التاريخ: 21.09.2024  التوقيت:03:02 غرينتش


تاريخ الإضافة : 02.02.2010 12:18:28

الحوار مع الإسلاميين

بقلم د. موسى ولد أبنو

في سابقة من نوعها نظمت السلطات الموريتانية حوارا عقديا مع السجناء السلفيين، تحت إشراف العلامة محمد الحسن ولد الددو، يهدف إلى وضع حد لظاهرة التكفير الجهادي المتنامية، وذلك بواسطة حوار شامل بين مجموعة من العلماء الموريتانيين وبين هؤلاء السجناء. لقد أظهرت السلطات العمومية شجاعة سياسية كبيرة بتنظيمها هذا الحوار مع السجناء السلفيين بجميع أطيافهم: تكفيريين، جهاديين، معتدلين. يبدو أن الحوار مع السلفيين الجهاديين قد انطلق في الاتجاه الصحيح، فبعض السجناء بدأ يغير أفكاره وقناعاته وأثبت أنه بإمكانه الدخول في حوار بناء. وبرغم رفض بعض السجناء هذا الحوار، إلا أنه استمر مع أغلبيتهم واستطاع أن يكسر جدار الصمت و أن يعبأ كثيرين في إطار هذه المبادرة. والهدف من وراء هذا الحوار هو حمل السجناء السلفيين على نبذ التكفير والإرهاب. لكن هذه المبادرة كان يجب أن تدمج، بجانب العلماء، المجتمع المدني والأحزاب السياسية ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان.

في البداية لم تتضح مسوغات هذه المبادرة وذلك لكثرة الشكوك التي تدور حول المجموعة السلفية ولأن كثيرين يحشرون أفرادها في خانة التكفير والإرهاب. لقد أثارت المبادرة ردود فعل متباينة. فالعلماء بالنسبة للبعض لا يمثلون الطرف الأمثل الذي يمكنه أن يقود حوارا ناجحا مع السجناء السلفيين، وذلك بسبب تباين المنطلقات الفكرية والمشارب والقناعات بين الطرفين، مما يجعل من الصعب التعامل بين العلماء والمتشددين التكفيريين: فالأُوّل متبحرون في الدين دعاة بالحكمة والموعظة الحسنة، أما الآخرون فهم غلاة متنطعون يلجأون إلى الترهيب لإسماع أصواتهم. وكان من الأجدر في نظر البعض أن يكتفي العلماء بتوجيه المواطنين وتفقيههم في الدين بدل أن يزجوا بأنفسهم في متاهات أمنية لا تعنيهم بالأساس. ورأى البعض في هذه المبادرة رضوحا للمتشددين، وتساءل آخرون هل يمكن التعامل مع التكفيريين، حتى ولو نبذوا الإرهاب٬ بينما انتهت جماعة أخرى إلى أن هذا الحوار جعل من التكفيريين والجهاديين شركاء سياسيين متميزين. أما داعمو هذا الحوار فذهبوا إلى أن هذا الأسلوب أثبت نجاعته في كثير من البلدان الإسلامية وأدى إلى نتائج معتبرة في مجال إعادة تأهيل الجهاديين.

لقد شاهدنا بأم أعيننا التطرف والإرهاب وذلك بعد الهجمات الإرهابية التي شهدتها البلاد في الآونة الأخيرة، فصار من واجبنا أن نواجه التطرف ونقف له بالمرصاد. أرادت السلطات العمومية من وراء هذا الحوار بين العلماء والسجناء الإسلاميين أن تجعل من السلفيين جزء من حل أزمة التطرف٬ بدل أن يكونوا السبب فيها. ولو رفضت الدولة الحوار مع السجناء فإنها قد تكون متغاضية عن ظاهرة التشدد..


أي مقاربة للحوار مع الإسلاميين الراديكاليين في السجون


على الدولة إذا أرادت حوارا جادا مع السجناء أن تغير ظروف اعتقالهم. فالجهاديون التائبون في مصر والسعودية حولوا مواقفهم بعدما حسنت سلطات هذين البلدين من ظروف اعتقالهم. إن على السلطات الوطنية أن تعتمد مقاربة تتأسس على إعادة تأهيل وإعادة دمج الإسلاميين الراديكاليين على غرار دول أخرى. فمثلا يجب حجز هؤلاء في سجون خاصة. وخلافا لما يقع في سجن اكوانتانامو المخزي، يجب جعلهم في ظروف حسنة وأن تكون الكتب في متناولهم، وأن يكون بإمكانهم ممارسة الرياضة وكذلك أن تشغل أوقات فراغهم. علينا أن نعتبر أن الإسلاميين الراديكاليين ضحايا لعملية "اختطاف ذهني" أخضعتهم لإكراه إيديولوجي. فالمسألة إذن هي مسالة صراع للأفكار والمعتقدات تحسم بواسطة الحوار والإقناع.

إن تحسيس عامة الناس حول الفكر الجهادي قد يُمكن من تفادي بعض الانحرافات، كما يساعد على معرفة المتأثرين بهذا الفكر مما يسهم أيضا في الوقاية من الإرهاب والقضاء عليه. وهذا العمل الوقائي يعتبر اليوم أفضل حل على المدى البعيد. إن حماية الضعفاء من التأثر بايدولوجيا العنف ليست مهمة الشرطة فحسب لكنها أيضا تعني السلطات العمومية والمدارس والجامعات والمجموعات المحلية وكل الذين لهم صلة بهؤلاء الضعفاء الذين يسهل اختراقهم. و هذا يعني مشاركة الجميع في هذا المجهود الوقائي.

إن إستراتيجية الوقاية من الإرهاب يجب أن ترتكز على فهم محدد لأسباب التطرف. فعليها أن تتحدى الإيديولوجية الكامنة وراء التطرف و أن تضع العراقيل أمام كل من يحرض على العنف، و أن تساعد أولئك الضعفاء الذين تم تجنيدهم من قبل المتشددين، على حين غفلة من أمرهم، و أن تقوي وسائل المجموعات من أجل التصدي للفكر الجهادي المتشدد. وأخيرا علينا أن نقدم حلولا لأسباب الاستياء التي يستغلها الإيديولوجيون. فالتحدي لا يكفي أن يوجه للعنف والتطرف فقط ولكن أيضا للايدولوجيا الجهادية ذاتها.




ملتقي سنغفورة حول إعادة دمج الجهاديين المسجونين


مناهضة الإرهاب: من المجابهة العسكرية إلى إعادة تأهيل الجهاديين.

في فبراير من سنة 2009 جرى في سنغفورة ملتقى نظمه المركز الدولي للعنف السياسي و البحث في مجال الإرهاب، وهو المركز الذي يشرف عليه روهان جوناراتنا، الذي لقيت أعماله حول الإرهاب صدى واسعا. ونجد تقريرا مفصلا عن هذه الندوة على موقع Religioscope ( يونيو 2009) .مثل هذا الملتقى أول ندوة تنظم حول موضوع إعادة تأهيل الإرهابيين، وإن وردت كلمة "إرهابيين" في عنوان الندوة، إلا أنها كانت تُعنى في الأساس بالجهاديين. ومنطلق هذه الندوة أنه لا يكفي أن يٌسجن إرهابي ويوضع وراء القضبان وأنه ينبغي أن نتساءل هل يمكن أن تصبح فترة التوقيف فرصة إعادة تأهيل و إعداد لإعادة الدمج٬ بدل أن نترك السجون تتحول إلى مدارس للتطرف، كما يحدث في حالات كثيرة. وفي الوقت الذي تسجن فيه عبر العالم عشرات الآلاف من الأشخاص بتهم تتعلق بالإرهاب، فإن هذا التساؤل يبدو ملحا أكثر من أي وقت مضى كما يقود هذا السؤال إلى اتخاذ إجراءات احترازية أعم تبدأ بالإجراءات المتعلقة بأسر وأقارب المتطرفين المسجونين.


السجن مكان للمراجعات


توجد حالات كثيرة من تراجع المتطرفين خلال فترة إقامتهم في السجن، إما بإيعاز من السلطات أو بمبادرة ذاتية. فالسجن يمثل إطارا يمكَّن من مراجعات كثيرة، بغض النظر عن التأثير النفسي للتوقيف. توجد علاقة غريبة بين السجون وتطور الحركات الراديكالية، فالأفضل والأسوأ قد يُنتج أثناء فترة السجن. ففي السجن تطور فكر السيد قطب إلى الراديكالية، وذلك خلال توقيفه في الخمسينات من القرن الماضي. لقد ألف في زنزانته كتابه: "معالم على الطريق" الذي مثل بيان الإسلام الراديكالي في العالم العربي. وأيضا في غياهب السجن٬ وتحت وطأة التعذيب٬ تحول أيمن الظواهري إلى الراديكالية، وهو سليل العائلتين الارستقراطيتين. وبعد ذلك بسنوات صارت السجون المصرية مكانا للتبادل وبناء فكر ينبذ العنف ويطوي صفحة الماضي، عند ما أعلنت الجماعة الإسلامية توبتها وفندت قناعاتها السابقة. فمنذ بضع سنين والجهاديين القدماء المصريون والسعوديون، على سبيل المثال، يقومون بالنقد الذاتي ويفحصون بتمعن قناعاتهم السابقة. ففي زنزاناتهم يعمل هؤلاء التائبون الجدد على تدمير ما بنوه طوال السنوات: فالحوار المنعقد في السجن بين السلطات العمومية وهذه الجماعات الراديكالية أدى إلى تحولات وساهم في إقامة جو ملائم للتبادل.

وفي اسبانيا تراجع أربعمائة مسجون من المنتمين إلى الجيش البصكي، بعد ما قررت السلطات توزيعهم على سجون مبعثرة في نواح متعددة من البلد، بدل أن تحشرهم في مكان واحد، وذلك لإبعاد الأفراد عن تأثير الجماعة الذي يؤدي إلى تماسك أعضائها وتطبق الحكومة الاسبانية اليوم نفس الأسلوب مع الجهاديين المسجونين. وفي سنغفورة كما في ماليزيا توظف برنامج إعادة تأهيل الجهاديين تجارب مماثلة جرت قبل بضعة عقود مع أعضاء مجموعات الشيوعيين المسجونين آنذاك.


الإسلام الراديكالي بين المجابهة الإيديولوجية و إعادة تأهيل الجهاديين


منذ أن وقعت هجمات الـ 11 سبتمبر 2001 صارت الجماعات الإسلامية الراديكالية تحتل الصدارة في لائحة انشغالات حكومات كثيرة عبر العالم وانصبت الاهتمامات شيئا فشيئا لا على قمع نشاط العنف فحسب ولكن أيضا في مجهودات التصدى الإيديولوجي للفكر الجهادي و إلى إقناع الناشطين بتغيير سلوكهم.

لقد حددت المداخلات المقدمة في ملتقي سنغافورة حالات كثيرة بالنسبة لدوافع الجهاديين. فبجانب الانتماءات ذات الطابع النظري توجد أخرى نتجت عن ظروف سياسية. فالأشخاص الموقوفون بتهمة تورطهم في نشاطات إرهابية ليسوا كلهم إرهابيين متحمسين. فبالإضافة إلى القناعات الإيديولوجية قد يكون الدافع إلى التطرف يتمثل في صراعات أو مظالم، وهي أمور قد تكون وراء اعتناق بعضهم للفكر المتشدد.

لقد ظهرت بسرعة حدود ما يسمى "بالحرب على الإرهاب" حتى في الأوساط الحكومية المسؤولة عن الأمن. وعبر عن ذلك، أواسط التسعينات من القرن الماضي، العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، عندما لفت انتباه الذين كانوا يحاولون التصدي للأصولية، فقال إن الأصولية لا يمكن محاربتها بالدبابات ولا بالجيوش المدججة بالسلاح٬ ولكن محاربتها تتم بالأفكار. ويبدو أن جهات حكومية عديدة وصلت إلى نفس القناعة، فصارت تطرق أبواب الحوارات الدينية من أجل التصدي للفكر الجهادي، حتى ولو كانت مآرب هذه الجهات تختلف من دولة إلى أخرى.


برامج إعادة تأهيل الجهاديين؟


تكمن أهمية ملتقى سنغفورة في مشاركة مسؤولي مشاريع "إعادة تأهيل الجهاديين" في دول عديدة عبر العالم من ضمنها برنامج إعادة التأهيل السعودي الذي استحدث بعد هجمات الرياض سنة 2003 واستثمر وسائل مهمة مكنت من تنظيم حوارات مع أكثر من 3500 سجين، حسب مسؤول إدارة الأمن الايديولي في وزارة الداخلية السعودية. يرسل السجناء الذين قبِلوا بإعادة التأهيل، إلى مراكز يفترض أن تهيئهم للرجوع إلى الحياة الطبيعية. وطوال فترة السجن تتلقى أسر السجناء مساعدة مالية لكيلا تلجأ إلى مساعدة الجهاديين وتفاديا لاتساع دائرة التطرف. ومنذ سنة 2004 شارك ما يناهز 2000 سجين في هذا البرنامج، أطلق سراح سبعمائة منهم.

تتردد عبر وسائل الإعلام أخبار دولة أخرى، ذات كثافة سكانية مسلمة، هي اندنوسيا، التي وضعت مشاريع مكنت من توظيف الجهاديين التائبين في برامج محاربة التطرف. وترتكز هذه البرامج على الاهتمام بانشغالات السجناء وعلى تنظيم حوارات بينهم وبين علماء مختارين يحظون بثقة محاوريهم ويتمتعون بمصداقية كافية. وتهدف هذه النقاشات إلى إقناع السجناء، حسب الإمكان، بأن الأعمال الإرهابية لا تمت بصلة إلى الدين الإسلامي. وترافق هذا المجهود الإيديولوجي مساعدات اقتصادية تقدم للسجناء المطلوق سراحهم كي يتمكنوا من إعادة الاندماج. ويتم اكتتاب بعض هؤلاء السجناء التائبين ليكونوا دعاة ضد قناعاتهم السابقة.

وفي الواقع كما يشرح ذلك بعض مسؤولي البرنامج الاندنوسي لم يكن الهدف في البداية إقناع المناضلين بأخطائهم بقدر ما هو تسهيل التحريات، إلا أنه أعطى في النهاية نتائج مشجعة. فمن بين مائتي سجين أجريت معهم اتصالات عبر سنوات٬ فإن نصف هذا العدد تقريبا قبل المشاركة في هذه المبادرة.

أما في ماليزيا فإن مهمة إعادة السجناء المتطرفين إلى طريق الصواب قد أسندت إلى مؤسسة حكومية هي قطاع التنمية الإسلامية، كما وٌضع برنامج مواز لصالح زوجات المسجونين. و عندما يتم إطلاق سراح سجناء سابقين يستمر الاتصال بهم لكي لا يعودوا إلى الفكر الجهادي من جديد.

وفي سنغفورة وٌضع برنامج إعادة التأهيل وإعادة الدمج بالفعالية المعروفة لهذه الدولة الصغيرة، التي تحرص دوما على التوازنات الداخلية و تتحاشى كل ما من شأنه أن يخل بها٬ سواء على المستوى السياسي أو الديني. ويعني ذلك أيضا اعتماد "أغلبية إسلامية معتدلة"، ضمن المجموعة الإسلامية لهذا البلد التي لا تتجاوز خمسة عشر بالمائة من مجموع السكان.

إن المبادرات السنغفورية المناهضة للايدولوجيا والهادفة إلى إعادة دمج الجهاديين جاءت نتيجة اعتبارات عملية: كيف يمكن تفادي ظهور جيل جديد من الجهاديين ضمن أسر السجناء؟ كيف يمكن تحرير بعض الموقوفين دون أن يقوموا مجددا بنشاطات خطيرة؟ ينظر إلى عمل إعادة تأهيل ودمج الجهاديين من زوايا ثلاث: نفسية، اجتماعية، دينية. مع نهاية 2001 قامت المصالح الأمنية السنغفورية بالاتصال ببعض المسؤولين المسلمين الذين قبل بعضهم، بعد تردد، التعاون مع السلطات وتأسيس جماعة إعادة التأهيل الديني. تشتمل هذه الجماعة على ثمانية وثلاثين مستشارا من كل الأعمار ومن النساء والرجال٬ تم تكوينهم في منظمات إسلامية دولية مرموقة. على موقع الوب لهذه الجماعة يمكن الاطلاع على وثائق كثيرة باللغة الانجليزية تركز على المقاربة الإيديولوجية المضادة من أجل دحض الفكر الجهادي. وتعتَبر جماعة إعادة التأهيل الديني هذه أن الجماعات، مثل الجماعة الإسلامية، أهم جماعة جهادية في المنطقة، لا تعدو كونها تحوِّل منظومة اعتقاد إلى أيدولوجيا منحرفة. والهدف هو تصحيح هذا الفهم الخاطئ للإسلام و أيضا تكييف التقاليد الإسلامية لكي تلائم الوضعية السنغافورية المعاصرة. يفكك مستشارو مجموعة إعادة التأهيل الديني المصطلحات التي تعتمد عليها الرسالة الجهادية وبطبيعة الحال وعلى المستوى السيكولوجي فإن البرنامج السنغفوري ومثيلاته في دول أخرى تستفيد من المشاكل الشخصية للموقوفين لحملهم على إعادة النظر في انتمائهم.

تمتد فترة إعادة التأهيل علي مراحل عديدة تبدأ بحمل المحتجز على مراجعة موقفه والدخول في علاقة استثنائية مع المستشار الذي يرافقه على أن يحاول السجين أن يعي الطريقة التي أغوي بها و أن يبدأ نوعا من "التصحيح الإيديولوجي". ومع نهاية المسار يجب أن يتعهد السجين المعاد تأهيله بعدم العود للانتماء إلى منظمة إرهابية. وبما أن الموقف الجهادي قد يعبر أحيانا كثيرة عن تعطش لخدمة هدف، فإن مستشاري جماعة إعادة التأهيل الديني يحاولون إعادة توجيه طاقات السجين المعاد تأهيله نحو أهداف أخرى كالعمل الإنساني مثلا. طوال فترة التوقيف تقوم جماعات مسلمة بتأطير أسر السجناء على المستويات المادية والمعنوية، لكيلا تتكون عندها ضغينة قد تساعد على تقبل الفكر الجهادي، في الوقت الذي تٌشرك فيه المجموعة الإسلامية بالمعنى العريض لتحول دون التطور نحو الجهادية.

وهكذا في ليبيا وبانكلادش تحاول السلطات إقناع السجناء الإسلاميين بالعدول عن الايدولوجيا الإرهابية. وفي جميع حالات برامج إعادة التأهيل يعترف المسؤولون بأنه لا يمكن إقناع جميع السجناء وأن منهم من سيظل يتشبث بقناعاته. ولذا تشكل مرحلة تمييز الممانعين، من الذين سيتقبلون مقاربات للإسلام تختلف عن المقاربة الجهادية، مرحلة من أهم مراحل هذه البرامج.

كل البرامج المذكورة هنا تمثل تجارب مهمة لا يمكن لبلدنا أن يستخف بها٬ وذلك في الوقت الذي يطلق فيه سياسة الحوار مع السلفيين، وبخاصة إذا كان ينوي، على غرار دول أخرى، وضع برنامج للتصدي لظاهرتي التطرف والعنف. وإذا كان الحوار مع السجناء السلفيين مثل مبادرة تذكر فتشكر٬ إلا أنه لا يمكن التوقف عنده. إذ أن هذا الحوار ليس مهما إذا لم يمثل بداية مقاربة جديدة لظاهرتي التكفير والجهاد في بلدنا. وفي ما يلي سنحاول رسم الملامح العامة لما قد يمثل برنامجا وطنيا لإعادة تأهيل المتشددين.


من أجل برنامج وطني لإعادة تأهيل المتشددين

إن كثيرين من بين الشباب المنتمين إلى الجماعات السلفية معرضون للتأثر بدعاية القاعدة. يقبع في السجون الموريتانية أقل من سبعين سلفيا وجهت إلى بعضهم تهم تتعلق بالإرهاب، لكن دائرة أوسع في المجتمع صارت تتعاطف مع الفكر التكفيري الجهادي. لذا يجب ألا يقتصر مجهود دحض الفكر الجهادي على المسجونين فقط. يجب أن ينتج برنامج إعادة تأهيل المتشددين عن تصور يشرك جميع المعنيين من علماء وسياسيين وصحفيين وممثلين للجهات الأمنية، يعملون سواء في إطار لجان متخصصة. وأيضا يجب إشراك أقارب وأسر السجناء في هذا البرنامج٬ الذي يجب أن يشمل تنظيم دروس وحلقات للنقاش تبرز تناقضات الأفكار الجهادية و خطورتها.


كيف تتم إعادة التأهيل؟


إن قمع المتشددين ينبغي أن ترافقه مجهودات ترمي إلى التصدي للايدولوجيا الجهادية من أجل حمل الناشطين على تغيير سلوكهم. ويجب وضع برنامج لإعادة تأهيل المتشددين تنظم بموجبه دورات للتحسيس حول المفهوم الحقيقي للإسلام وإثبات أن الفكر التكفيري الجهادي يغاير الإسلام. ولهذا الغرض لا بد من تشكيل مجموعات Think Tanks من أجل المشاركة في محاربة التطرف وتمكين المسلمين من استعادة دينهم وإبرازه في صورته المشرقة، ومجموعة Think Tank هي مجموعة من الخبراء على قدر ما من التخصص٬ يكونوا مستعدين لإبداء أفكار في مجالات متعددة، بمهارات تحليلية، وتفكير ذاتي يهدف إلى تقديم اقتراحات تتعلق بالسياسة العمومية.

إن برامج إعادة التأهيل هي برامج ترمي إلى تفادي العنف والتطرف وكثيرا ما ترتبط هذه البرامج بجهود المناهضة الإيديولوجية. يجب أن نضع الحوار مع السلفيين في بلدنا ضمن إطار عام يمثل تجارب في مجال محاربة التطرف وإعادة تأهيل المناضلين الجهاديين ومناصريهم في دول مختلفة من العالم الإسلامي وأيضا ضمن مجهودات التصدي للإرهاب التي صارت تهتم شيئا فشيئا بالتحدي الإيديولوجي للفكر الجهادي. إن صعوبات كثيرة في مجال إعادة الدمج تنتظر سجناء عددين بعد خروجهم من السجن، وقد تساهم في تشددهم. وفي أحيان كثيرة تكون أسر عديدة قد تأثرت بسجن أحد أفرادها، خاصة على المستوى المادي. وقد يلجأ أطفال بعض السجناء إلى التخلي عن الدراسة بسبب شح الوسائل أو لأنهم صاروا مهمشين بفعل الاتهامات الموجهة إلى آبائهم، مما قد يؤدي بهم إلى ارتكاب مخالفات. وهذه بعض الإجراءات التي يجب القيام بها في إطار أي برنامج جاد يهدف إلى إعادة تأهيل السجناء :

• تنظيم حوارات بين المتشددين وبين علماء مختارين يحظون بثقة محاوريهم ويتمتعون بمصداقية كافية؛
• تنظيم ندوات ونشر كتب؛
• التآم دورات تحسيسية لفائدة العسكريين والشرطة وكل الأشخاص الفاعلين في مجال مكافحة الإرهاب؛
• إنشاء شبكة وطنية تتصدى للدعاية التكفيرية والجهادية وتوظف دعاة مرموقين وذوي مصداقية؛

. عند ما يتم إطلاق سراح السجناء يلزم الدولة أن تساعدهم في إعادة الدمج، وعليها أن تربط صلات قوية مع أسرهم وأن تساعدهم في الحصول على العمل كيلا يعودوا إلى سيرتهم الأولى. وقد يرجع السجناء إلى العنف بعد إطلاق سراحهم بسبب المعاملة التي تعرضوا لها خلال فترة توقيفهم؛
. إرسال السجناء، الذين قبِلوا بإعادة التأهيل، إلى مراكز يفترض أن تهيئهم للرجوع إلى الحياة الطبيعية؛
. تأطير أسر السجناء على المستويات المادية والمعنوية وتقديم مساعدات مالية لها٬ طوال فترة السجن٬ كيلا تلجأ إلى مساعدة الجهاديين و تفاديا لاتساع دائرة التطرف؛
. توظيف الجهاديين التائبين في برامج محاربة التطرف.

لا يكفي أن نطارد الإرهابيين وأن نمنعهم من القيام بهجمات، لكن أيضا تجب حماية البلد بتقوية مناعته ضد الإرهاب. وعلى الدولة أن تهتم بالإجراءات الوقائية٬ لكيلا ينجرف أقوام نحو الإرهاب أو نحو مباركة العنف والتشدد. إن الحرب ضد الراديكالية ومناهضتها الإيديولوجية ينطويان على جوانب عديدة لا يمكن إحصاؤها في هذا الحيز، بدء بتطوير مواقع الكترونية يفترض أن تقدم ردا على الخطاب الجهادي المنشور على الانترنت، و تكون حاجزا أمامه. و تظهر شيئا فشيئا أهمية الانترنت في سرعة انتشار الخطاب الجهادي.





Class SQL 1.1 | Database down. | Please contact [email protected] | Thank you!