التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:21:41 غرينتش


تاريخ الإضافة : 21.02.2008 08:40:31

العبودية في موريتانيا..ملاحظات ..ليس إلا

الحديث عن العبودية في موريتانيا أضحى حديث الساعة حيث جابت مؤخرا قوافل رسمية وغير رسمية مختلف أرجاء الوطن شارحة ومحللة ومعللة القانون القاضي بتجريم العبودية في بلادنا ،،كما كثرت الكتابات مؤخرا متناولة هذه الظاهرة من هذه الزاوية أو تلك ،وقلما يخلو ممجد للحكومة الحالية من إشارة إلى هذا القانون باعتباره أهم الإنجازات الكبرى التي تحققت في ظل رعايتها ..
بيد أنه في هذا المنحى يجب التفريق بين ماض لم نملك –ولا نملك توجيه مساره، ولا تقنين مقتضياته كانت فيه طبيعة الحياة البدوية تتخذ صبغة معينة في شتى مجالات الحياة اجتماعيا واقتصاديا ..وبين حاضر نحن نرسمه ونحن المسؤولون عن جزئياته وتمفصلاته ..وليس استشراف المستقبل رهين نظرة حولاء نحو الماضي.
فمن المسلم أن بلادنا عرفت ظاهرة العبودية في فترات من تاريخها ،ولم تكن نشازا في ذلك أو بدعا من الأمم ،ومع تسليمنا ببعض الحيف –الذي لم تسلم منه فئة اجتماعية إلا اللمم-- إلا أن وضع العبيد و لحراطين كان أفضل بكثير من وضعيتهم في أصقاع أخرى ،وكان بعض هؤلاء يتباهون بانتمائهم لهذه العائلة أو تلك أو لهذه القبيلة أو تلك وهي وضعية –من بين أمور أخرى- جعلت القرارات الصادرة في هذا النطاق منذ الاستعمار وحتى الآن تعجز عن التحدي لهذه الظاهرة وطي صفحتها بالكامل .
،،واليوم وبفعل التطور الحضاري الذي فرضته المدينة لم يعد بالإمكان السير في الدرب القديم ،واقتضت المدنية حياة مغايرة تحتم تعايشا مغايرا يعتمد استقلالية الأفراد وتساويهم أمام العدالة والقانون، وانمحاء تلك العلاقة التي كانت تحتم على \"العبيد\" البقاء في كنف السادة\" ضمانا للقمة العيش ،وتقتضي أن يكون للسيد عبيد يؤدون مختلف المهام مقابل توفير مؤن المعيشة لهم ...وبالتالي فالعبودية في بلادنا تاريخ غابر وجزء من واقع كان معاشا بسلبياته وإيجابياته ،والوقت كفيل بالقضاء عليها ،والعقلية \"البدوية\" التي تربت ونشأت في ذلك الجو الطبقي تكاد تنصب خبرا ل \"كØ
�ن \" كما هو حال كثير من الحياة اليومية البدوية .
ومنذ قيام الدولة وحتى الآن لا يستطيع مكابر أن يتحدث عن منع هذه الفئة من التعليم أو من ولوج مدارس معينة أو حرمانها من تبوء مناصب محددة ،،وظلت الفرص المتاحة أمامها تتقاطع مع الفرص المانحة للفئات الأخرى وهو ما يتجلى في استلامهم مناصب سامية في الدولة ومشاركتهم الفاعلة في الهم السياسي والاجتماعي والثقافي الوطني دون مضايقة أو تحيز إلى فئة كما يتجلى لمن ألقى السمع وهو شهيد.
- لقد استغل البعض تاريخ هذه الظاهرة المندثر وبقايا ترسباتها -و التي شكلت جزءا من مخلفات الحياة الماضية بعجرها وبجرها -لأغراض ومكاسب شخصية ،فنفخ فيها من روح عنصرية في ذيل القافلة وآوى إلى توجه فئوي ضيق حرج لا يخدم الفئة التي يدعي أنه ينافح من أجل حريتها ،كما لا يخدم-أصلا - الانسجام الاجتماعي الذي فرضته\"الحياة المدنية \"
وقد تطرف بعض هؤلاء لحد تشبيه ما يجري في موريتانيا بما يجري في فلسطين من ظلم واضطهاد ...وشتان ..ووشكان..وملأ كتاباته بما ينم عن عنصرية وقحة ورغبة مرفوضة في الانتقام من ماض \"تولى\"،فصنف المجتمع الموريتاني إلى فئتين فئة أسياد \" لا هم لها إلا السيطرة والإقطاع ولاستبداد والنوح على تلك الأمجاد ،وفئة عرقية مسحوقة مستعبدة تداس كرامتها صباح مساء (ولا توجد منطقة وسطى)..وملأ الدنيا نعيقا بالتهجم على الفئة الأولى حسب تصنيفه المشبوه ،ولم يترك فرصة إلا ونشر فيها دعاياته الزائفة حتى ليترآى أن هؤلاء الناشطين لخصوا أزمات موريتانيا في قضية \"العبودية\" وكأنها
محور تدور حوله كل القضايا دون استثناء ،مستفيدين من التوجه الرسمي ومستغلين التعاطف البريء من لدن بعض البسطاء وبعض الحالات الخاصة جدا والتي ينفخون فيها حتى تصير \"القبة \" حبة ..وكم تهجموا على أسر وعوائل ومجموعات متناسين أن في البلد مؤسسات رسمية مسؤولة عن هذا الجانب ،وكأن تجاوزها والتعاطي مع الأمور من زاوية حادة والصيد في مثل هذه المياه النتنة\"شطارة\" ومهارة\"
وإذا كانت رواسب وبقايا مخلفات العبودية تتعارض ومفهوم\"المواطنة\"وتحظى محاربتها بدعم الجميع-وأنا أحدهم- ، فإن إلقاء التهم جزافا والتضخيم لكل صغيرة في هذا الملف،ولعن تاريخ وأسلاف أمة بالكامل لا يقل عنه خطورة على المواطنة وبالتالي تجب محاربته ..
إننا مطالبون بوضع الأمور في نصابها ،،وعدم الإفراط في نفي هذه الرواسب المتآكلة وعدم التطرف في تهويلها وتضخيمها واستغلالها استغلالا منحرفا ..فكلا الأمرين لم ولن يحقق الغاية المنشودة من هذا القرار شروى نقير.
ثم إن مثل هذه الرواسب الاجتماعية المتآكلة لا تحارب بسن وفرض الغرامات والسجن على هذا الطرف أو ذك فحلول من هذا القبيل هو من باب العمليات القيصرية التي لا تؤمن عقباها ،إذ إن الإكراه في مثل هذه الأمور الاجتماعية عادة ما يزرع الضغائن والأحقاد ويورثها لاحقا للأحفاد ..وساء الميراث..والأولى حلها بالتفاهم والحوار الهادئ بين مكونات الأمة ،وتشجيع الألفة والمصالحة والتعايش السلمي بدل التنابز بالألقاب .وقطع الأرزاق والرقاب.
إنه من غير المفهوم أن تسمح السلطات العليا بترخيص رسمي لمنظمة متمحضة لقضايا عرق معين ..أو لمحاسبة عرق أو فئة معينة والعمل جهارا نهارا .وما درت أن المجتمع ملئي بالرواسب الطبقية التي لو سمح لكل واحدة منها أن تؤسس منظمة لنجدتها وكشف ما حاق بها تاريخيا لتفرق هذا المجتمع الصغير أيادي سبأ ..ولودعنا مفهوم الدولة المعاصرة الذي لا يؤمن بهذا التصنيف الضيق .
إن أغلب طبقات هذا المجتمع قد تعرضت لظلم أو تصنيف مجحف عبر تاريخها ..لكن ذلك لا يمنحها الشرعية لتأسيس \"منظمة نجدة \" غير حكومية للدفاع عن حقوقها ..
فإما أن تتولى الدولة ولغة القانون والسلطات المعنية ومنظمات المجتمع المدني ذات التوجه الإنساني المشترك زمام الأمر ..وتتعامل مع الظاهرة باعتبارها أضحت \"في ذمة الله \" وإن بقي رمق لا يلبث أن يخلد إلى الأرض مع تطاول الأيام ..وإما أن تترك الموضوع يكتسي طابعا عنصريا يستند بعض دعاته على القانون الجديد ..و يجدفون ضد تيار \"الانسجام الاجتماعي \" وضد مفهوم الدولة..ويثيرون حساسيات لن تستطيع الدولة أن تواجه نتائجها الوخيمة إذا ما طفح الكيل و نادى الكل بتشكيل منظمات لنجدة ال.....ونجدة ال....ونجدة ال...وقد أعذر من أنذر!!
أعرف أن هذا الكلام قد ينال سخط \"زيد \" المشحون بعنصرية يسئ من خلالها استغلال القوانين لنشر فحيح مسعور ،،وقد يحظى بسخط \"عمرو\" الذي يرى في هذا الكلام –بنية سليمة- رفضا أو تحفظا على الحديث عن واقع معاش دون أن ينظر للموضوع من زاوية أشمل ،،لكنه بالتأكيد سيكون محل تفهم من من يقف خارج تين الخانتين الضيقتين ويرنو بوسطية واعتدال ووطنية إلى الواقع الذي أفرزته وستفرزه مثل هذه الظواهر السلبية المتطرفة
--نعم ..لا للعبودية في موريتانيا ...لا للشحن الطائفي في موريتانيا...لا لتسميم اللحمة الوطنية في موريتانيا
أحمد أبو المعالي
كاتب وشاعر موريتاني مقيم بالإمارات
[email protected]


Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!