرسميين الغربيين يجعل الشكوك تحوم حول مبادرة الرئيس شيراك أو أي زعيم غربي يحاول أن يجعل من نفسه صديقا للأفارقة و جنديا في معركة القضاء على أوجاع القارة السمراء. فلاهتمام بالمشاكل الهامشية للقارة هو نوع من سياسية الهروب إلى الأمام التى درج الغربيون على ممارسته تجاه الأفارقة.و
الرئيس شيراك بالذات ليس أحسن من يتقدم بحمل مشروع محاربة الأدوية أو أي مشروع لمجابهة محن القارة السمراء فهو ينتمي لتيار فرنسي جشع متهم بالاتجار بالمخدرات و تهريبها و رعاية شبكاتها ، و بيع و ترويج الأسلحة في بؤر التوتر الأفريقية.تيار عدائي ا للممارسة الديمقراطية في القارة السمراء وما قد يتمخض عنها من أنظمة وطنية قد تقطع الطريق أمام المطامع التقليدية للمتعاقبين على دفعة الأمور بالاليزيه.
كما أن مواقف الرئيس شيراك نفسه تجاه المسألة الديمقراطية في إفريقيا ظلت مشبوهة طوال فترة حكمه فشيراك كان من المقربين من الرئيس التوغولي الراحل الديكتاتور أنياسينكبي أياديما ،حتي قيل أنه هنأه بفوزه في انتخاباته قبل الاخيرة و ذلك قبل أن تحسم عملية الفرز و تعلن النتائج رسميا بالتوغو!!!!
و يسجل أيضا في صفحة المآخذ على الرئيس شيراك تبنيه بشكل مفضوح لنظام رئيس ساحل العاج السابق هنري كونان بدي الذي يدفع الشعب العاجي الآن ضريبة أخطائه السياسية الفادحة ، و فساده الاقتصادي و المالي ،و عندما أطاح به الجيش سنة 2001جن جنون شيراك!!.


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!